الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الهند والجزائر

الطيب طهوري

2018 / 1 / 10
المجتمع المدني


شبه مقارنة

في الهند التي كانت مستعمرة إنجليزية، حين أراد سكانها إنهاء الاستعمار الإنجليزي لبلادهم لجأوا إلى ما عرف باسم الثورة السلمية..لم يلجأوا إلى خيار تبني الثورة المسلحة..
في الجزائر التي كانت مستعمرة فرنسية لجأنا إلى خيار تبني الثورة المسلحة..الظروف المحلية والإقليمية والدولية آنذاك دفعتنا إلى ذلك الخيار..لم يكن أمامنا سواه..دفعنا ثمنا باهضا لتحقيق استقلالنا..أكثر من مليون ونصف المليون شهيد كان ذلك الثمن..
- في البلدين تحقق الاستقلال..تبنت الهند النظام الديمقراطي..تبنت الحداثة..و..تقدمت..تقدمت بشكل كبير كبير..هي الآن تحتل المرتبة الـ 12 في الاقتصاد العالمي، رغم تعدادها السكاني الذي تجاوز المليار بكثير..
في الجزائر، احتكرت السلطة التي حكمتنا، منذ بدء الاستقلال حتى الآن، الثورة و الثروة.. احتكرت قوى القمع العصوي وجعلت من الإدارة والقضاء قوتين قمعيتين أيضا..و..لم نحقق أي تقدم يذكر.. رغم أن التضحيات التي قدمناها لتحقيق الاستقلال ، باعتبار الاستعمار الفرنسي كان استعمارا استيطانيا، كان من الواجب أن تكون دافعا لنا لنبني أكثر مما فعله الهنود الذين كان استعمارهم الانجليزي ليس استيطانيا
- ما تحقق كان نقيض ما حلم به الشعب وهو يقوم بثورته .جعلت سلطتنا من ريع البترول وسيلتها الأساسية في إشباع حاجات أفرادها الضرورية والكمالية عن طريق الاستيراد..تصدر البترول وتستورد تلك الحاجات..لم تفكر بالمرة في بناء اقتصاد بديل..لم تفتح المجال للاستثمار المنتج للثروة..و..عندما انهار سعر البترول في السوق الدولية انهار كل شيء..تجد الجزائر نفسها اليوم في الرتبة الـ 166 عالميا في مجال مناخ الاستثمار..يعني ذلك ان العوامل المحفزة لقدوم المستثمرين إليها تكاد تكون منعدمة..
الفئة التي احتكرت الثورة والثروة والسلطة حققت ما كان يدعو إليه بعض الساسة أثناء الاستعمار مما سمي بالاندماج..لكنه اندماج فئوي ..اندماج المتنفذين في السلطة (دون تعميم) ..عدد كبير من الوزراء والمسؤولين السابقين يعيشون في فرنسا..الكثير من الساسة المتنفذين والإطارات المسيرة في مختلف القطاعات وعلى كل المستويات يخاطبون شعبهم بلغة مستعمره..يتحدثون للصحافة بها، في الداخل وفي الخارج..يستعملون الفرنسية لغة تواصل في أسرهم ومع بعضهم البعض..يدرس أبناؤهم في فرنسا..يعالجون هم وأسرهم في مصحاتها ومستشفياتها..يموتون فيها( الموت بدلالتيه العاطفية والجسدية)..احتكروا الاندماج أيضا..
في الهند، نقيض ذلك هو ما حدث،ولم يكن تعدد دياناتها ولغاتها وتعدادها السكاني الكبير مانعا لها من تحقيق انسجامها الاجتماعي بشكل كبير، والوصول بمجتمعها إلى تحقيق التعايش السلمي بين مختلف مكوناته الدينية واللغوية في إطار الديمقراطية..
- هذا الوضع العام سياسيا واجتماعيا ولغويا في بلادنا،هذا الاحتكار التام للسلطة والدولة ، كان لابد أن يؤدي إلى ما رأيناه في فترة التسعينات من القرن الماضي، وما نراه اليوم..ما حدث في تسعينبات القرن الماضي كان نتيجة منطقية لذلك الاحتكار الشامل..لم يجد المجتمع أمامه لمواجهة تلك السلطة الاحتكارية سوى الدين..احتكار جديد في مواجهة احتكار قائم.. لجأت الفئة التي كانت تعمل من أجل الاستيلاء على كرسي السلطة وإبعاد السلطة ،القائمة فعلا، عنه ( الكرسي) إلى الدين..وظفته واحتكرت تمثيله والتكلم باسمه..السلطة نفسها عملت وبكل الوسائل على بروز محتكري الدين، إدراكا منها بأنهم ( محتكري الدين) سيدفعون الناس إلى التدين المفرط ، وهو ما ينفرهم ( الناس) من القوى الديمقراطية ويجعلهم معادين لفكر الحداثة ..و..كان الصراع عنيفا..قوى تحتكر الدين في مواجهة قوى تحتكر الثورة والثروة.. كان لا بد أن يكون العنف..إذا دخل الدين السياسة كان العنف، وإذا دخلها المال كان الفساد ( القول للمصري طارق حجي)..في بلادنا دخل الدين والمال معا السياسة، فكان العنف والفساد معا..
احتكار الثروة والثورة والسلطة من جهة ،واحتكار الدين من جهة أخرى كان لابد أن يؤدي إلى التمزق الاجتماعي وبروز الصراع العنفي بين الطرفين، وجعل القضايا الأساسية، قضايا التنمية والبناء الاجتماعي والفقر والجهل وإفلاس التعليم ..إلخ قضايا هامشية، وجعل القضايا الهامشية قضايا أساسية..صار تحجيب النساء ،مثلا، قضية أساسية ، تقام له حملات تطوعية في الجامعات تدعو الطالبات إلى وجوب التحجب..صار بناء المساجد في كل مكان،في الأحياء وفي القرى قضية مصيرية يفكر الناس فيها قبل تفكيرهم في بناء المدارس والمراكز الصحية وحدائق الطفولة والمكتبات..صاروا يكثرون من الأدعية الاتكالية بدل أن يفكروا في تنظيم أنفسهم والنضال من أجل حقوقهم والوقوف ضد الفساد الذي عم بلادهم..صار تمثال حجري عارٍ يحركهم للمطالبة بتحجيبه أو وضعه في المتحف أهم بكثير من النضال من أجل المطالبة بتحسين منظومتهم التربوية التي أفلست بشكل رهيب..صارت فئة منا، متنفذة، تعيش في فرنسا نفسيا وذهنيا وجسديا، بشكل أو بآخر..الفئة التي يبدو ظاهريا أنها نقيض تلك الفئة المتنفذة ، وهي فئة كبيرة،تعيش نفسيا وعقليا في السعودية، تعيش بدينها الوهابي البدوي..بقية المجتمع يعيش تائها، ضائعا،لا مباليا..الفئتان معا غيبتا المجتمع..غيبتا عقله..غيبتا وعيه..غيبتا قدرته على التنظيم والنضال..غيبتا شعوره بالمسؤولية الاجتماعية..جعتا منه مجتمعا جحويا، لا يبالي أفراده بما يحدث في واقعهم..لا يفكرون في مستقبل بلدهم..لا يفكرون في المستقبل الجمعي لأبنائهم..الأولى غيبته باحتكارها قوة العنف وبنشرالجهل وتعميم الفساد، حتى تبقى متحكمة في كرسي السلطة..الثانية غيبته باحتكارها الدين، حتى تبقى متحكمة في مشاعر الناس وذهنياتهم..
الصراع بين الطرفين الاحتكاريين ذاك جعل كل قضايانا الأساسية مهمشة..جعلها مفتوحة على المجهول، وعلى العنف حتى..مشكلة التنمية الاقتصادية..المشكلة السياسية..المشكلة الثقافية..مشكلة الهوية..مشكلة اللغة..مشكلة التعليم..إلخ..إلخ.. و..
جعل المستقبل، مستقبلنا، على كف عفريت..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبو حمزة: الطريق الوحيد لاستعادة الأسرى هو الانسحاب من غزة


.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق


.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟




.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع