الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتجاج النساء على الرسول

مصطفى زغلول

2018 / 1 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على عائشة فقالت له اين كنت ؟قال عند ام سلمة .فقالت: و ما تصنع بام سلمة ؟و انك نزلت بعدوتين ،احداهما عافية لم ترع و الاخرى قد رعيت ،في ايهما كنت ترعى ؟قال النبي صلى الله عليه و سلم في التي لم ترع و تبسم صلى الله عليه و سلم ( انساب الاشراف ص 35) .( العدوة هي جانب الوادي و عافية معناها الارض التي غطاها النبات) .
يتضح من هذه الاستعارة كيف كانت عائشة توصل خطابها ليكون فعالا و رمزا حادا لايصال الرسالة الى الرسول صلى الله عليه و سلم، و هناك العديد من زوجاته الذين دافعوا و حاجوه في العديد من المواقف لكن عائشة كانت اكثر جاذبية و منطقا لمجابهة النبي و هذا ما يدل على ان المراة العربية بقوتها و عزتها لم ترض الخنوع لاي رجل كيف ما كان و حتى لو كان نبيا، لا اسميه تمردا على الرجال و انما الدفاع عن حقوق المراة و صيانة كرامتها ، نعلم ان الاسلام جاء لصيانة حقوق المراة و كرامتها لذلك ناخذ الموضوع في اتجاه اخر اكثر ماسسة للعنصر النسوي داخل المجتمع الاسلامي و اكثر صلابة ،و هذه حقيقة ليس المساس بالاسلام او النبي او زوجاته، و بعيدا عن التعصب فهذه حقيقة لا ينبغي النظر اليها نظرة غربية و لا شاذة و لاوضح اكثر فان التحول الديني الذي عرفته شبه الجزيرة العربية لم يلغ بصفة قطعية و نهائية عددا من عادات ما قبل الاسلام
و قبل الدخول في مواجهة النساء للرسول يمكن ان نذكر بعض زوجات الرسول الئين لعبوا منعطفا في تاريخ النبي و الاسلام فمثلا سودة بنت زمعة او الزوجة الظل باعتبار هذه المراة و حتى لا اعطي حكم قيمة عليها لانها لم توجد ضمن سلسلة زوجاته، الا لتكون مقدمة و تمهيدا لزواجه الحقيقي بعائشة كل زوجاته تزوجهن لسبب ما : حب سنورده في ما يلي عن حبه لعائشة و هي ابنة ستة سنوات ، اعجاب ، قرابة ، مصلحة قبلية او سياسية الخ،الا سودة فقد تزوجها الرسول بلا سبب،بل انه لم يرها من قبل اي انه كان زواجا كلاسيكيا بلغة اليوم.
و يذكر ابن اسحاق في كتابه السيرة صفحة 238 و خاصة الفقرة الثانية ان بعد وفاة خذيجة لم يتزوج الرسول الا بعد ثلاث سنوات و كان يخاطب دائما حبه لخذيجة ، حتى ظن الصحابة ان الرسول سيحرم الزواج بعد وفاة الزوجة لكن الاحداث و الصورة التي ستاتي فيها زمعة ستغير المجرى و مع ذلك يبقى النبي وفيا لخذيجة ، و هذا ما يدل على ان الرجال اوفياء لزوجاتهم و لحبهم الاول خاصة المجتمع اليثربي الذي حكمت فيه المراة بقبضة من حديد،و لنعود الى زمعة ان بعد مرور تلاث سنوات ستاتي امراة عارضة لسبب يظل مجهولا و جراة غير مبررة فالنساء بطبعهن جريئات الى حد لا يطاق، تسمى خولة بنت حكيم و عرضت عرضها على الرسول قائلة : الا تتزوج ؟ قال و من ؟ قالت: ان شئت بكرا و ان شئت ثيبا .قال : ( من البكر و من الثيب) فقالت: اما البكر فعائشة بنت احب خلق الله اليك و اما الثيب فسودة بنت زمعة ( تاريخ الطبري ،المجلد التالث،ص156 ) و انبرت تتحدث عن جوانب الايمان لدى سودة.
و هذا يدل على جراة المراة على الرسول و خيرته بين امراتين و سيختار زمعة و قبل الدخول عليها سيختار ايضا عائشة و سيطلق زمعة كاول امراة يطلقها الرسول في الاسلام رغم تحريم الطلاق و لا يوجد سبب الطلاق و هذا ما اوردته عائشة انها كانت امراة بدينة و عجوز و كانت مسنة فطلقها.لكن ما يثير انتباهي لماذا هذه الاخبار تروى كالعادة على لسان عائشة فقط . لكن زمعة بجراتها كذلك بدات تعترض طريق الرسول و مرة بكت و قالت يا رسول الله هل اعتدت علي في الاسلام بشيء؟ فقال اللهم لا .فقالت اسالك بالله لما راجعتني فراجعها. و جعلت يومها لعائشة و قالت و الله ما غايتي الا ان ارى وجهك و احشر مع ازواجك.
تركها الرسول مع عائشة في البيت نفسه لانها على حد تعبيرها : ما بي على الازواج حرص و لكني احب ان يبعثني يوم القيامة زوجا لك. بقيت قانعة بدورها تلعب من الناحية الرمزية دور ام زوجات الرسول فيما بعد و طال بها الزمن ان توفيت بالمدينة في خلافة معاوية بن ابي سفيان.
مما لا شك فيه ان التذمر المعبر عن انعدام التكافؤ بين الرجال و النساء يصادف مجيء الاسلام.ان طريقة سرد الاحداث التي اعتمدها الاخباريون و المفسرون،في ذكر اسباب النزول تعطي الاولوية للحلقات البارزة المرتبطة مباشرة بنزول الوحي و زمنه و تتجاهل الاسباب العميقة،و مع ذلك يتبين من بين سطوره ان النساء حاولن اسماع صوتهن، و من بين الامثلة على ذلك تلك الاحتجاجات المتكررة الموجهة الى الرسول.لا نتوفر على معلومات تتعلق بالممارسات السابقة على الاسلام حتى نحكم على حجم التغيرات التي طرات على مكانة المراة و وضعيتها.و في هذا الصدد يكشف اللجوء الى معجم قديم دون شك عن ضآلة الاصلاحات المنتظرة.
يبدو الخطاب الصادر عن المحتجات خطابا راديكاليا في بعض جوانبه.فهو لا يندد بانعدام التكافؤ فقط في اقتسام الميراث.باعتباره امر غير عادي،بل انه يعيد النظر في اسسه.ان النساء اللواتي ينحدرن من نفس الاله، و ينحدرن من نفس الاسلاف يطالبن بالمشاركة في الغزوات،كما يطالبن بالاستفادة من نفس الامتيازات التي يستفيد منها الرجال.مثل هذا الخطاب لا يعني البتة حصول تقدم مقارنة مع الوضعية السابقة للمراة.من الوارد جدا انه كانت للمراة العربية انذاك انتظارات، و قد زرع الاسلام بالفعل بعض من الامال في الفئات المقهورة من بينها فئة العبيد و في صفوف النساء من دون شك.لقد كان الخطاب المساواتي قويا جدا خلال المرحلة الاولية لنزول الوحي.و لقد ذهب الرسول الى حد ارساء دعائم و اسس اخوة تعطي الحق في الحصول على الميراث بين صحابته مهما كانت وضعيتهم الاجتماعية،و هي الاخوة التي سوف يتم نسخها بسبب ضغوط الوضع الاجتماعي،و بالنسبة للنساء و خاصة اولئك اللواتي ينتمين الى عائلات الصحابة و دائرة المقربين من الرسول، فقد كان من الواضح وفائهن للدين الجديد و التضحيات التي بذلنها خلال مرحلة الهجرة و التخلي عن العديد من الامتيازات في سبيله كانت عوامل كفيلة بتبرير نوع من الاعتراف بالتزامهن و احترام كرامتهن.من هنا الكثير من الانتظارات المخفقة،الحاضرة بصورة رمزية و جهنها الى الرسول و قد بلغت قوة البراهين و الادلة المقدمة ضد الميراث و المعاملة السيئة حدا جعل تردد الرسول في تقديم اجوبته باديا للعيان،يتعلق الامر اذن بالمجتمع الابيسي الذي كانت فيه الكلمة الاولى و الاخيرة للرجال.الى درجة ان يصل تذمرهن و احتجاجهن الى تعليقات مفسري القران و هم مقتنعون بدونيتهن ،غير ان هذا لم يحدث عن طريق الصدفة.
فقد سمحت العلاقات بزوجات الرسول بتوفير محرك فعال للتعبير عن هذه الاحتجاجات فهؤلاء النساء نشان في ديانة جديدة و تحت سلطة جديدة كانت تتطور تحت انظارهن،و من هنا على الاقل حصولهن على امتياز الانصات اليهن و من الامثلة البارزة على هذا الانصات ما صدر عن عائشة اصغر زوجات النبي من عبارات صريحة و هي تتحدث عن الزواج واصفة اياه بالرق.
و قد قالت في جملة قاسية لاحد المسلمين الذي اراد تزويج ابنته: النكاح رق فلينظر احدكم عند من يرق كريمته.و هذا يدل على ان عائشة اول امراة في الاسلام ترفض خنوع المراة في بيت الزوجية و العبودية للرجل ان تبقى المراة بكرامتها فالزواج مؤسسة بين طرفين يبنيها الرجل و المراة بالتراضي و التساوي و التفاهم ، و هذه مسالة حرية المراة دافع عنها الصحابيات و الاسلام اصدر على الازواج و الاباء احترام حق المراة و حريتها و عدم اكراهها على الزواج و نزلت الاية( و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء) و بوب البخاري فقال : لا ينكح الاب و غيره البكر و الثيب الا برضاها و استدل على ئلك بقوله صلى الله عليه و سلم: لا تنكح الايم حتى حتى تستامر و لا تنكح البكر حتى تستاذن.) اذن النساء حصلوا على الامتياز عدم الخضوع للرجل و الخروج من قبضته و الزواج بالارادة.
ثم ان عائشة كانت هي الوسيط الذي اوصل احتجاج المجادلة التي سميت سورة كاملة باسمها.الا ان هناك زوجة اخرى لا تقل اهمية عن عائشة، و هي التي يرد اسمها في سياق اسباب نزول هذه السورة يتعلق الامر بام سلمة. و هي هند بنت ابي امية بن المغيرة،وقد كانت امراة مشهورة بجمالها الى درجة غيرة عائشة منها، لكن الامتياز الاكبر هو كونها متعلمة، فضلا عن كونها ذات شخصية قوية بحيث كانت احدى المعارضات لعمر بن الخطاب الذي كانت تلومه بحشر انفه حتى في العلاقة الزوجية داخل البيت النبوي. ثم انها كانت تنحدر من اصل شريف و كانت من الاوائل الذين هاجروا الى الحبشة قبل ان تلتحق بالمدينة و بعد وفاة زوجها في احدى الحملات تزوجها الرسول.و من ثم فان تكوينها و اصلها و مسارها كلها عوامل تفسر لماذا كانت هي الناطق باسم النساء و المدافع على قضيتهن لقد كانت بدون شك تقتسم معهن انجلاء الاوهام في العديد من مظاهر الحياة الزوجية و المكانة التي اعطيت لهن تدريجيا و من هنا يمكن اعتبارها بالفعل واحدة من رائدات الحركة النسائية في الاسلام.


المصادر و المراجع
ابن سعد،الطبقات الكبرى دار الفكر لبنان الطبعة الاولى 1994
البلاذري ، انساب الاشراف
خليل عبد الكريم العلاقة بين الرجل و المراة في مجتمع يثرب في العهدين المحمدي و الخليفي
عبد المنعم الهاشمي ازواج النبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تحظى سيارة بيك أب بشعبية كبيرة؟ | عالم السرعة


.. -بقنابل أمريكية تزن 2000 رطل-.. شاهد كيف علق حسام زملط على ت




.. عودة مرتقبة لمقتدى الصدر إلى المشهد السياسي| #الظهيرة


.. تقارير عن خطة لإدارة إسرائيلية مدنية لقطاع غزة لمدة قد تصل إ




.. قذائف تطلق من الطائرات المروحية الإسرائيلية على شمال غزة