الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصدام الحضاري : سيناريو جهنمي

بشرى ناصر

2006 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


في مطلع القرن العشرين نشر المفكر الألماني (أرنولد شبنغلر) كتابه : إنحطاط الغرب ليلخص فيه مخاوف وهواجس مرحلة كاملة من الحضارة الغربية في ظل فقدان (الهوية) وقد انتهت الحرب الباردة وسقط جدار برلين الذي كان يمثل سداً وحاجزاً بين أوربا الشرقية وأوربا الغربية وبانهيار الاتحاد السوفيتي وتحول العالم الى القطب الواحد ؛بدا وكأن العالم قد أصبح يقترب من حلم الإنسانية المستحيل (اليوتوبيا) أو الدنيا المثالية فقد انتهت العداوة بين أوربا المنقسمة وأصبحت واحدة خاصة بعد انهيار الاشتراكية وانتهاء حقد أنظمة أوربا الشرقية على الرأسمالية ... وباعتبارها الوريث الوحيد للقوة الإستعمارية قامت الولايات المتحدة بدعم الإنقلابات العسكرية خاصة في الوطن العربي لقمع قوى اليسار ومواجهة الخطر الشيوعي الذي يهدد حكم الاستراتيجية الأمريكية إبان الحرب الباردة؛ وقبل أن تبشر العالم بالنقلة الثالثة من مراحل التطوراكتشفت أمريكا أن ما فقدته الشخصية الأمريكية اكتسبته أمريكا ككيان سياسي وأن المجتمع الأمريكي ليس غير مجتمع أقليات ؛ وأن هناك بون شاسع بين الحضارة وبين الثقافة ؛ ولذا نقول أن تمثال الحرية رمزاً للحضارة الأمريكية وليس للثقافة الأمريكية مما يعني أنهم ليسوا أهل ثقافة بل حضارة طالما الثقافة تفكر في حدود (الكيف) أما الحضارة فتفكر في حدود (الكم) ...على أية حال لقد أجمع المفكرون على أن (الدين) و(الثقافة) يصلحان جيداً للتوحيد والتقارب بين الشعوب بل يكادان أن يكونا عوامل رئيسية للتوحيد ؛ فهل انفجر صراع الحضارات فجأة كدمّل متقيح مع تفجيرات 11 سبتمبروليتحول العالم برمته للبحث عن صيغ للحوار والتحالف والمصالحة ؟ وهل تفجر (الهوية) أزمة كبيرة بين الشرق والغرب ؟
دعوني أراهن على أن الإنسانية تتلاقى في الشدادئد والأزمات وأن بنوا البشريجتمعون قاطبة ويتآزرون دون تفرقة في الدين أو العرق والانتماء في المصائب ...وعلى الرغم من أن الشعوب العربية الإسلامية تتأبط شراً من الغرب للجروحات التي سببها لنا بدءاً من الاستعمار المسيحي والقضية الفلسطينية وليس انتهاء بغزو العراق مما جعل لدينامية الكراهية مناخاً مناسباً تتغذى عليه وتعتاش خاصة في ظل مشاعر الغبن والقهر والاضطهاد والفقر وعري ظهر الإنسان العربي من حماية حكوماته ؛ حسناً لقد انحسرت الثورية والتحررية وتراجع الأمل أو غاب مما جعل مواطنونا ينقسمون لخندفين وتيارين فكريين: تيارعلماني وتيار الإصولية الإسلامية؛ ورحنا نلجأ للتاريخ لنمجد ما نراه مشرّفاً ومثالاً نحتذي به؛ بينما لجأ الأمريكي وبعض الأوربي لجعل الإسلام (عدواً بديلاً) مستغلة بذلك احداث 11 سبتمبر أفضل استغلال لحشد وتعبئة الرأي العام الأوربي ... فالمسألة ليست (رهاب) وقلق من تفجير أو تفخيخ الكوكب الأرضي بأسلحة أكثر من فتاكة ... بل هو الغرور والصلف الأمريكي وفقدان (الهيبة) أمام العالم ؛ الا تتفقون معي أن احداث 11 سبتمبر قد غذت مشاعر الحقد والكراهية لدى الغربيين ؟ لقد حاولت الولايات المتحدة المضي بمخططها التوسعي لأقصى مداه خاصة وأن النظام الرأسمالي بسيطرته قد سرّع وعجل من وتيرة تجانس الحضارات؛ لكن الهيمنة الأمريكية تحاول خلق عالم واحد أشبه فعلاً (بقرية صغيرة) بعولمتها الاقتصادية وعولمتها الاجتماعية ولتغدو كبيئة واحدة حتى في توزيع الأمراض السارية والمتفشية؛ وهي تسعى جاهدة لخلق ثقافة أممية جديدة توحد الفعل الإنساني دون خصوصية أو شروط ولذا ترى ملفات دعم حقوق المرأة وحقوق الطفل والمهاجرين ومكافحة عمالة الطفل ....الخ
ومع ذلك فقد لجأت الولايات المتحدة (لقوتها) العسكرية لتدير العالم الذي تحتاج هي اليه وليس العكس ؛ وافتعلت حروباً اجتماعية راح ضحيتها ملايين الفقراء الأبرياء في فيتنام وكمبوديا والعراق وافغانستان لتشبع جشعها ولتفرض هيمنتها فصراعاتها أساساً صراعات من أجل مصالحها المتلخصة بالثروة : على هيئة مواد أولية أو رسوم .... ولذا ولنزعة (الهيمنة) تنهار مؤسسات وكيانات مثل : مجلس الأمن أو الأمم المتحدة ... واذا كانت القوى الاستعمارية الجديدة اليوم تواجه مشكلة عنيفة فهي مشكلة (الهوية) ... على اعتبار أن (الدين) هو القوة المركزية التي تحرك العالم ؛ فبدا وكأن الهوية هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير؛ بحيث صورت لهم الصراع كالآتي :(هم) و(نحن) خاصة وأن العنف العشوائي في العراق قد تصاعد بشكل مجنون وصار (الإرهاب) مثل فايروس ينتشر يحصد الأخضر واليابس مما لم تضعه أمريكا في حسبانها ومما أفقد الولايات المتحدة مزيداً من هيبتها أمام العالم ؛خاصة وأن غزو العراق قد دشن باحتفالية (صراع الخير ضد الشر) ؛ ومما يعزز جملة شكوكي أنها اختارت بلداً مثل العراق يمتلك من الحضارات والديانات والثقافات الكثير ؛ بل يكاد يكون بلد التراكمات الحضارية والتاريخية ....وراحت تطلق عدسات كاميراتها على الفقراء البسطاء يلتقطون (بعض الكراكيب) لتروجها للعالم ولتقدم معها مقولة : أنهم ليسوا بأهل حضارة ولا فكر بل مجرد رعاع أوباش .... ماسحة بتلك الصور كل ما فعلته قصص الف ليلة وليلة في الفكر الأوربي وما قدمته بغداد من رموزللعلم والمعرفة .
واذا كانت دول (محور الشر) للجورج بوش هي المنطقة الممتدة من خليج البسفور وحتى بحر الصين تلك المناطق المتفجرة بالصراع والمتفجرة باحتياطي النفط في آن واحد ؛ فالحل العسكري والألة العسكرية لا تكفي للهيمنة والسيطرة دون استخدام أسلحة أخرى : هي الحوار الحضاري والسلمي خاصة وقد انهار شكل الصراع القديم الذي كان يتجسد في صراع كتلة ضد كتلة ليصبح صراعاً على شكل: مجتمع دولي آمن مهدداً من عصابة أو منظمة إرهابية أشبه بتنظيم المافيا .
يتضح مما سبق أن المرحلة الحالية من تاريخنا تمثل ثقافتين أو ديانتين مختلفتين هما العلمانية الممثلة بالمسيحية والإسلام ؛وشئنا أن أبينا يصبح السجال دائراً بين الخير والشر ؛ الحقد والتعصب والكراهية والتسامح فلا أفضل من استخدام ورقة (حوار الحضارات) طالما (الإرهابيون) يستخدمون الهوية الدينية أو القومية في رص صفوف العرب وشد عرى بعضهم البعض مما سيولد (ربما) مستقبلاً تعصبا للهوية وهو ما لا تقبل الولايات المتحدة بحدوثه مطلقاً ......أخيراً :أخلص الى أن سياسة حوار الحضارات مخطط وضع لخدمة الولايات المتحدة والأوربي بالدرجة الأولى ؛ بعد أن حققت أمريكا إجرءاتها الدفاعية والأمنية بضرب أفغانستان والعراق لكن الإرهاب مستمر ولن تتمكن الولايات المتحدة من تحمل إعادة التجربة بعدو يضربها في عقر دارها ويختفي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استياء قوى سورية من انفراد الجولاني بتكليف البشير بتشكيل حكو


.. هل تدخّل البرلمان الأوروبي في الشؤون الداخلية للجزائر؟




.. المغرب: خضوع الملك محمد السادس لعملية جراحية إثر إصابته بكسر


.. الجزائر: محامي صنصال يؤكد منعه من السفر إلى الجزائر




.. سرب من المقاتلات يرافق طائرة تبون الرئاسية نحو موريتانيا