الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البدائل السبحانية والغيبية للتفسيرات والنظريات العلمية

بشار غدير

2018 / 1 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع بدايات تشكل الوعي البشري وتطوره واجهت الانسان أسئلة وجودية كبرى حاول الإجابة عليها وفقاً لما توفر له من وسائل لفهم واقعه وحياته ، وقد تنوعت هذه الاسئلة من الأسئلة الكونية الكبرى إلى الأسئلة الأخلاقية إلى أسئلة ما بعد الحياة وقد تغيرت إجابات الانسان عليها مع تطور وعيه وقدرته المعرفية . ففي مجال الأسئلة الكونية دفع عجز الانسان العاقل في العصور القديمة عن تفسير ظواهر الطبيعة والعالم به إلى أن يعزي تلك الظواهر إلى قوى عليا وكائنات ماورائية ، فكانت آلهة الخير والشر والسماء والنار والشمس والأعاصير والزلازل وكانت ظواهر الطبيعة المختلفة ماهي إلا تجسيد لرغبات هذه الالهة وصراعها فيما بينها أو غضبها على بني الانسان .
ومع تطور وعي الانسان وتلمسه لأولى خطواته على طريق العلم والفلسفة ، بدأت تتكشف أمامه ملامح الأسباب الحقيقة لظواهر الحياة واستطاع استنباط بعض النظريات في علوم الهندسة والبيولوجيا والكونيات ، ولكن الانسان في تلك الفترة ( الحقبة اليونانية ومن بعدها العربية ) ظل يربط تلك الظواهر بإرادة الالهة أو الإله المتحكم بكل قوانين الطبيعة والكون كما أن أغلبية المجتمعات بقيت بعيدة عن العلوم عموماً باستثناء القلة من العلماء والفلاسفة .
ومن المعروف أنه ومع بزوغ ثورة العلوم في القرن السابع عشر مع كيبلر وديكارت ونيوتن أصبحت ظواهر الطبيعة بالنسبة للعلماء تخضع لقوانين واضحة ومستقلة وأصبحت معها مساحة – التدخل الالهي المباشر - تتقلص لحساب القوانين الطبيعية التي تفسرها النظريات والآراء العلمية ، ولكن تلك المساحة لم تختفي كلياً لأن جلّ العلماء في ذلك الوقت كانوا لا يزالوا يؤمنون بدور ما للقوة الالهية في صياغة وضبط القوانين الطبيعية والكونية ، وهذا الأمر ما لبث أن تغير مع القرنين الماضيين مع سيطرة الفكر المادي التجريبي على العلوم بحيث أصبحت فرضية الاله مجرد فرضية لا يلجأ اليها الا فئة من العلماء مع تأكيدهم على دورها المحدود في ظواهر الحياة والعالم المحيط . إلا أن هذه الفرضية - وإن كانت ليست مرفوضة مبدئياً لإغلاق فجوات محدودة - ماتزال تحتل موقعاً متقدما في أوساط الهيئات الأكاديمية والعلمية على الساحة العربية بالإضافة لسيطرتها على واقع المناهج التعليمية العربية وعلى المحتوى العلمي المقدم في أغلب المواقع العلمية العربية وصفحات التواصل الاجتماعي هذا عدا عن انتشارها كثقافة متأصلة على صعيد المجتمعات العربية ككل ، والمشكلة أن دور الاله وفقاً لما تطرحه هذه المنابر "العلمية" يتحول من فرضية ضعيفة إلى حقيقة جلية تتدخل في أبسط وأتفه الظواهر من حولنا حيث تدخل عبارات من قبيل ( سبحان الله- بعناية الله ودرايته) في كل تفسير أو نظرية علمية أو أحيانا على شكل تعليق على حدث أو ظاهرة طبيعية ما كفيضان أو اعصار أو زلزال ، وتتفاقم المشكلة عندما تطرح فرضية الاله على أنها نظرية تفسر كل شيء وتُقدم كبديل لنظريات علمية متفق عليها في الاوساط العلمية كنظرية التطور على سبيل المثال . ولتلخيص سريع لتداعي وتردي مستوى هذا الطرح نستطيع طرح الأسئلة التالية في مواجهة الفرضية –النظرية الالهية والتسبيحات الايمانية المرافقة لها من مريدي الفكر الغيبي :
ماذا أبقت النظريات العلمية للإله من دور ؟
على مدى القرون الثلاث السابقة وإلى اليوم توجت جهود الكثير من العلماء –الآلهة- بالنجاح لتوصلهم للعديد من النظريات العلمية التي تفسر ظواهر الوجود البيولوجية والفيزيائية . وكانت نظرية التطور واحدة من أهم تلك النظريات التي تقدم تفسيرا شاملا لكل التنوع الحيوي على وجه الارض ، حيث قدمت نموذجا مدعماً بآلاف الأدلة الجينية والتشريحية والتاريخية لتطور الكائنات الحية وأصبح لكل أشكال التعقيد البيولوجية أسبابها الطبيعية التي تفسر( كيف ولماذا ) هي بهذا المستوى من التعقيد ، فتحولت كل تلك العجائب الحية والتي كانت تجعل إنسان ما قبل الثورة العلمية يقف عاجزاً ومبتهلا للسماء متمتماً بعبارات من قبيل سبحان الله وتبارك الله أحسن الخالقين إلى مظاهر قابلة للتفسير المتقن وأصبحت معها مثل تلك التفسيرات والسبحانيات الإلهية كلاما فارغا لا ينطقه إلا كل انسان مغيب عالماً كان أم انسانا جاهلا . الأمر نفسه ينطبق على علوم الكون والفيزياء فقد أصبحت حركة الكواكب والشموس والنجوم تفهم في سياق خضوعها لقوانين ثابتة تتعلق بالجاذبية والكتلة ونظريات النسبية بعد أن كانت مصابيح معلقة في السماء ورجوما للشياطين في عصور الانبهار السبحاني بعجائب السماء ، كما أصبحت ظواهر الطبيعة الغاضبة كالزلازل والبراكين - والتي كانت وماتزال عند الكثير من المغيبين تجسيدا لغضب الاله - مفسرة بعوامل البيئة وعلوم المناخ والجيولوجيا .
ماذا عن فوضى العالم وعبثيته ؟
لا يبدو تصميم الكون الحالي مساعدًا على إقامة حياة في أرجائه بل إنها توجد بشكل نادر على الأقل في الكون المنظور، كما أنّ 99% من أشكال الحياة السابقة انقرضت من على سطح الارض ، الأرض نفسها معرضة لتساقط النيازك بشكل دائم والتي تعادل قوتها التدميرية عشرات القنابل الذرية مما يهدد بفناء الحياة عليها ، التشوهات الجنينية والأمراض المعدية الفتاكة ، العيوب التصميمة في الأجساد للكائنات الحية ومنها الانسان ، الكوارث البيئية الحاصلة بمعزل عن دور ما للبشر فيها ... عشرات الأمثلة مما سبق وغيرها يستطيع المرء سردها وهي إن كانت تدل على شيء فهي تدل على سوء التصميم أو عدم كماله في أحسن الأحوال ، وبحيث يصبح من السخافة بمكان الكلام عن دور مميز لإرادة الهية راعية ومصممة لكل ما يجري من حولنا .
ماذا عن إنجازات العلم والانسان ؟ هل من تسبيحات لها أيضاً ؟
استطاعت العلوم التي أنتجتها عقول البشر أن تقدم كل ما فيه خير وازدهار للبشرية ، وقد كانت اللقاحات والأدوية سبباً بالقضاء على الكثير من الأمراض التي قتلت الآلاف كالسل والجدري ( الأوبئة التي بعثها سبحانه وتعالى للبشر ) ومن ثم كانت ثورة الجراحة وزراعة الأعضاء وأطفال الأنابيب والعلاج بالخلايا الجذعية التي قللت من معاناة البشر وساعدت في الحفاظ على النوع البشري وسلامته الصحية ، وفي مجال العلوم التطبيقية والتكنولوجية فقد ساهمت هذه العلوم ليس فقط في تطوير فهمنا للواقع الذي نعيشه بل وبتحسين ظروف حياتنا وتسهيلها وتطويع المواد المحيطة بنا لبناء منظومة حياة راقية ومتقدمة فعبر أبرز النظريات العلمية في مجال الفيزياء استطعنا تصميم أحدث الكمبيوترات والأجهزة الذكية واختراع نظام تحديد المواقع (GPS) والمولدات الكهربائية ، ولا سبيل لذكر الانجازات على صعيد العلوم الانسانية على أهميتها لحصر الموضوع في انجازات الانسان على صعيد العلوم الطبيعية والتي من دونها لبقي الانسان عبداً لخرافات تبجيل الاله وتمجيده والتسبيح باسمه .
كخلاصة فإنه من الجلي أن فكرة التسبيح بمعناها الإيماني لا تضير أحدا بشيء ولكنها كتعبير رمزي عن ثقافة مؤدلجة وعقائدية تريد تحديد وفهم ظواهر الكون بما يتفق مع نصوصها المقدسة وتخلفها المعرفي هي فكرة خطيرة ومعطلة للعقل وهذا ما يعني بطبيعة الحال السير بعيداً عن البحث العلمي الجدي والرصين ومزيدا من التخلف والانحدار المعرفي على صعيد الساحة العلمية العربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا