الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /5

وفاق القدميري

2018 / 1 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحلقة الخامسة : المدرسة الإيلية

الحديث عن المدرسة الإيلية، هو بالضرورة حديث عن ظهور مواطِن جغرافيّة جديدة للتقليد الفكري اليوناني، فبعد الازدهار الفلسفي على سواحل أسيا الصغرى، وفي منطقة أيونيا بالخصوص (ملطيا، إفسوس)، ولأسباب تتعلق بسقوط هذه المنطقة في يد الفرس (الإمبراطورية الأخمينية)، انتقل العديد من الفلاسفة لجنوب إيطاليا المحسوبة حينها على العالم اليوناني القديم، والمسماة ب MAGNA GRAECA، مما خلق نشاطاً فكريّاً ورث شروط إنتاج النظر الفلسفي من أيونيا وأقاليمها، توريث كان سببه الأساسي هجرة العقول الفلسفية من أيونيا (السواحل الشرقية لتركيا الحالية) إلى إيليا (جنوب إيطاليا الحالية). في مستوى آخر يجب أن نُنبِّه إلى طبيعة النقلة النظرية، بعد النقلة الجغرافية، التي عرفها الفكر الفلسفي اليوناني مع هذه المدرسة، إذ أننا سننتقل من البحث عن الأصول الطبيعية للعالم، إلى شرح نظام الوجود؛ أي من فلسفة في الطبيعة إلى فلسفة فيما بعد الطبيعة، بمعنى أننا أمام لحظة تشكّل أولى لملامح الميتافزيقا كمبحث نظري يبحث في طبيعة عمل بنية نظام العالم.

- إكسينوفان/ Xenophanes
- 570-480 ق.م

وإن لم يوجد دليل واضح على تواجد فعلي لإكسينوفان في إيليا، إلاّ أنّه هناك ارتباط نظري بينه وبين المدرسة، مما جعله يوضع في مكانة التهييء القبلي لظهور الإيلية، أو بعبارة أفضل، من الممكن القول إكسينوفان هو المؤسس البعيد للأسس النظرية التي ستقوم عليها المدرسة الإيلية. من أهم الأفكار التي آتى بها إكسينوفان هي تنبهه لنزعة الأنسنة التي بها تنسب كل فئة من البشر صفاتها الخاصة على الألهة (الأنتربومورفية)، معطياً المثال بكون أنّه لو منحت للخيول والأبقار عقولاً لظنّت هي أيضا الآلهة على نفس صفاتها. ثم أيضا قوله بأنّ العالم له إله واحد منزه عن كل تمثيلات البشر، ثابت، كله عقل، كله بصر، هو والعالم في توحد وتماهي. هذه الفكرة، وللتنبيه، بعيدة عن التصور التوحيدي اللاحق في الأديان التوحيدية Monothéisme فاكسينوفان يرى في الإله مبدأ كلي يتماهى مع العالم.

- بارمينيدس/ Parmenides
- 540-... ق.م

يعدّ بارمينيدس هو المؤسس الرسمي للمدرسة الإيلية، هذه المكانة حظي بها لكونه الراسم الأصلي للملامح الكبرى للتصور الفلسفي الذي به ستعرف المدرسة وتزدهر، انطلاقاً من تصور يرى فيه الوجود كلاً ثابتا وواحدا. قيمة وزن ستَحظى بها أفكاره، وبالتالي هوّ، عند من سليه من الفلاسفة الموسوعيين (أفلاطون؛ وأرسطو).

1- الوجود موجود واللاوجود غير موجود..

هذه العبارة عند بارمينيدس مُؤدّاها هو نفي العدم بإطلاق، فالشيء لا يمكن أن يكون عدما ثمّ يصير موجودا، فالعدم لا يمكنه أن يوجد، ولا أن ينتقل من العدم إلى الوجود. والشيء لا يمكن أن يحمل صفتي الوجود واللاوجود، فالشيء إمّا موجودٌ بالمطلق، أو غير موجودٍ بالمطلق (مبدأ ثبات الهوية). هذا المبدأ سيتوسع مع أرسطو فيما بعد، ليمدّه بدعامة نظرية جديدة، تقسم الوجود إلى مستويين : -وجود بالقوة -وجود بالفعل.

2- عالم الظن وعالم الكثرة..

يرى بارمينيدس أن الحواس تُضَلِلِ، فهي توهمنا بأنّ الأشياء في كثرة، وفي تنوع لا ينقطع ولا ينحصر، بينما في المقابل العقل وإن استعملناه باقتدار فهوّ من يزيل كلّ التباس عن الحقيقة الأصلية القائلة بالتالي : الوجود هو كلٌ ماديٌ ثابت، والكون (التكون والنشوء) والفساد هو محض وهم.

- زينون الإيلي/Zénon d Élée
- 490-460 ق.م

يعدُّ زينون صانع الحجج بامتياز داخل المدرسة الإيلية، فدوره الأساسي كان يتجلى في صياغة الحجج المقوية لتصور أستاذه بارمنيدس عن الثبات والوحدة، ضدّاً على التعدُّد والحركة الذي كان يقول به من تموضعوا في موقف المعارضة لآراء المدرسة (وهم بالخصوص الفيتاغورية التي جاءت أفكارها متعارضة مع موقف الإيلية حينها). إذ أنّه استعمل تقنيات جدلية ومنطقية (وإن كان علم المنطق لم يتأسس بعد، غير أن مجهودات زينون ستساهم في مد أرسطو بأوليات ستساهم ولا شك في تأسيسه). وعلى هذا الأساس سنلخِّص تفنيدات زينون في مبدأين :

1- نفي الكثرة..

وهي حسبه، إما امتداد مكاني، أو كثرة عددية. فالمكان لا يمكن تقسيمه إلى أجزائه، فذاك ما سيلوح في اللانهاية، فكلما أردنا تقسيم المكان إلى نصفه استوجب علينا تقسيمه إلى نصف آخر وهكذا. أمّا إن كانت الكثرة هي كثرة أعداد، فتقسيمها إلى أجزاء يرمي هو أيضا في المحال.. وبالتالي فالكثرة وهم، والأصل هو الوحدة.

2- نفي الحركة..

وهي الأشهر لدى زينون لأنّ فيها يستحضر أمثلته الأربع الشهيرة : - حجة أخيل -حجة الملعب -حجة السهم -حجة الصفوف الثلاث. ومختصر هذه الحجج الأربع أنّ هناك تعذّرٌ بين كلية الشيء وأجزاءه، بين بدايته ومنتهاه. مثلا عند إطلاق سهم نحو هدف ما، على هذا السهم أن يقطع مسافة ما، وإن هو قطعها، فعليه أن يقطع نصفها بعد ذلك، ثم نصفها، ثم نصفها، وهكذا سنسقط في بارادُكس أنصاف لا نهاية لها. وبالتالي فهذه الحركة حسب زينون ما هي إلاّ وهم، لأنها إن كانت حقيقة لما كانت بهذا المقدار من التناقض.

خلاصة :

كل مهتم بتطور الأفكار الفلسفيّة غير مقبول منه تغافل القيمة التأسيسية لأفكار اكسينوفان، وخصوصا بارمينيدس وزينون، في مجمل ما سيتأسس من أنساق فلسفية موالية. فمثلا من الصعب أن تفهم أفلاطون دون أن تكون لك دراية بأفكار هيراقليطس وبارمينيدس، فكأنه وضع الأول في الأسفل، والثاني في الأعلى، تقابلا مع عالمي الصور ومثلها، فعالم التغيُّر هو عالمنا السفليُّ، متغير متحرك وزائل، وعالم الأعالي هو عالم الثبات والسكون والأزل، لا تَفاجُئ هنا إن علمنا أن أفلاطون كان يذكر بارمنيدس بصفة فيها الكثير من الترفيع، وهي «العظيم». أما زينون فذاك دون كثير انتباه هو المؤسس البعيد لعديد اهتمامات أرسطو المعلم الأول، وأهمها هبته الأكبر «آلة المنطق».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: مقتل 7 فلسطينيين بنيران القوات الإسرائيلية في


.. زيلينسكي يطمئن الأوكرانيين ويعيد التأكيد على الحاجة الماسة ل




.. الأطفال في لبنان يدفعون غاليا ثمن التصعيد في الجنوب بين -حزب


.. ردود فعل غاضبة في إسرائيل على طلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتن




.. جيل شباب أكثر تشدداً قد يكون لهم دور في المرحلة المقبلة في إ