الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

محمد ابداح

2018 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لطالما وقفت طويلا أمام تلك الآية الكريمة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)، وبالطبع فلم تغب ظلال كتب التفسير عن التأثير في محاولتي لاستيعابها جيدا، ولم تزدها تلك الكتب سوى غموضا وتشويها، بدءا من توقيت التنزيل في حجة الوداع يوم عرفة ومكانه بمكة، مرورا بأحكام الناسخ والمنسوخ وعلاقتها بتفسير الآية المذكورة باعتبارها نسخا للأديان السابقة أم مكملة لها!، إلى أقوال الفقهاء بانتفاء التحريم والتحليل بعد نزول تلك الآية (تفسير ابن كثير-5 /246) ومخالفة البعض الآخر بدليل نزول آية الربا لاحقا، وآية الكلالة في المواريث (أحكام القرآن لابن العربي -2/ 40-41)، وما هو المقصود بالكمال هل هو كمال الصفة أم المعنى، وانتهاءا بالمخاطب بتلك الآية، فهل هم أتباع محمد عليه السلام أم كافة البشر، وفي الحقيقة فإن المخاطب أو المقصود بالآية السابقة هو سبب بحثي هذا، وبعد استعراض أقوال أهم المفسرين كابن كثير والقرطبي والبهيقي وابن جرير وغيرهم في قوله الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ المائدة- 3، وجدت بأن المخاطب هم أمة محمد فقط (فتلك أكبرُ نِعَم الله على هذه الأمَّة؛ حيث أكمل الله لهم دينَهم، فلا يحتاجون لدينٍ أو نبي غيره، ولا حلالَ إلاَّ ما أحلَّه، ولا حرام إلاَّ ما حرَّمه) (ابن كثير 5 /248). وعن ابنُ جرير عن ابن عبَّاس حين قرأ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ﴾، قال يهودي: لو نزلتْ هذه الآية عليْنا لاتَّخذنا يومَها عيدًا، فقال ابنُ عبَّاس: فإنَّها نزلتْ في يوم عيدَينِ اثْنَين: يوم عيدٍ ويوم جمُعة (تفسير ابن جرير 4 /419 )، وذات الرواية في صحيح البخاري ومسلم على التوالي ص 32 برقم 45، ص 1207 برقم 3017.
فإن كان الخطاب في الآية الثالثة من سورة المائدة موجّه لأتباع محمد عليه السلام فقط وهو كذلك وفقا لاجماع فقهاء المسلمين، حيث لم ينزل دين الآسلام دفعة واحدة، بل نزل على جرعات حتى اكتمل، وعليه فلا حجة للمسلمين على اليهود والنصارى وغيرهم بهذا الدين الذي يسوّق للجميع على أنه عالمي، كما أن تمام النعمة المقصود في الآية هي نعمة الإسلام وهي مطلقة بذاتها ومقيدة بأتباعها فقط ، لذا قد يعرج بنا هذا المفهوم للتساؤل عن أي دين هذا الذي اكتمل، فأغلب سكان جزيرة العرب كانت تدين إما باليهودية أو النصرانية وما تبقى كانوا يعبدون الأصنام تزلفا وتقربا للتواصل مع الإله الأعظم في السماء وفق معتقداتهم، يضاف لما سبق العديد من الآيات القرآنية مخاطبة أهل مكة التي تشير لذات التفسير {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.. [البقرة : 151].
إن الغموض الذي قد يظهر هنا مردّه بعض كتب التفسير الفقهي باعتبار أن دين ابراهيم وموسى وعيسى وفقا لآيات القرآن الكريم هو الإسلام، بمعنى أن الخطاب في آية المائدة قد يتّسق مع القول بشموله لليهود وبأن محمدا قد أرسل لليهود وسار بالفعل إلى مدنهم وقراهم (كما فعل عيسى ومن قبله موسى) ولاقى منهم ما لاقى من الذل والضرب والإهانة إلى أن أمر بطردهم من الجزيرة العربية بعد أن يأس من تلبيتهم لدعوته، ولم ينل منهم سوى الغدر ونقض العهود، واكتفى بمن نصره وتبعه من مكة والمدينة وغيرها، وهنا يكون الدين قد كمُل.
وأما عن الجزء الثاني من الآية (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) فما قول اليهودي (لو نزلتْ هذه الآية عليْنا لاتَّخذنا يومَها عيدًا) إلا إبعادا لفكرة شمول اليهود بهذا الدين، وتلك لفتة ذكية ودهاء من قبل اليهودي وقع في فخّها أغلب فقهاء التفسير الإسلامي، وخصوصا أن ذلك اليهودي عمّق الهوة بين (وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( البقرة-150) و(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة-47)- أي أن نعمة الله على اليهود قد تمت بالفعل- من جهة، وبين ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ من جهة ثانية، ولم يتمكن فقهاء التفسير من تجسير تلك الهوة بين شمولية الدين وبين حصره في فئة معينة من الناس.
وإن كان الدين قد كمُل فعلا، فلا يحتاج إذن إلى زيادة، وما يفعله جلّ أهل السنة والشيعة والصوفية والزيدية وغيرهم من بدع ليست سوى تكريس لمفهوم نقص الدِّين وتشويها له، وهذا يقودنا للجزء الثالث من الآية (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا)، رضاء الله للمؤمنين بدين الإسلام يعني بالضرورة اختياره من جملة أديان سابقة وهي بلا شك أديان سماوية غير دين الإسلام، ومن يحاجج بغير ذلك فعليه أن يراجع نفسه أولا وأن يقرأ بتأنّي ثانيا، وإلا فسيكون مفهوم الآية مشوها كأن تقول وأتممت عليكم نقمتي وليس نعمتي، لأنني رضيت لكم الإسلام دينا وأعلم بأنكم لم ولن ترضو به أبدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah