الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة يوسف في الميزان

راضي العراقي

2018 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تكاد تكون قصة يوسف الواردة في القرآن ضمن سورة تحمل اسم ( النبي ) يوسف أقل القصص في احتوائها على الحبكة الاسطورية والفنتازيا من بين قصص الانبياء التي غالباً ما تكون مليئة بالخرافة والخيال البعيد عن المنطق .. فهذه القصة تختلف نسبياً كما قلنا ، فلا عصي تنقلب الى افاعي ولا بحر ينشق ولا حيوانات تتكلم ولا حيتان تبتلع أحد ولا سفينة تحمل حيوانات ولا ولا ..
لكن مع ذلك تبدو غير قابلة للتصديق لعدة اسباب اهمها انها لا يمكن ان تحصل في بلد مثل مصر يعتمد على نهر النيل في زراعته بينما تشير تفاصيل القصة الى حدوث جفاف استمر سبع سنوات .. وهذا بطبيعة الحال لن يحصل الا في حالة انقطاع المطر لمواسم عديدة .. وبما ان جفاف النيل لمدة سبع سنوات يبدو مستحيلا او صعب التحقق لانه يجري عبر أكثر من اربعة الاف ميل تقريباً من منبعه في وسط افريقيا الى مصبه في البحر المتوسط .. وجفافه يعني موت البشر الذين يعتمدون عليه عبر هذه المسافة الطويلة .. كما ان جفافة طيلة سبع سنوات يعني ان المنابع في المنطقة الاستوائية من افريقيا قد تعرضت الى تغيير مناخي خطير ادى الى انقطاع الامطار الاستوائية طيلة سبع سنوات ..وهذا امر يبدو مستبعد .. ومع ذلك سنكون حياديين ونفترض اسوء الاحتمالات ونقول ان منسوب النيل انخفض خلال هذه السنوات السبع مما ادى الى حصول جفاف خطير .. وحصل ما حصل من تفاصيل القصة التي تفترض ان يوسف ( النبي ) استطاع ان يفسر حلم الفرعون عن البقرات السبعة العجاف اللاتي يأكلن سبع سمان .. وما تلى ذلك من رضا الفرعون عليه واطلاق سراحه وتكريمه وتعيينه اميناً على خرائن الارض .. اي انه جعله بمثابة وزيراً للاقتصاد او التموين لتجاوز محنة الجفاف التي عصفت بمصر ..وهذا يعني ان يوسف اصبح من الطبقة الحاكمة وشخصية مشهورة ومحورية في التاريخ المصري لانه انقذ مصر من مجاعة مؤكدة .. لكن مع كل ذلك يخلو التاريخ المصري من اي ذكر ليوسف واعماله الجبارة .. فالتاريخ المصري مدون بشكل مفصل على اوراق البردي وعلى المسلات وفي المعابد والمقابر .. فمن أسماء الملوك والفراعنة ومعاركهم وإنتصاراتهم ومناقبهم الى اسماء الوزراء والطبقة الحاكمة وكل الشخصيات البارزة والمؤثرة في التاريخ المصري .. الى معاملات البيع والشراء وسجلات الزواج الى طرق تحنيط البشر والقطط والسلاحف .. كلها مدونة في التاريخ .. فهل يعقل ان يتم تجاهل حادثة كبيرة كجفاف النيل لسبع سنوات وما رافقها من احداث حصلت بفضل تنبوء ( النبي ) يوسف وتفسيره لرؤيا الملك ؟ ولنكون ( مؤمنين ) اكثر من اللازم .. ونفترض ان احداث المجاعة وقصة يوسف قد تم اهمالها .. او ربما ضاعت في عتمة بعض زوايا التاريخ .. ونتفق ان يوسف وبعد ادى دوره ( التاريخي ) المشهود في انقاذ مصر .. واصبح شخصية ( اعجازية ). فلابد ان الملك ( الفرعون ) قد آمن بقدرات يوسف ومعتقداته التي تتبنى عبادة الاله الواحد الذي هو الله .. فما قام به يوسف لا يمكن الا يكون بفضل اله كبير يستحق العبادة .. وعليه فان الفرعون كان يجب ان يؤمن بالله ( الواحد الاحد ) ويجعله دين الدولة الرسمي .. وهذا يعني ان المصريين لابد ان يعبدوا ( الله ) لان الناس كما هو معروف على دين ملوكها .. ومع ذلك يخلو التاريخ المصري ايضاً من اي اشارة الى اعتناق اي من الفراعنة والمصريين عبادة الاله الواحد الاحد المسمى لدينا ( الله ) ..فقد ثبت تاريخيا ان المصريين عاشوا لفترة طويلة يتبنون مبدأ تعدد الألهة حتى عهد الملك اخناتون والذي قاد أول حركة توحيد , فقد وحّد اخناتون الآلهة في صورة إله واحد سماه آتون ورمز له بقرص الشمس المشعة التي ترسل أشعتها بالخير ، كما سمي نفسه إخناتون أي المرضي لآتون .. اي ان الاشارة الوحيدة في التاريخ المصري الى عقيدة التوحيد هي في عهد اخناتون الذي وحد الالهة في اله واحد هو آتون او اله الشمس . وقد حاول بعض الباحثين في مجال التاريخ المصري ان يتلاعبوا بمجريات التاريخ ليقولوا ان اخناتون هو ( النبي ) موسى .. ومنهم من قال انه ( النبي ) ابراهيم .. في محاولات يائسة لاعطاء الخرافة الدينية مصداقية تاريخية ...
نعود الى شخصية ( النبي ) يوسف لنقول انه بالرغم من الدور التاريخي الذي لعبه في التاريخ المصري الا ان اسمه يكاد يكون مندثر تماماً .. حتى ولو افترضنا ان الملك ( الفرعون) بقي على ديانته ( الوثنية ) فلابد انه سمح ليوسف ان ينشر عقيدته بين المصريين الذين يدينون له بأنقاذهم من المجاعة .. كرد للجميل من جانب الملك اتجاه وزيره ( يوسف ) .. ومع ذلك فلا اثر معنوي او مادي ليوسف ولعقيدته .. فلا معبد يحمل اسمه او اسم الهه .. ولا مسجد ولا جامع ولا كنيسة ولا حتى حجراً او لفافة بردي تحمل اسمه او اسم ( الله ) .. ولو افترضنا ايضاً ان المصريين ارتدوا عن ديانة اله يوسف .. ومحو اثاره .. فهل سيمحى ذكره وذكر مناقبه من سجلات التاريخ ؟؟؟
بقي شيء اخر يتذرع به المتمسكين بصدقية القصة رغم كل ما اشرنا اليه ،. وهو ان قصة يوسف حدثت في زمن الهكسوس .. وهؤلاء هم من غزا مصر واحتلوها لمدة مئة عام .. وهؤلاء ليس لديهم ما يثبت ان قصة يوسف حصلت في فترة احتلال الهكسوس الا ما جاء في القرآن عن تسمية حاكم مصر بالملك ضمن تفاصيل قصة يوسف بينما كان يسميه ( الفرعون ) في قصة موسى .. وهذا الدليل يبدو سادجا وضعيفاً امام حقيقة ان القصة بتفاصيلها ، حصلت بتفاصيلها في مصر سواء كان الحاكم ملكاً او فرعوناً ..
وهكذا تبدو قصة يوسف لا تقل خرافة عن بقية قصص الانبياء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل قرات القصة سيدي الكاتب
الجندي ( 2018 / 1 / 10 - 21:30 )
المطر لمواسم عديدة
اذا لم اخطء نعم حل جفاف طوله 7 سنوات
امر صحيح
2 ولو افترضنا عدم حلول جفاف طوله 7 سنوات اقول لك ان القران لا ينقل كل التغاصيل وبالتالي الجفاف صار لاي سبب كان

اخر الافلام

.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب


.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت




.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط