الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أصبحت مهمة سائقي التاكسي نشر الجهل والتطرف ؟

أحمد عصيد

2018 / 2 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أصبح بعض سائقي التاكسي دعاة دينيين وفقهاء ومفتين، فهم لكثرة استماعهم طوال اليوم لأشرطة دينية أو لبرامج إذاعية محض دينية، تتسم بالغرابة في كثير من الأحيان، ولوجود "جمهور" لهم من الزبائن الذين يقلونهم لقضاء أغراضهم، أصبحت هوايتهم المفضلة استغلال تواجد هؤلاء الزبائن بجانبهم لبضع دقائق من أجل "هدايتهم"، حيث يبدو أن سائق التاكسي يعتبر أن إسماع الزبائن دروس التطرف الديني يدخل ضمن العمل الصالح الذي يُجازى عليه بالحسنات من عند الله، والتي تنضاف إلى الجزاء الدنيوي الذي تمثله دريهمات الزبون، وأغرب ما في الأمر هو مقدار الصفاقة وقلة الحياء التي يخاطب بها بعض السائقين زبائنهم، إذ يُخيل للمرء أنه أمام "محتسب" بالمعنى القديم، أو أمام والي من ولاة العثمانيين الطغاة، هذا في أسوأ الأحوال، أما في أحسن الأحوال، وإذا كان الزبون محظوظا، فإن السائق سيكتفي بإسماعه جزءا من شريط لبعض الدعاة غريبي الأطوار قبل نزوله، ولست أدري إن كان ذلك يدخل في شروط المهنة أم لا، لكن يبدو أنه أصبح سلوكا سائدا بدرجة مقلقة، إلى حدّ أن اشتكى منه الكثير من المواطنين.
قبل بضعة أيام أخذت تاكسي بإحدى المدن الكبرى لقضاء بعض أغراضي، وما أن جلستُ بجانب السائق ـ وهو ما تصادف مع مرور مجموعة فتيات أمامنا تحملن آلات موسيقية مختلفة ـ حتى انطلق في إدانة الواقع الأسود الذي جعله يعيش في مجتمع تخرج فيه النساء لعزف الموسيقى بدون حسيب ولا رقيب، غير أنني تحليت بما يكفي من اليقظة لإيقافه قبل أن يسترسل في كلامه الهذياني، حيث قاطعته لأذكره بأن الحضارة الإسلامية قد عرفت في عزّ ازدهارها خلال القرن الثاني والثالث وأيام فقهاء المذاهب الكبار، ازدهارا في فنون الموسيقى والطرب والغناء، فاشتهرت الجواري المغنيات اللواتي بلغ ثمنهن مبالغ خيالية، حتى كانت منهن كثيرات بمكة نفسها، ردّ السائق على كلامي بصمت عميق دام لبرهة يسيرة قبل أن يمدّ يده إلى المذياع لإطلاق شريط لأحد الدعاة الدينيين المفوّهين، الذي أتحفني بدرس نادر، وفي ما لا يزيد عن 10 دقائق، استفدت الكثير من الأفكار "العلمية" النيّرة التي ستمثل بالنسبة لي بلا شك زادا في الحياة أنتفع به وأنفع الناس من حولي.
كان درس الداعية حول اللغة العربية وضرورة العناية بها، ولكي يقنعنا الفقيه الفهامة بقيمة العربية وبضرورة النهوض بها، تقدم بالحجج التالية التي تدلّ على وفرة "علمه" وغزارة اطلاعه:
ـ أنها اللغة الأولى التي ظهرت قبل ظهور كل اللغات الأخرى، بدليل أنها اللغة التي تحدّث بها آدم (أبو البشرية) عند نزوله إلى الأرض (كذا !).
ـ أنها لغة أهل الجنة، التي سيتخاطب بها الناس وهم يرفلون في النعيم، ولم يذكر الخطيب المفوه لغة أهل النار، ربما لأنّ هؤلاء لشدّة ما هم فيه لن يكون لهم وقت للتخاطب فيما بينهم.
ـ ومن الأمور الطريفة التي أوردها الداعية الألمعي أن من مظاهر عبقرية اللغة العربية أنها لم تتغير ولم تتبدل، فكما وردت في القرآن وكما كتب بها الشعر القديم والمقامات بقيت إلى اليوم، بينما الانجليزية تغيرت كثيرا وهذا من مظاهر قصورها وضعفها، (هل نضحك أم نبكي، أم فقط نكتفي بأن نندب وجوهنا ونسكت ؟).
ـ أنها لغة غنية بالمترادفات، وقد أورد الداعية أمثلة من التسميات التي كان عرب الجاهلية يسمون بها الأشياء المحيطة بهم في صحرائهم، والتي سموها بأسماء كثيرة، وهو ما لا يوجد في اللغات الأخرى طبعا !!.
أيتها المواطنات أيها المواطنون، ناقشوا بعض سائقي التاكسيات ولا تتركوهم على جهلهم، حتى لا يشيعوه على الناس فتزداد أحوالنا سوءا، ولكم على ذلك أجرٌ عظيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من قيمة اللغة العربية أنك لاتكتب الا بها
عبد الله اغونان ( 2018 / 2 / 6 - 18:53 )

وبدون اضافاااااااااااااااااااااااات


2 - يعفور
سيفاو المحروگ ( 2018 / 2 / 6 - 21:25 )
أستاذ أحمد يسلم قلمك وعقلك ولا تدع بالا لأصحاب الهلوسات الدينية المعلبة عقولهم من قبل فقهاء الحيض والنفاس واستمر فى كتاباتك التنويرية ،فالثورة الرقمية والشبكة العنكبوتية آتية لاريب فيها و ستفضح هؤلاء الشيوخ الدهمائيون.ولقد بدأت بالفعل في إزالة الغشاوة المفروضة على القطيع . للغيبوبة مستويات عدة،وأشبه الغيبوبات بالموت هي الغيبوبة الدينية،بمعنى عندما يغرق الإنسان في هوسه الديني الشديد،عندها تتجمد المجتمعات.


3 - سموم
بلبل ( 2018 / 2 / 6 - 23:13 )
لقد لاحظت هذه الظاهرة مند عدة سنين خاصة اصحاب الطاكسي الكبير صاحب المسافات الطويلة الذي له الوقت الكافي لنفت سمومه بين الركاب وعلى الدولة ان تنتبه لهؤلاء الجناة


4 - ماذا تترجى من بول البعير
البابلي ( 2018 / 2 / 7 - 01:16 )
أن سكت فالسكوت علامة الرضى ...وإن تكلمت سيغلبك الجاهل لسلاطة لسانه واستعماله للآيات القرآنية والبسملة والحوقلة ..وعندها ستحسب على الكفرة فإنك تخالفه إذا انت تخالف القرأن ...وعندها فالويل لك .......لذا فأنا احترت وأحتار دليلي .....أحترم وأشيد بمقالك ...لكن لا أرضى لإي مثقف أن يقنع المتأسلمون بمصادر قرآنية وأخبار عن عصور الجهل والغزوات الوحشية عالمنا الإسلامي ..وماذكرته للسائق عن الغناء في عصر الجواري لهو إشادة لتلك العصور الإجرامية في تجارة الرقيق والبشر ...وذلك يشبه تعليل الأمير محمد بن سلمان في إطلاقه حريات إقامة الحفلات في عصر الذرة واإلانفجار الحضاري حيث قال ..إن الرسول نفسه كان يقيم حفلات الغناء والموسيقى ...ماهذا الهراء وهل كان عندهم غير قنص اليرابيع وبول الإبل آنذاك ....سحقا حقا


5 - الظاهرة متاخرة
أنور نور ( 2018 / 2 / 7 - 02:33 )
ما تقوله حدث بالفعل منذ 30 سنة بدول اخري مثل مصر . الظاهرة جاءتكم متأخرة
الي السيد إغونان : لعل السيد احمد عصيد لا يكتب الا بالعربية لكون عنده أمل في توعية المتعصبين شوفينياً للغة العربية - مثلما هم متعصبون لتوابعها وملحاقاتها


6 - تعليق
على سالم ( 2018 / 2 / 7 - 07:15 )
انا اتفق تماما مع السيد الكاتب , هذا يحدث تقريبا فى معظم دول عربان واسلام , هذه رده حضاريه وثقافيه وفكريه فى منتهى الخطوره , حشر ايات القرأن فى كل شئ مؤشر خطير وكارثى , نحن فى احتياج شديد الى ثوره الوعى والجرأه والفهم ومناقشه ايات القرأن بدون خوف او هلع

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah