الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمني وهزيمة المثقف الأعزل

صلاح زنكنه

2006 / 3 / 4
المجتمع المدني


لقد فوجئنا ، بل صعقنا جميعاً ، نحن معشر المثقفين العلمانيين والليبراليين والاشتراكيين والقوميين ، لقرار المفكر المصري الشهير سيد محمود القمني بإعلان براءتـه من أفكاره ، التي طالما استنرنا بها ، وتوقفه عن الكتابة بشكل نهائي ، وعدم المشاركة في أي نشاط ثقافي أو فكري أو سياسي في أي محفل من المحافل ، وعدم الإدلاء بأي تصريح أو رأي للصحافة والإعلام ، بعد تلقيه تهدياً بالقتل عبر بريده الإلكتروني .
أجل ، لقد فوجئنا ودهشنا غاية الدهشة ، لموقف القمني ، الذي عرفناه باحثاً جاداً وجريئاً ومشاكساً ، لكل أنواع التابوات والخرافات والهرطقات . وكانت لطروحاته وآرائه الجريئة صدى واسعاً لدى أهل الدرس والبحث والمثاقفة ولدى عموم الناس ، وبمثابة حزمة ضوء ساطعة سلطها القمني على الجوانب المظلمة من التاريخ الإسلامي ، المليء بالفواجع والمآسي ، حيث اشتغل بدأب ومثابرة ، وبروح علمية موضوعية ، لا تخلو من السخرية والتندر ، على كشف المخفي والمستور والمطمور والمسكوت عنه في ركام العقل الإسلامي المحنط بالنصوص والأشعار والمرويات والخرافات ، عبر مؤلفاته الرصينة والصادمة للذوق العام المتبلد ، مثل مؤلفات : ( النبي إبراهيم والتاريخ المجهول ) و ( الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية ) و ( حروب دولـة الرسول ) و ( ربّ الزمـان ) و ( شكـراً ابن لادن ) و ( أهل الدين والديمقراطية ) والتي كانت القشة التي قصمت ظهر الجمل الإسلاموي، المتطير من كلّ رأي مخالف، فأقدم على التنديد به وتكفيره وتهديده بالقتل وذبحه على الطريقة الإسلامية . والقمني مثقف مستقل أعزل لا يملك سوى قلمه وأفكاره ومكتبته .
يقيناً إنّ تراجع القمني واستسلامه لأمر الواقع ورضوخه لتهديدات التكفيريين الإرهابيين القتلة ، القابعين في كهوف التاريخ وسراديب الجهل والعماء ، هو لحظة ضعف إنساني تحت هاجس الخوف من الموت، المجاني، على يد ( بلطجي ) ملتحي ؛ فهو يريد أن يعيش من أجل عائلته وأبنائه ، لا أن يموت مثل ( فرج فوده ) ، الذي ترك ابنه يعيش في مأساة حقيقية من بعـده . وقد تكون مناورة ذكية ، لحين توفر قسطاً من الحماية والأمان، عبر طلب اللجوء والخروج من مصر ؛ كما فعل زميله المفكر (نصر حامد)، الذي شدّ الرحال إلى هولندا إثر إقامة الحدّ عليه ومضايقته وتكفيره
وفي كلّ الأحوال ، إنّ حادثة ( القمني ) تعدّ هزيمة لنا جميعاً ، هزيمة للخطاب العلماني التنويري ، بل هزيمة للإنسان في مقارعته للظلم والجهل والاستبداد . لكنني أمني نفسي بأننا لن نهزم مادمنا نحمل شعلة الحرية ونحلم بالمستقبل الأجمل وننحت بالكلمات عالماً أكثر إشراقاً وسلاماً ورفاهية ، في الوقت الذي أثبت فيه الخطاب الإسلاموي ، الأصولي السلفي المتطرف ، فشله الذريع في التعاطي مع روح العصر ومستجداته، وعجزه عن ممارسة القيم الحضارية ، عبر المكاشفة والمحاججة ولغة الحوار ، لا لغة السيف والدم والبارود وتجريم الآخر وتكفيره . فليس كافراًَ من يسفه آلهة الجمهور بل الكافر من يتبنى تصورات الجمهور عن الآلهة ، كما يؤكد ( أبيقور) الفيلسوف. فإذا كان السيد القمني ملحداً وكافراً ومرتداً، حسب وصف الأخوة الإرهابيين ، المؤمنين بالله واليوم الآخر ، والناطـقـين الرسمـيـين باسم الإسلام والقرآن والسنة ، فإننا جميعاً ملاحـدة وكفرة وفق تصوراتهم .
لقد كشف الإسلام السياسي ، المؤدلج ، المتشدد ، ذو الرؤية التوتاليتارية ، الضيقة ، الحولاء ، عن وجهه الكالح ، البشع ، وصار قؤيناً للإرهاب في كلّ أصقاع العالم ، بل أن الإرهاب صار يوصف بالإسلامي ، لكثر المجازر التي ارتكبتها عصابات الموت ، باسم الإسلام ، والإسلام منهم براء ، بدمٍ وتحفيز وتشجيع ومباركة من رجالات اللاهوت ، من أئمة ومشايخ وخطباء وأمراء ومتفقهين ، يحللون ويحرمون ويفتون ، على هواهم . فبالأمس قتلوا فرج فوده وحسن مروة ، واليوم يهمون بقتل القمني ، ولكن هيهات ، فالأرض ما زالت تدور( كما قال غاليلو) . إنّ القمني ليس واحداً ، فهناك مئات الآلاف من الذين يؤمنون بأفكاره ، وليس من السهل قتلهم جميعاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رشوا السياح بالمياه.. سكان برشلونة يتظاهرون ضد السياحة المفر


.. لحظة اعتقال الشرطة الإسرائيلية لمتظاهر في تل أبيب




.. رئيس وزراء بريطانيا الجديد ينهي خطة لترحيل اللاجئين لرواندا


.. شهيدان بينهما موظف أونروا جراء قصف إسرائيلي قرب مخزن مساعدات




.. رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين ?