الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهروب من الصندوق

بلال مزياني

2017 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس الهروب هروبا ماديا ، فالصندوق الذي يستدعي ذالك لا وجود له , بيد ان هناك صندوق أخطر - نسبيا - من ان يتم الاستقرار فيه , ذالك الذي قد نجد انفسنا فيه منذ نعومة اظافرنا معتنقين مذهبه ، مبادؤه وافكاره التي نعيش وفقا لها ، فهذا الصندوق هو الوجود بأكمله بالنسبة لنا ، فيه تعشش الحقيقة المطلقة ، وكل ما هو خارجه يعتبر وهم وخطير ، لذالك اي مسألة أو حدث يجب ان نتعامل معها وفق المعلومات ، الاستنتاجات والافكار التي نستقيها من الصندوق ، بمعنى اوضح نقوم بلي الحقائق لتناسب معتقده ، ونفهم العالم كما نريد .
فهل لديك الرغبة في البقاء هنا في الداخل ؟
هذا الصندوق هو منطقة الراحة الفكرية ، لانه يقدم لك الافكار التي تعتنقها بدون استنزاف طاقتك وجهدك في البحث والتفكير عن التفسير والاسباب والنتائج ، فهو بهذا يريح خلايا مخك من الارهاق الذي يصيب كل المفكرين اثناء بحثهم الجاد ، تريد ألما أقل ؟ - يسأل نيتشه ، ثم يجيب - إنكمش إذا وكن جزءا من القطيع ، وهذا ما نحرض على تجنبه في هذا المقال ، ايمانا منا على ان الصندوق الذي ينكمش فيه القطيع هو في الحقيقة موحش جدا ، مستنقع يقبع في قاع القاع مهما بدت مبادؤه جيدة ، لانه يكبل حريتك في التفكير ، بل الابشع من ذالك هو جعله اياك تعتقد انك تفكر وان الافكار التي تعتنقها وتتعصب لها - في بعض الاحيان - هي ثمرة تفكيرك العقلاني ، لذالك وقبل ان تدافع عن افكارك بهذه الشراسة - كما يقال - قم اولا بالقاء نظرة عليها من خارج الصندوق ، لكن قبل ذالك تذكر ان الضوء في الخارج قد يعمي بصرك في اللحظة الاولى التي تندفع فيها خارجا ، ما قد يقنعك بالرجوع للصندوق على الفور ، لذالك ينصح تسلق السلم بهدوء مستعدا لما ستراه ، لانه قد يقلب حياتك رأسا على عقب ، حيث ستدخل الى منطقة القلق الفكري ، القلق الذي سيزيل التعصب من عقلك ، باعتباره اسمى اشكال القلق التي يصيب الانسان ، فهو يعبر عن نضجك الفكري وتقبلك لمختلف الاراء بتسامح وحب ، وفي نفس الوقت يسمح لك بالشك في كل شيء ، واتباع الدليل الى اين يقودك ، و حتى مع افتراض انك خرجت من الصندوق ، يجب ان لا تهمل فكرة قراءة هكذا مقالات التي تحث على ترك ما تركته ، فقد يكون تركك شكلي ، لجوء الى صندوق اخر او مجرد خدعة من خدع الصندوق .

قد يحدث ان تسخر من خرافات المذاهب الاخرى - وهذا شائع جدا - في اللحظة التي يسخر فيها الاخر في مكان ما على خرافات تعتنقها انت ، بالنسبة لك هذه الامور التي تضحكه حقائق لا يمكن نقضها ، رغم انك في الواقع لم تتحقق من ذالك ، لان مفتاح الفهم تم دفنه مع اجدادك الذين اوجدو هذه الحقيقة ، اما في عقل صديقنا الاخر انت تؤمن بالخرافة والوهم ، وهو استنتج هذا بالعقل والمنطق كما فعلت انت بالضبط في تفحصك لمعتقده ، فنحن دائما نميل الى التفكير بعقلانية في معتقدات الاخرين ، متجاوزين المعتقدات التي نؤمن بها ، لانها وكما اسلفنا الذكر حقيقة مطلقة تم اثباتها قبل قرون ، ومن خلال ما سبق نستنتج ان ما تعتنقه انت وهو ليست حقائق مطلقة ، بل قد تكون مجرد خرافات .
او قد يتبادر الى ذهنك ان كل ما تعتنقه من افكار ومعتقدات قمت بالتفكير فيها بعقلانية و على اساس ذالك انت تتبناها كحقائق ، لكن هل سألت نفسك عن مدى جرأتك في الشك في معتقدك ؟ هل قمت بطرح اسئلة جريئة حوله وبحثت عن الاجوبة ؟ ، حسنا لتكون صريحا مع نفسك يجب عليك اولا ان تتسلق السلم وتخرج من الصندوق لتتفحص هذه الاسئلة ، ثم تبحث عن الاجوبة من هناك ، لانك في هذا الموقع ترى ما في الصندوق من سلبيات وايجابيات ، انت هنا متحرر من قيود الايمان للاعقلاني المتعصب ، بالاظافة لذالك تجد امامك مجموعة كبيرة من الافكار الممنوع عليك الاقتراب منها في الداخل ، انت حر تستطيع التفكير بعيدا عن اغلال الصندوق ، انت تصنع مفتاح الفهم خاصتك ، تنظر للاحداث من كل الزوايا فلا تكتفي بالزاوية الضيقة التي يفرضها عليك ذالك السجن ، من هنا تكون قد تخطيت اوجاع الاصفاد ، منتصرا على المصير الذي ارادوك ان تنغمس فيه .
و لا شك ان المعتقد الذي يرتكز عليه الصندوق مؤثر جدا ومضعض للمشاعر، وأساسه قوي على ان يتم هدمه بسهولة ، كما انه ليس بالضرورة معتقد سيء ، لكن أسوء ما فيه هو الخطوط الحمراء التي سطرها لعقلك لكي يمنعك من التفكير والانفتاح على المعتقدات الاخرى ، فمعتقدك بعظمته مجرد صنم بالنسبة للصندوق ، لذالك يجب عليك ان تحطمه بالتفكير المنطقي لاستجلاء وجه الحقيقة ، و بناءا على هذا يجب الحرص غلى ان يكون المنهج سليم لانه ضروري جدا في عملية التفكير ، لذالك يجب ان تتبنى المنهج الذي يقربك من الحقيقة اكثر ، لكن كن متيقنا ان هذا المنهج لن يفيدك بشيء داخل الاطار الذي يمنعك بالسؤال والتشكيك في المعتقدات التي تمثله ، بمعنى اخر حتى لو سمح لك هذا السجن بالتفكير العقلاني فانه يضع لك خطوط حمراء لا يجب تجاوزها ، لان تجاوزها قد يهدم الاساس الذي بني عليه الصندوق ، اما في الخارج يمكنك تجاوز الخطوط .. بل لا وجود لخطوط حمراء ، فمادمت انسان قادر على التفكير فمن حقك طرح السؤال والشك في كل شيء ، وبالتالي الاقتراب من الحقيقة اكثر ، وهذا ما يؤيده قول برتراند راسل : ان نفهم العالم الحقيقي كما هو وليس كما نريد له ان يكون هو بداية الحكمة .
ابحث عن نفسك بنفسك
ان تخرج من الصندوق معناه الدخول الى ذاتك ، لتسبر اغوارها العميقة ، لتكتشف مدى سعة ما تستطيع التفكير فيه ، نعم ايها الانسان ، إعرف نفسك بنفسك كما قال سقراط ، تخلص من وصاية رجال الدين والساسة ، وحتى المفكرين والفلاسفة ، لاتدعهم يكفرون نيابة عنك مهما كانو اذكياء ، انت ايضا لديك عقل وبالتالي انت الاخر ذكي ، لا تسمح لنفسك بالبقاء في ذالك الجحيم ، كن جريئا في التساؤل مهما كان غير مرغوب فيه وابحث عن الاجابة وراء الخطوط الحمراء ، و حتى في الاماكن الغير متوقعة .
اثبت وجودك ،
فأنت موجود لانك تفكر ،
فلا تتخلى عن حقك في التفكير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف