الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على خطى يسوع- 17- -يا يهوذا، أبقبلة تسلّم ابن الانسان-؟

طوني سماحة

2018 / 2 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"يا يهوذا، أبقبلة تسلّم ابن الانسان"؟
هناك في الحياة أنواع كثيرة من القبل، منها ما هو للحب ومنها ما هو للخيانة، منها ما هو حياة ومنها ما هو موت، منها ما هو سعادة ومنها ما هو شقاء، منها ما هو عطاء ومنها ما هو أخذ، فيها العشق وفيها الكراهية، فيها العسل وفيها السم.

أمسك الجند بيسوع بعدما قبّله تلميذه المقرب. من كان يظن أن القبلة التي تعبر عن أقصى درجات الحب يمكن أيضا ان تعبر عن أقصى درجات الخيانة؟ قبلة كانت تكفي لتقلب حياة يسوع، تلاميذه، ويهوذا رأسا على عقب. فوجئ التلاميذ عندما امسك الجند بيسوع وسألوه "أنضرب بالسيف؟". لم يكونوا يدركوا بعد أن ملكوت السماء لا يقوم على السيف وأن من أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ. استل بطرس سيفه وقطع به أذن عبد رئيس الكهنة. أجاب يسوع "دعوا الى هذا" ومد يده وأبرأ أذن العبد. أمسك الجند بيسوع، عندها بدا أن الكل قد انتهى. فبداية النهاية قد اقتربت. هرب التلاميذ كل واحد الى صوب ولم يبق منهم سوى بطرس الذي كان يتبع يسوع من بعيد خوفا ان يكشف أمره ويوحنا الذي كان منذ ساعات يتكأ على صدره.

مع نهاية يسوع، انتهى الحلم بالنسبة للإثني عشر. تبخر الملكوت، ماتت الآمال، تبعثرت الأحلام. من كان منهم يحلم بالوزارة أصبح همه الآن أن يختفي عن الانظار. من كان يريد أن يجلس عن يمين ويسار الملك صار الآن يقبع في زاوية مظلمة. من كان يريد منهم أن يرتفع صار يريد الآن ان يختبئ تحت الارض. نظرت خادمة الى بطرس وهو يتتبع يسوع الى بيت رئيس الكهنة. قالت له "أنت منهم". أخذه الخوف. صار يحلف ويلعن أنه ليس يعرفه. وحده يسوع وقف وسط الجند والعبيد لا يجد له مناصرا او معينا.

وقف يسوع أمام رئيس الكهنة. لم ينكر انه ابن الله وانه المستحق انه يجلس عن يمين القوة وأنه الآتي على سحاب السماء. لم ينكر انه ملك وإن كان ملكوته ليس من هذا العالم. لم ينكر انه قال أنه يستطيع نقض الهيكل وبناءه في ثلاثة ايام. بصق الجند على يسوع ولطموه. اعتبره رئيس الكهنة مجدفا. لم يفهم أنه يتكلم عن هيكل جسده، بل جل ما كان يفهمه هو هيكل الحجارة والذهب. أرسل قيافا بيسوع الى بيلاطس. تكرر المشهد هناك. ملك الحياة يقف أمام ملك الموت. واهب الحياة يريد ان يعطي المائت حياة والمائت يريد أن يخضع الحي لسلطان الموت. عرّى الجنود يسوع. جلدوه بالسياط. كانت كتل من الحديد الناتئ على شكل مسامير مربوطة بأطراف السياط. كانت كل ضربة تفلح في ظهر يسوع، تنتف اللحم، تمزق العصب، وتفجر ينابيع الدماء. جعلوا إكليلا من شوك على رأسه وغرزوه في جبينه فسال الدم على العينين والوجه. لم يكن الجنود يدركون ان هذا الدم الذي شربته الارض هو دم الحياة لهم ولاولادهم. داسوا عليه. لطموا يسوع. بصقوا على وجهه وهزأوا به. أراد بيلاطس إطلاق يسوع لأنه أدرك ان اليهود سلموه إليه حقدا عليه، لكنه اصطدم برفض رؤساء الكهنة. وضعوه بين طرفي كماشة وأحكموا القبضة عليه. إن هو أطلق ملك اليهود، يكون خائنا لقيصر، إذ كيف لروما ان تقبل بمن ينافس قيصر في الحكم؟ وإن هو حكم عليه، يكون قد نفذ مخطط اليهود رغما عنه. وبين الانصياع لرغبة اليهود او الوشاية به لقيصر وفقدان وظيفته وربما حياته، لم يكن امام الوالي سوى ان يغسل يديه مبرأ نفسه من جريمة القتل وان يرسل بيسوع الى الصليب.

هناك على الجلجثة اكتملت الرواية. صلب يسوع. سلم الروح. لم يكن من يرافقه في رحلته الاخيرة سوى امه وبعض النساء ويوحنا. التلاميذ تشتتوا. الحلم مات، ولكي يتأكد الجند من موت الحلم، غرز واحدهم جنبه برمحه، فخرج دم وماء. في المساء، أتى رجل من الرامة اسمه يوسف. كان من وجهاء اليهود ومن أتباع يسوع سرا. أخذ الجسد، لفه بكتان نقي ووضعه في قبر جديد منحوت في الصخر، ودحرج الحجر عليه ومضى بعد أن استلم الحرس حراسة القبر حتى لا يأتي أحد ويسرق الجسد.

إنها النهاية بالنسبة لمريم أمه والنساء اللواتي تبعنه وتلاميذه الاثني عشر. يهوذا شنق نفسه. الجميع تشتتوا. ابتدأت الحكاية بقبلة، قبلة كان يفترض ان تعطي الحياة لكنها أدت الى الموت. في منطق الناس الموت هو النهاية، لكن لم يكن أحد ليدرك ان لكل نهاية بداية وأن البداية في النهاية وان الحياة تخرج من الموت وان الموت باب الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ربنا السماوي لك المجد
عبدالله الحلي ( 2018 / 2 / 17 - 21:38 )
قوة صليبه جعلت اللص القاتل والجلاد الروماني يقعون أسرى مشيئته ... دمه الذي سفك على الصليب يمنح البشريه خلاصا من الخطايا والآثام ... الرب يسوع محبة ... له المجد في الاعالي


2 - ربنا السماوي لك المجد
طوني سماحة ( 2018 / 2 / 17 - 23:04 )
شكرا اخي الحبيب عبدالله على المشاركة
لا شك ان الخطايا والآثام هي مشكلة البشرية الاولى. ان كان الصليب هو الحل لهذه المشاكل فبالاولى ان نعطي المجد في الاعالي للمصلوب

اخر الافلام

.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي