الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج النسق(12)

ماجد الشمري

2018 / 2 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هناك اشكالاً و وجوهاً عديدة اخرى غير التي عرضناها للاغتراب، منها : الاغتراب الميتافيزيقي - اغتراب الانا عن ذاتها- و الاغتراب الانطولوجي - حيث تقود الحياة الانفعالية الى محض ألية الاستجابة الحيوانية للمؤثرات- و الاغتراب الوجودي - حيث تعيش الذات تجربتها الفردية الخاصة في نطاق الانا افكر ( الكوجيتو الديكارتي) - ، و ايضا الكثير مما يُستجد من انواع جديدة من الاغترابات مصاحبة للتطور و المستحدثات من التقدم العلمي و التكنولوجي ، كالاغتراب التكنولوجي بمعانيه و دلالاته الواسعة و الشاملة لكل مظاهره الملموسة التي نراها اليوم : من عزلة و اغتراب ، و لا انتماء ، و انسلاخ الفرد عن نفسه و مجتمعه ، و تحوله الى عبد للاتمتة المغربة. فنرى الفرد مجرداً من انسانيته و مختزلاً الى سمارت فون او حاسوب او لوح الالعاب الالكترونية او غيرها من مبتكرات الاغتراب الجديد و المتشعب و القادم اكثر هولاً و غرابة!. كتب الفيلسوف الايطالي مارسيليو فيتشانو لأحد اصدقائه قائلاً :" لا اعلم في هذا الوقت ماذا اريد ، و ربما ايضاً لا أرغب في ما اعرف ، و اريد ما لا اعلم "! ما قاله هذا الفيلسوف الحائر هو أحد اقفال الاغتراب العصية على الفتح ، القفل الذاتي الطلسمي المحير ، و الذي يحتاج لمفتاح فريد من نوعه ، ليفتحه !. فهو اية من ايات الاغتراب الانساني الاشكالي ، و مأزق تكويني دون انفراج او حل !. فلو تطلعنا حولنا بحثاً عن ماهيات الاغتراب و رصد حالاته و تمظهره ، فأين نضع مثلا اغتراب " ميرسو " غريب كامو - الذي ازعجته الشمس فأرتكب جريمة قتل اعتباطية دون مبرر!- في تصنيفات اشكال الاغتراب ؟! . و أين نضع اغتراب كافكا - عن تسلط الاب ، و بيروقراطية ساحقة لحرية و أختيار الفرد ، وقدرية الوضع البشري التي تحول الانسان الى حشرة ؟! . و ماذا عن اغتراب "ادغار الن بو " - الذي مات غائباً عن الوعي بتأثير الكحول و الافيون هارباً من اغترابه ، وغرابه يقرع بابه وسط سكون منتصف الليل ؟! . وفي اي خانة نصنف اغتراب " رامبو" - الذي ترك باريس و الحضارة الاوربية الباردة ليموت مجهولاً منسياً لاغياً شعره في قيض ملتهب لصحراء الحبشة القاحلة !-؟! . و ماذا عن اغتراب ابو حيان التوحيدي - المغترب الاكبر الذي عاش قبل الف عام - و هاكم وصفه لاغترابه و كما دعاه هو ، يقول التوحيدي :" قد قيل : الغريب من جفاه الحبيب ، وأنا اقول : بل الغريب من واصله الحبيب ، بل الغريب من تغافل عن الرقيب ، بل الغريب من حاباه الشريب ، بل الغريب من نودي من قريب ، بل الغريب من هو في غربته غريب "!! . ويقول ايضاً " أين انت من غريب لاسبيل له للاوطان ، ولا طاقة به على الاستيطان "؟! غربة مركبة كثيفة عميقة قلقة ، فهو يغادر غربته الى غربة اخرى، الى اخرى، كغريبٍ حق عندما يشعر بأن غربته نفسها قد تحولت الى وطن فينسحب منها الى غربة اكثر نأياً و تطرفاً ، فوطنه غربته و غربته وطنه ، بلا توقف ، فأي اغتراب هو هذا و هو بوسع الوجود ؟!. فأذا كان الاغتراب و لدى التوحيدي بهذا التعقيد و العمق الاشكالي التراجيدي ، وهو الذي عاش في القرن الرابع الهجري ، فكيف سيكون شكل اغترابنا نحن بناء الالفية الثالثة؟!. و هناك الكثير من النماذج المستلبة العصية على التفسير و الوصف و التصنيف في الخانات التقليدية المعروفة من الاغتراب - ان تكون كاهناً، درويشاً ، مؤمناً بالدين، ملحداً ، زنديقاً ، لا ادرياً ، متحرراً من الأيمان بكل اشكاله ، غارقاً بالدين الى درجة التصوف و النسك ، عاقلا ام مجنونا،عاملاً، برجوازياً ، راعياً للغنم ، او اي من الطبقات الاجتماعية ، أو الجماعات او الطوائف و الاقليات ، ان تكون و سط الحضارة و قلب المدنية ، او في عمق الصحراء و بعيداً عن العمران ، منتمياً او لامنتمياً ، كن من تكون ، و كيف تكون فالاغتراب في داخلك يعتاش و يتغذى من عقلك و مخيلتك و تصوراتك و اسئلتك ، و احلامك و كوابيسك ، من امالك و أحباطك ، من غضبك و سكينتك ، من قلقك و بؤسك ، من تصالحك مع واقعك و مصيرك ، من ثوراتك و تمردك و خروجك عن المعايير .. في كتابه " فينومنولوجيا الروح" و في الفصل المعنون " الوعي الذاتي " يعتقد هيجل - وهو على حق- بأن الحياة نفسها هي طاهرة غريبة عنا نحن الاحياء !. فالوعي الذاتي هو وعي انساني بالحياة ، و لكن هذا الوعي يبدو و كأنه شخصاً اخر غير الذات !. فأنا ارى ذاتي خارج ذاتي ! وهذا الاغتراب الانطولوجي سيبقى ملازماً للانسان دائماً و ابداً . أما روسو ، فيعرف الاغتراب في كتابه :" العقد الاجتماعي - و روسو يعتبر أول من كتب عن ظاهرة الاغتراب في العصر الحديث - قائلاً :" ان تغترب يعني ان تعطي او تبيع ، فالانسان الذي اصبح عبداً للاخر لا يعطي ذاته ، انما يبيع ذاته على الاقل من اجل بقاء حياته. أما الشعب فمن اجل ماذا يبيع ذاته؟" . و هنا يميز روسو - حسب تصوره- بين العطاء والبيع، فالعطاء مجاني بلا مقابل ، اما البيع فينطوي على التبادل شيء مقابل شيء ، وروسو يرى هنا بأن يعطي الانسان ذاته مجاناً هو محال و غير متصور و اعتماداً على ان من يقوم بفعل العطاء هو قطعاً مجنون ، والجنون لا يولد اي حق . اذاً فالاغتراب عند روسو هو اغتراب جزئي و ليس اغتراباً كلياً . اما اغتراب الشعب فمن الممكن ان يكون كلياً اذا احال نفسه و خضع لسلطة مطلقة ، و طالما ان الملكية الخاصة هي السائدة فلن يزول اغتراب الانسان . و قد نقده هيجل على تناوله المجرد للاغتراب . و لكن يبقى روسو هو الاكثر قنوطاً من اضمحلال الاغتراب و اختفائه . فهو يقول في مقال له عن اصل التفاوت بين الناس ، عندما اشار الى الملكية الخاصة و المنافسة كعلة رئيسية للاغتراب: " ان الانسان بطبيعته مغترب و لن يصل للاكتفاء الذاتي او يبلغ الكمال "- هل كان روسو هو الاب الفكري الروحي لماركس - و هو يتحدث هنا عن الملكية الخاصة و المنافسة كعلة رئيسية للاغتراب؟! .- في عنوان مقالي و في شطره الثاني ذكرت :" تداعيات اغتراب ذاتي خارج النسق " و قد تعمدت ذلك لابين انها وجهة نظر فردية خارج انساق و نظريات و طروحات محددة تصدت لمشكلة الاغتراب ، و ادعت الحلول الناجعة للقضاء على هذه الظاهرة الانسانية الملموسة في تجلياتها و صورها العديدة المصاحبة للوجود الانساني . و هي تداعيات بالمعنى الفكري و النفسي و الادبي تتأمل في كنه و ماهية الانسان ككائن هو الوحيد بين كل الكائنات الحية المرتبط بنيوياً و المدرك لاغترابه . و يبقى السؤال عالقاً و قيد التداول و الطرح و الديمومة ، السؤال المركزي الذي لن يقبل باي جواب مبتسر و جزئي يختصر الظاهرة الاغترابية بعامل واحد او اكثر و هو السؤال الذي نختم به مقالنا : اذا كان الاغتراب صحيحاً ام خطئاً ، فهل هو جوهرياً و بنيوياً و تكوينياً في الانسان ؟ اي هل هو جزء من بنيته و تركيبه و صميم التكوين الوجودي الانساني الداخلي ، أم هو العكس ، مجرد ظاهرة طارئة و عرضية و خارجية ترتبط بشرط الظروف و الاوضاع الاجتماعية - الاقتصادية - السياسية - و مدى التقدم في الوضع البشري ؟ يجيب على هذا السؤال طرفان متناقضان - و لازال الجدل قائما و محتدماً بين نعم و لا! . الطرف الاول وهم غالبية علماء النفس و المفكرين الماركسيين يجيبون بنعم على كون الاغتراب ظاهرة مؤقتة تتعلق بالظروف الاقتصادية - الاجتماعية و الثقافية و ستزول حتماً بزوال عللها و اسبابها لانها تنشأ اصلاً وسط بيئة نفسية ملائمة و ظروف اجتماعية ، و اوضاع اقتصادية خصبة تساعد على استنبات عوامل و شروط الاغتراب . و من الممكن ان يعود الانسان الى طبيعته الانسانية النوعية المتصالحة و المنسجمة و المتوحدة مع عالمها و ناسها ، اذا ماتلاشى الدين من خيال الانسان و تفكيره، و اذا ما تحقق المجتمع المشاعي المثالي و يملك فيه الانسان زمام القرار في حياته و ما ينتجه ، و في نظام اجتماعي يساهم في بناءه كل افراده دون استثناء بمساواة و حرية ، و في الجانب النفسي يمكن ان يعود الانسان الى طبيعته السوية المندمجة في وسطه الاجتماعي من خلال دور المحللين النفسيين و الطب النفسي و لتسود العلاقات المتوازنة بين كل افراد المجتمع ، فلا يعود هناك اغتراب !. أما الطرف الثاني المضاد فهم الفلاسفة النهلستيون و الوجوديون و قسم من علماء النفس و الاجتماع . و الذي يقول لا- لانهاية لاغتراب الانسان ، فهو داخل النسيج التشكيلي للانسان ، فنحن محكوم علينا بالاغتراب - كما يقرون - فأن الاغتراب هو جزء من التكوين العقلي و النفسي و البايولوجي و الوجودي للانسان . فأن تقول انسان يعني ان تقول الكائن المغترب ! . و مهما بذل او حاول الانسان التملص و الفكاك من وضعه التراجيدي البائس و المعذب ، فلا من خلال الحرية ، و لا من خلال التحرر من الاوهام الدينية ، و لا من خلال تجسيد الاحلام و الاماني الطوباوية و الخيال الفردوسي ، و لا من خلال تغيير العلاقات الاجتماعية او تحرير العمل، و لا من خلال اشباع حاجات الانسان البايولوجية . كل هذا لن يشفي الانسان من مرضه الوجودي و الولادي الكوني ... الاغتراب و منذ بدء الوجود و حتى الموت سيعيش الانسان مغترباً لان الحياة نفسها ، الوجود الانساني نفسه هو اغتراب!. فالحياة هي مجرد فاصل قصير بين عدم ماقبل الوجود ، و عدم ما بعد الوجود ، فاصل فيه الكثير من الاغتراب و التفاهة وربما القليل من الاغتراب و الكثير من التفاهة !!...
نأتي الى الوجود وحدنا ، و نغادره ايضاً وحدنا ، ولا يوجد اسوء من موت الانسان وحيداً ، و مع ذلك فالجميع يموت وحيداً . الحياة بائسة جداً و تافهة ، و لكننا نلطفها بالاوهام و المشاريع ، و من المستحيل ان نعيش دون اوهام و غايات و لكننا مهجورون ليس فقط من الاخر الغريب ، بل و مهجورون من ذواتنا و هذا الانفصال عن الذات هو الذروة في الاغتراب! ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت