الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران تخلع الحجاب

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2018 / 2 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وقفت الشابة الإيرانية "ويدا موحد" (31 عاما)، على منصة حجرية، في شارع الثورة وسط طهران، سافرة تلوح بمنديلها الأبيض؛ مشكّلة إلهاماً لنموذج الاعتراض السلمي الهادئ، لتتحول إلى أيقونة للحركة الاحتجاجية للنساء الإيرانيات الساعيات لإسقاط قانون فرض الحجاب في البلاد.
تبعت "ويدا" ست فتيات طهرانيات، الأمر الذي دفع بشرطة الآداب لاعتقالهن، وإصدار بيان يتهمن بالعمالة للخارج ويهددهن بالسجن الدائم. ثم ما لبثت أن تحولت عبارة "فتاة شارع الثورة" إلى عنوان لحملة شعبية آخذة بالاتساع في عموم المدن الإيرانية، تضم نساء ورجال من مختلف القوميات والطوائف، فاقت قدرة شرطة الآداب على لملمتها (على حد تعبير الكاتبة اللبنانية بادية فحص).

وصف رسام الكاريكاتور الإيراني "بيناخواهي" هذا الحراك الشعبي بالإعصار. حيث رسم "ويدا موحد"، تقف على منصة ملوحة بمنديلها وخلفها يقف شاب وفتاتان يفعلون مثلها، ويظهر الرسم رجلي دين طيرهما الإعصار، وعدد من العمائم والسبحات وقعت أرضا.

كيف حدث ذلك؟

للإجابة على هذا السؤال، ينبغي الرجوع إلى بدايات الثورة الإيرانية، التي أسقطت الشاه، وحولت البلاد إلى جمهورية إسلامية، كانت أولى قوانينها فرض الحجاب.. وفي الواقع، ما الحجاب إلا أحد مظاهر الأزمة، والأزمة في حقيقتها أعمق من ذلك بكثير؛ إنها أزمة بنيوية تتعلق بطبيعة النظام نفسه.. ما يدعونا لطرح السؤال: هل الثورة الإيرانية التي اندلعت في مثل هذه الأيام من عام 1979، كانت ثورة دينية إسلامية، أم كانت ثورة شعبية؟

تجادل هذه المقالة في مقولة أن الثورة الإيرانية كانت حركة احتجاجات شعبية واسعة، هدفها إسقاط الشاه، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكل ما في الأمر أن الخميني جاء على الطائرة الفرنسية، واستولى على الثورة، وحولها إلى إسلامية (طائفية)، بعد أن فرغها من مضامينها الاجتماعية والسياسية.

وقد خرجت تقارير إخبارية عديدة تشير إلى تواطؤ أمريكا في إسقاط الشاه، وتسهيل مهمة الخميني.. ولكن، دون الوقوع في تعميمات ونظريات المؤامرة، تعالوا نحلل واقع الحال قبيل اندلاع الثورة.. وهذا مهم، لأن الثورات الشعبية تكون بالضرورة استجابة للبيئة الاجتماعية والسياسية، ونتاجا لها، بما في ذلك الثورة الإيرانية نفسها.

في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي الإيراني "سعيد ليلاز": "إن الثورة الإيرانية أتت نتاج للتطورات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في السبعينات"، مضيفا: "بدأت المؤشرات الاقتصادية في إيران بداية السبعينات (مع ارتفاع أسعار النفط) تتجه نحو زيادة معدلات التضخم، مع هجرة نشطة من الريف إلى المدينة، التي لم تكن مؤهلة لاستيعاب الأعداد الضخمة من المهاجرين، بالرغم أن معدل الدخل القومي السنوي صار أكبر بعشرة أضعاف من معدل دخول العقود السابقة، إلا أن الناس كانت تسكن أكواخا من الصفيح في ظروف جدا بائسة، وأخذ النمو الاقتصادي يعاني من عدم الانسجام والترابط، وكانت الأجور متدنية والتضخم مرتفعا، فتكونت فجوة كبيرة بين طبقتي المجتمع غير مسبوقة، حيث بلغ مؤشر "جيني" في أواخر السبعينات 0.53 بعد أن كان في السابق دون 0.41 وعندما تصل الأمور عند هذا الحد يعني أن الانفجار موشك في أي لحظة، بسبب اتساع الفجوة بين الطبقات، وغياب العدالة الاجتماعية، وتفشي الفقر والبطالة، وفي العام الذي سبق الثورة الإيرانية بلغت الأوضاع الاقتصادية أسوأ حالاتها، وكان الغليان الاجتماعي في ذروته".

إذن، مع انتشار الفقر والبطالة والتضخم، وتأزم الأوضاع الاقتصادية، صار الانفجار الشعبي مسألة وقت، وما ساهم في تأجيج الأوضاع سياسات الشاه؛ الذي عادى طبقة التجار في "البازار"، واضهد الأقليات القومية والإثنية، وقمع الأحزاب السياسية، إضافة لتفشي الفساد والبذخ في الأسرة الحاكمة.. وهذا يفسر طبيعة الثورة الإيرانية الشعبية، وانخراط كافة أحزاب وطبقات وفئات وشرائح وطوائف المجتمع الإيراني فيها.

تشبه هذه الحالة ما حدث في ثورة يناير في مصر، حيث خرجت جموع الجماهير الشعبية المصرية، تطالب بأمرين: إسقاط مبارك، وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكن "الإخوان المسلمين" ركبوا الموجة، واستولوا على الثورة، وحاولوا تصويرها على أنها ثورة إسلامية، وأن الشعب يريد حكم الإخوان.. كما فعل "حزب الله" من قبل، حيث عمل على إقصاء القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية من الجنوب اللبناني، وتحويل اسم المقاومة الوطنية اللبنانية إلى "المقاومة الإسلامية"..

بالعودة لإيران، ومع مجيئ نظام ولاية الفقيه، سنجد أن طبائع الاستبداد كانت واضحة في تركيبته؛ وملامح الحكم الثيوقراطي الشمولي واضحة في الدستور.. لذلك، ما أن استولى الخميني على الحكم، حتى بدأ بإقصاء كل خصومه، بل كل من اشترك في الثورة، لكنه من خارج الحوزة الدينية؛ فقتل وسجن وأعدم عشرات الآلاف، ضمن حملة تطهير للدولة، والمجتمع.

وعلى مدى العقود الثلاث الماضية، تحولت الدولة إلى سلطة كهنوت؛ في البداية ركزت على شعار "تصدير الثورة"، وخاضت حربا طويلة مع العراق، ثم أخذت تنحدر في أكثر من مجال: مصادرة الحريات، قمع الأقليات، تراجع دور النخب والطبقة الوسطى، وتراجع دورها الحضاري، إضافة لتفشي البطالة والفقر، وانعزالها عن العالم حتى قبل أن يُفرض عليها الحصار والعقوبات الاقتصادية. ورغم أن السلطة يتم تداولها من خلال الانتخابات وبصورة سلمية، إلا أن هذا لا يعكس أجواءا ديمقراطية حقيقية.

ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية (غلاء، بطالة، فقر)، وظهور تقارير تشير إلى تفشي الفساد في مؤسسات الدولة (بما في ذلك المؤسسة الدينية)، وبسبب تورطها في أربعة صراعات عربية (لبنان، اليمن، العراق، سورية)، ومع الموازنات الضخمة التي تخصصها لحلفائها في الخارج (حزب الله، الحوثيين، الجهاد، حماس سابقا)؛ بدأت تظهر علامات تململ شعبي، كانت بوادره في 2009، بعد ظهور تقارير تشير إلى تزوير الانتخابات، ثم في أواخر العام 2017، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهذه الأيام احتجاجا على قمع الحريات، واستمرار عزل البلاد عن العالم.

صحيح أن النظام ما زال متماسكا وقويا، ولكن إلى أي مدى بوسعه الصمود أمام متغيرات العالم العميقة والجذرية، في شتى المجالات، التي ستجتاح إيران عاجلا أم آجلا؟ هل ستخضع "الثيوقراطية الإيرانية" للحراك الشعبي المدني؟ أم ستواصل قمعه؟

من يعش يرى.. لكن التاريخ يخبرنا أن الشعوب هي من تنتصر النهاية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشعب ينتصر
احمد علي ( 2018 / 2 / 7 - 09:52 )
يا ريت


2 - اللعبة كبيرة و أكيد خلفها مخابرات دول
Amir Baky ( 2018 / 2 / 7 - 12:12 )
إيران و السعودية و الأزهر فى مصر هم سبب الدمار الشامل فى المنطقة بل هم سبب لجوء بعض الشعوب للفاشية العسكرية بحجة مقاومة الفاشية الدينية.


3 - مقال هام جدًا على حكام إيران قراءته والعمل بنصائحه
أفنان القاسم ( 2018 / 2 / 7 - 13:05 )
أنت تقول: ((صحيح أن النظام ما زال متماسكًا وقويًا، ولكن إلى أي مدى بوسعه الصمود أمام متغيرات العالم العميقة والجذرية، في شتى المجالات، التي ستجتاح إيران عاجلاً أم آجلاً؟ )) وهذا ما حاولت إفهامه لحكام إيران منذ شهور طويلة وعشرات المقالات و... مع الحلول!!! قلت لهم لا يمكن انتظار إكمال ما بدأتموه في لبنان والعراق وسوريا واليمن، فالانتظار يمكن أن يدوم دهورًا، وبخطوات العقل والفعل هم يعملون بسحر الاستثمار وقوته في إيران وفي المنطقة -وليس بعزل إيران عن العالم- على تحقيق كل أهدافهم بأقل الأثمان...


4 - شكر للاخ الكاتب المتنور
ملحد ( 2018 / 2 / 7 - 13:55 )
شكر للاخ الكاتب المتنور على هذه المقالة القصيرة الواقعية المعبّرة
سوف يسقط النظام الديني الفاشي في ايران عاجلا وليس آجلا!
بضع سنوات قليلة ليس إلا...
فتكنولوجيا الحصول على المعلومات بسرعة هائلة لم ولن ترحم تلك الانظمة الدينية الفاشية...
سقوط النظام الديني الفاشي في ايران سوف يكون مدوّيا...
مفتاح التغيير في منطقتنا المنكوبة بوباء الدين السياسي مرتبطة ارتباطا وثيقا بسقوط الطغمة الدينية العسكرية الهمجية في ايران
سقوط النظام الديني الفاشي الطائفي(شيعي) في ايران سوف يسحب ,اكرر, سوف يسحب (شرعية =شرعية دينية!) وجود الانظمة الدينية (السنية) الباغية في منطقتنا, النظام السعودي والتركي وغيرهم امثلة....
تحياتي لك ايها الكاتب الجرئ


5 - الى الاخ المحترم amir baki
ملحد ( 2018 / 2 / 7 - 14:05 )
الى الاخ المحترم amir baki
كثيرا ما فضّلت مداخلاتك وتعقيباتك المتنورة الصادقة...
ولكن! هنا لي اعتراض على عنوان مداخلتك اعلاه رقم 2: ( اللعبة كبيرة و أكيد خلفها مخابرات دول) ????!!!!!
تعقيبي: انت هنا تقترب كثيرا من الاسلاميين وتبريراتهم الواهية البائسة حول ما يسمى ب (نظرية المؤامرة)?!!
تحياتي الصادقة لك وارجو ان تتقبّل انتقادي بصدر رحب


6 - شكرا لكم أصدقائي
عبد الغني سلامه ( 2018 / 2 / 7 - 20:49 )
لكل الأخوة والأصدقاء الذين تفضلوا بالتعليق
أشكركم على مداخلاتكم القيمة والهامة
وأعتقد أن انهيار النظام الطائفي في إيران، والواهبي في السعودية شرط ضروري لنهضة المنطقة وانتهاء موجات الطائفية والعنف الديني
تحياتي


7 - ولكن
احمد علي ( 2018 / 2 / 11 - 17:40 )
سيدي بحثت في الموضوع
والمصيبة ان بعد مقطع خلع الحجاب
مسيرة كاملة في طهران من نساء بش فقط محجبات وانما منقبات مما يعني ان هذه فقط عملية واحدة او عملية فردية فقط
وشكرا

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah