الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة العربية والاشكالية المزدوجة

حواس محمود

2006 / 3 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يختلف اثنان على أن الثقافة في المآل الأخير تعني حياة المجتمع التي من دونها يصبح المجتمع ميتاً ، إذ لا توجد مجموعة إنسانية مهما صغرت بلا ثقافة ، وهذا يعني أن الثقافة توجد حيث يوجد الإنسان ، وذلك من خلال علاقة متبادلة هي العلاقة التي تحدد السلوك الاجتماعي لدى الفرد بأسلوب الحياة والمجتمع كما يتحدد أسلوب الحياة بسلوك الفرد ، فكل ثقافة معينة هي انعكاس من حيث شكل مفهومها لمجتمع معين يتجلى فيه مجمل النشاط الإنساني ، والثقافة العربية الراهنة هي تراكم الثقافة عبر عصور قديمة ( التراث ) إلى وقتنا الراهن ( المعاصرة ) ولا بد من الإشارة إلى أن التراث العربي بشكل خاص يتكون من عنصرين أساسيين " عنصر إلهي سماوي مقدس ، وعنصر بشري أرضي – ثقافة وضعية – ومن تفكيرهم عبر العصور ، إذا كان العنصر الأول قابلاً للتأمل والتفكير فيه ، فإنه غير قابل للتبديل والتغيير ، أما العنصر البشري فهو على الرغم من عظمته في مجمله يبقى عملاً من أعمال البشر يعتريه ما يمكن أن يعتري تفكيرهم وأعمالهم من ضعف أو خطأ أو قصور ، فهو قابل للأخذ والرد على الرغم مما يمكن أن يكون أكتسب من روح التبجيل ومسحة التقديس مما جعله يبدو في أنظار كثيرين من أهل الأجيال صالحاً للاستمرار في الحياة في كل زمان ومكان " د . حسني محمود – المعرفة السورية – ينابر 1993 – ص 94-95 .
ويمكن القول بأنه من هذه النقطة نشأت إشكالية كبرى حول هذا الجزء من التراث ، ولا زالت تفعل فعلها في حياة الأمة ، وفي نفوس الكثير من الناس غفلوا عن أن هذا الجزء من التراث لا بد له من أن يمر بمصفاة الزمن القادرة على فرز الغث من السمين ، والمتنافر مع الحاضر من المتلائم معه ، والسلبي من الإيجابي ، ومن أن لن يبقى من هذا التراث إلا القسم الذي ينسجم ويتجاوب مع احتياجات اللحظة التاريخية الراهنة والذي سيساهم في رسم مسيرة المستقبل وإرهاصاته القادمة ، إذ أن الثقافة لا يمكن أن تعتبر تراكماً من المعرفة ، ولا يمكن اعتبارها امتداداً زمنياً بقدر ما يمكن القول عنها أن التقدم بحد ذاته لا يعني الهروب المستمر من الماضي والتوغل العصبي الانفعالي نحو الجديد – العملية تحتاج لتوازن موضوعي دقيق يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات والمتطلبات الموضوعية للحاضر المعاصر مع أخذ القيم الايجابية للتراث ، وهناك إشكالية أخرى هامة أيضاً في حياة الأمة الثقافية تتمثل في حرمانها من التمثل الطبيعي للحضارة الحديثة " الاستجابة الموضوعية للمعاصرة " التي تم التعرف عليها من خلال عملية الانبهار بالغرب الاستعماري ، وبهذا يمكن القول بحدوث إشكالية ثقافية مزدوجة نبعت أساساً من إشكالية الحياة الماضية والراهنة ( أو كما عبر عنها المفكرون إشكالية التراث والمعاصرة ) إذ أن الأمة ظلت معها عاجزة عن الاستغراق في عملية التأهيل الحضاري – الثقافي – العصري وهكذا تراجعت وتقهقرت شخصية الأمة بمقدار ما افتقدت من عناصر استقلال الأنا والذاتية وبمقدار ما تعرضت في بعض جوانب حياتها لتأثيرات اختراقات الآخر – الغرب – في ظل إغراءات العصرية والتحكم والنفوذ والقوة المهيمنة خصوصاً أنه لم تقم النية لديها في أي وقت في أن تقف أمام الحضارة العصرية موقف ( التلميذ ) الذي عليه أن يتعلم ويتطور حتى يصل إلى مرحلة الاستقلال من المعلم كما فعلت " اليابان " أي بعبارة أخرى لم تقم الأمة بتبيئة الثقافة الغربية في العالم العربي ، وبقيت هذه الثقافة فوقية مفصولة عن السياق الاجتماعي المخصوص ، لقد حصلت مفارقة التطور النظري الثقافي – ثقافة مستوردة على المستوى الأكاديمي والجامعي مع بقاء البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية متخلفة ، لقد حصل استيراد التكنولوجيا الغربية الجاهزة ، ولم تنتبه الأمة إلى أن الحضارة هي " التي تصنع منتوجاتها وليست المنتوجات هي التي تخلق الحضارة " – د . حسني محمود – المعرفة – يناير – 1993 – ص 94-95 .
فحصل ما حصل من إشكالية حضارية كبرى نتلمس انعكاساتها ونتائجها وإفرازاتها لحظة بلحظة ، ويوماً بيوم بانتظار الجهود الفكرية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية الشاملة لحل هذه الإشكالية التي تتألف من عوامل وأسباب عديدة ذاتية وموضوعية متداخلة ومتشابكة تزداد تعقيداً مع تفاقم عملية التبعية والتخلف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج