الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين مقولتين

جواد كاظم الدايني

2017 / 12 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بين مقولتين ....

(الانسان يحيا بالتغيير. الحياة لم تعط له لكي يحفظها, بل لكي يغيرها ) ... ادونيس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اذا نظرنا للتاريخ وحتمية التغيير فيه, فليس من الصعب علينا ادراك ان الافكار تتعفن وتتحلل شأنها شأن الكثير من المواد العضوية والطبيعية. وكما ان تعفن المواد قد يهدد الحياة البيولوجية للناس, فأن الافكار المتعفنة تشكل هي الاخرى خطورة على الصحة العقلية للناس, وما التخلف والتطرف والطائفية والارهاب الا شكلا من الاعراض الرئيسية, لاصابة عقول الناس بالتسمم الفكري.
احد منابع التعفن الفكري, هو ما يجود به الديني من افكار على حاضرنا وعلى الناس, من خلال ثوابت واصول مقدسة غير قابلة للنقد والمراجعة, كونها انها صادرة عن ارادة الاهية ومبلغة للناس كطريق للسعادة الدنيوية والاخروية وشرطا وحيدا لرضا الالهة, وهو ما لم ولن يتحقق بالطريقة التي يقدمها الديني للناس, كون تلك الثوابت والاصول مفصولة بالتمام عن الواقع البشري, ولا تراعي شروط الطبيعة الانسانية, ولا تلتفت للاختلاف والتطور الانساني والفكري, وهي وضعت على ايدي اناس لا تجمعنا بهم علاقة سوى انهم يمثلون لنا فترة تاريخية سابقة لنا, ونحن بشكل وبأخر غير معنيين او ملزمين بما وصلت اليه عقولهم من نتاجات فكرية وثقافية لانها حاجاتهم وليست حاجاتنا.
نحن لا نشبه آبائنا وآبائنا لم يشبهوا آبائهم, وحتمية التطور والتغيير سوف تفضي نهاية الامر الى انحسار الحيز الديني الذي يشغله الان في حياة الانسانية, في مقابل هيمنة واسعة للعقل والعلم فيها, فمختبرات الدين " التاريخية " لا يمكنها مقارعة مختبرات التجربة والقياس " العلمية ", واذا كانت هناك من ندية واضحة في الصراع بين العلم والدين, فأن هيمنة الاخير الظاهرية لا تأتي من قوة وحجية منطقه وفكره, بل في حواضن تلك الافكار والمتمثلة بأطياف واسعة من مجتمعات يغلب عليها التخلف الفكري وتعاني الكثير من المشاكل التنموية والاجتماعية, وهي تنقاد للمقدس بشكل اعمى حتى امست معتلة الارادة والحرية والاختيار.
لم يكن للديني ان يقف مكتوف الايدي, امام محاولة اعادته الى حجمه الطبيعى قبل ان تغوله السلطة ورجال الدين في مسعى للسيطرة على ارادة الناس ومقدراتهم وحبسهم داخل رؤية تحيلهم الى عبيد للمقدس والسلطة. وهن وضعف حجج الديني في صراعه الان جعلته يتبنى التظليل كستراتيجية لحشد انصاره ومريديه, فكانت نظرية المؤامرة على الدين سلاحا مهما لتجييش الرأي الشعبي ضد الكثير من الانجازات الفكرية والانسانية في الفلسفة والفكر الحر والنقد العلمي, اضافة لمحاولات فكرية تلفيقة حاولت تقديم الديني بشكل يتماشى مع الشروط الحضارية التي نعيشها الان, غير ان ذلك لم يتعدى سوى اعادة تلميع تلك الافكار المتعفنة ومحاولة ربطها بالعالم بشكل يطغى عليه الطابع الهزلي. كان بالامكان ان يخرج الديني بخسائر اقل من ذلك كثيرا لو انه لم يحشر انفه في كل واردة وشاردة من هذا العالم.
يتعاطى الفكر الديني مع مقولات داروين وماركس, على انها ( كليشات) ايدولوجية هدفها زعزعة ايمان وعقائد الناس وليست مواضيع للمعرفة والبحث العلمي والانساني, وكأن دارون كان قاصدا اهانة الانسانية حين قرن الانسان والقرد في نشأة مشتركة على سلم التطور الاحيائي, وان غاية ماركس كانت انكار الخالق وتشويه صورة الدين حين كتب ان " الدين افيون الشعوب ". وهي بعد ذلك اصبحت بالضد من الكثير من المقولات الدينية, وهو ما قد يشكل تهديدا لدور الدين في الحياة وتقويض لهيمنته على مصير الناس. غير ان التهديد الحقيقي لا يكمن في تلك الكليشات بل في المشروع المعرفي الكبير الذي تبلور عن فكرة ماركس العظيمة, بأن " النقد اساس التطور _ وأن نقد الدين _ اساس التقدم ", وهذا يعني ان الاختراع الديني امام مشروع لاعادة قراءة وتقييم تاريخيه الطويل, وهو ما قد ينزع صفة القداسة عنه والتي كبلت الفكر البشري بمسلمات ومفاهيم غيبية لا تخضع للعقل والمنطق العلمي ولا تصلح لان تكون اساسا لقيام الدولة الحديثة, الا ان ذلك لم يكن ليستهدف علاقة الانسان بربه والتي هي فحوى الدين ولبه وهي غير قابلة للتنظير او النقد, فيه تقع خارج الشروط العقلية للبشرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( التغيير يحفظ نظام الاشياء, ويبقي العالم صبيا على الدوام ) ...... ماركوس أوريليوس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah