الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤسسات المجتمع المدني وإشكالية مصادر التمويل

سامي حسن

2006 / 2 / 28
المجتمع المدني


يعتبر تمويل مؤسسات المجتمع المدني (الأحزاب السياسية، المنظمات الأهلية....) من القضايا الهامة جداً لنجاح عملها وتحقيق أهدافها، بحيث يمكننا القول أن عدم قدرة هذه المؤسسات على تأمين احتياجاتها المالية الضرورية سيعكس نفسه بالضرورة على أدائها و ديناميكيتها وآفاق تطورها. فضرورة تمويل أي تأمين الاحتياجات المالية لأي مشروع اقتصادي أو ثقافي أو اجتماعي أو سياسي سياسياً هي بديهية لا يختلف عليها اثنان، ولكن الاختلاف يبدأ عند الحديث عن مصادر هذا التمويل؟ وإذا كانت مصادر التمويل الذاتية ( تبرعات الأعضاء والأصدقاء، مشاريع استثمارية...) لمؤسسات المجتمع المدني هي مسألة طبيعية لا ضرورة لنقاشها، فإن مصادر التمويل الأخرى وتحديداً الخارجية هي اشكالية حقيقية، تتباين المواقف منها بين مؤيد ومعارض.
فبالنسبة للمؤيدين للتمويل الخارجي لا يمكننا وضعهم في سلة واحدة، فهناك من يؤيد التمويل من قبل الحلفاء الشركاء في الفكر والسياسة سواء كانوا دولاً أو أحزاباً أو مؤسسات أو......
وهناك من يؤيد التمويل الخارجي بل ويسعى إليه انطلاقاً من دوافع ذاتية ومصلحة شخصية وكفرصة لمشروع استثماري شخصي؟ وهؤلاء لا يهمهم المجال الذي يستثمرون فيه، ولا الفائدة التي يمكن أن يعود بها المشروع على المجتمع، ولذلك لا يهمهم من هي الجهة الممولة ولا أهدافها ولا يتحفظون على أي شرط من شروطها، وما يهمهم هو المال والمال فقط وهؤلاء أشبه بمثقفي السلطة الذين يدفعهم سعيهم للمال والامتيازات إلى الترويج لها والدفاع عنها مهما بلغت درجة استبداديتها ولا عدالتها اتجاه مجتمها؟
وهناك من يبني موقفه المؤيد للتمويل على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة؟ فمن أجل تحقيق هدف نبيل لا بأس حسب قولهم من غض النظر عن بعض سلبيات التمويل كما يمكن تقديم بعض التنازلات للجهات الممولة مقابل انجاز برامج عمل ومشاريع وأهداف هذه المؤسسات، فنلاحظ أن حزباً يناضل في بلد ما من أجل الديموقراطية يقبل الدعم المالي من نظام استبدادي يقمع شعبه في بلد آخر؟ وتقبل مؤسسة أهلية تنشط في مجال حقوق الانسان التمويل من الادارة الأمريكية الملطخة يديها بدماء الشعوب؟ ولا تمانع منظمة مناهضة للعولمة من قبول التمويل من مؤسسات وحكومات رأسمالية؟
وهناك فئة من المؤيدين بشروط للتمويل الخارجي كأن لا تفرض الجهة الممولة أجندتها؟ والحقيقة أن لهذه الفئة اشكاليتها؟ فإذا لم تقم الجهة الممولة بفرض أجندتها أو بعضاً منها، فهل هذا يعني أنها حليفة؟ يأتيك الجواب ليس بالضرورة، فربما تكون ليست حليفة ولكن لها أجندة معينة نتقاطع معها، وهذا ما يبرر قبول التمويل؟ ويتابع أصحاب هذا الرأي بأنه في حال وضعت هذه المؤسسات شروطاً فإننا سوف نرفض وليذهب عندها التمويل إلى الجحيم؟ وفي الرد على وجهات النظر المؤيدة للتمويل الخارجي نقول وبشكل مكثف:
1- إن التمويل الذاتي للمؤسسات من خلال التبرعات مثلاً يتيح لها ويدفعها إلى التفاعل الإيجابي مع المحيط الحيوي لعملها سواء كان المجتمع ككل أو فئات منه، وبالتالي يساهم في الدفع باتجاه جعل هذا المحيط شريكاً حقيقياً في المشروع السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو.... لهذه المؤسسات، وهو هدف طبيعي واستراتيجي لأي مؤسسة سواء كانت حزباً أم منظمة أهلية.
2- إن المؤسسة التي تنطلق في بنائها وخطط عملها واستراتيجيتها على أساس كم معين من الموارد التي لا تمتلكها وإنما تأتيها من جهة خارجية ستجعل من أي اختلاف مع تلك الجهة ( وهو أمر قائم والتجربة تؤكده حتى مع أقرب الحلفاء) سبباً إما لقطع التمويل (وما يعنيه ذلك من تعثر العمل وتراجعه، إن لم نقل توقفه) أو لرضوخ المؤسسة لشروط الجهة الممولة وأجندتها
3- تؤكد التجربة حتى الآن على النتائج السلبية بل الكارثية التي ادى إليها اعتماد العديد من المؤسسات على التمويل الخارجي، فقد كان هذا التمويل ولا سيما الضخم منه والزائد عن الحاجة؟ سبباً في انتشار الفساد ليس في المؤسسات وحسب بل و في المجتمع، وأدى إلى ترهل وتخريب وتشويه العاملين في هذه المؤسسات وإثارة الصراعات فيما بينهم، ووصل الأمر في كثير من الأحيان حد تمزيق وتدمير مشاريع سياسية ووطنية وتحررية. وفي هذا السياق نشير إلى الدور التخريبي الكبير الذي لعبه التمويل المقدم من قبل مؤسسات رأسمالية كبيرة (فورد فونديشن،......) والذي أدى إلى إثارة البلبلة والانقسامات في صفوف حركات اجتماعية عالمية كحركة مناهضة العولمة.
4- إن عدم محاربة هذه الظاهرة وعدم تحويل رفض التمويل الخارجي إلى قيمة اجتماعية أدى إلى تشجيع واستساغة التعامل مع هذه الظاهرة وانتشارها في المجتمعات بشكل كبير، وقد ساعد في ذلك استغلال العديد من المؤسسات – لا سيما منها المنظمات الأهلية ذات البرامج المتعارضة مع المجتمع واحتياجاته الحقيقية - للظروف المعيشية السيئة، مما أدى إلى صعودها على حساب المؤسسات ذات البرامج المعبرة بشكل فعلي عن مصالح وهموم واحتياجات المجتمع وبالتالي لعبت تلك المؤسسات الصاعدة دوراً مهماً في منع انكشاف التناقضات الحقيقية في المجتمع وتحولها إلى دافع للتغيير نحو مجتمع أكثر عدالة وإنسانية.
أخيراً من المهم الاشارة إلى أن قراءتنا النقدية لظاهرة التمويل الخارجي لمؤسسات المجتمع المدني دافعه الحرص على بناء مجتمع مدني قوي ومستقل، أما النقد الموجه لهذه الظاهرة من قبل الأنظمة الحاكمة في بلدان العالم الثالث فهدفه هو عرقلة بناء هذا المجتمع- لوكانت هذه الأنظمة ديموقراطية لسنت قوانين تمول بموجبها جميع مؤسسات المجتمع المدني من قبل الدولة ولا يقتصر التمويل كما هو واقع الحال على المؤسسات التي تطبل وتزمر لها- وربما بذلك تلتقي من حيث النتيجة مع دوافع العديد من مصادر التمويل الخارجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتظاهرون ضد -العملاء الأجانب-


.. Lawyer arrested on LIVE TV




.. اللاجئون السوريون في لبنان.. ما أبرز معاناتهم وما مصيرهم؟


.. عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. هل هو مشروع جزائري أم إماراتي؟




.. إصابة عدد من موظفي الأمم المتحدة جراء إطلاق نار عند معبر #رف