الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع السفسطائي المادي-2

أيمن عبد الخالق

2018 / 2 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"أنا لست أثينيا، ولايونانيا، أنا مواطن عالمي"................سقراط
• الفيلسوف: استمعت إليك ياصديقي في جلستنا الأولى ، وأنت تحدثني عن الأسباب التي دفعتك للاعتقاد بضرورة إقصاء العقل التجريدي الميتافيزيقي عن ساحة العلم والمعرفة، وذكرت منها أن ّهذا النحو من التفكير المجرد عن الحس، قد فتح على مر التاريخ أبواب ألأساطيروالخرافات على مصراعيها، كما مهد الأرضية للاعتقادات الدينية الغيبية المنسوبة إلى السماء، والتي تسببت في ظهور التحجر والتعصب، وشتى ألوان الصراعات الدينية والمذهبية...وأنا الان أرغب في الاستماع لبقية الأسباب والدوافع؛ لكي اتعرّف بدقة عن مبررات اتجاهك الحسي التجريبي.
o السفسطائي: نعم....السبب الثالث هو أنّ الأحكام العقلية التأملية المجردة، ليست في الواقع أحكام موضوعية عينية ملموسة، كالأحكام الفيزيائية والرياضية، بل مجرد توهمات حدسية نابعة من مزاج صاحبها الشخصي، وبالتالي لايمكن أن نعتبرها أحكاما علمية، وكما يقول دافيد هيوم "إذا نظرت إلى كتب الفلسفة والإلهيات، فلنسأل أنفسنا، هل بها استدلال رياضي، أو هل بها استدلال تجريبي فيزيائي، فإن لم تجد فألقها في النار، فليس فيها سوى وهم وسفسطة".
• الفيلسوف: نعم أتذكر أنه قال هذه العبارة في كتابه "تحقيق في الذهن البشري".
o السفسطائي: نعم صحيح...وأما السبب الرابع فهو أنّ مُدخلات العقل المعرفية هي مأخوذة من المحسوسات لاغير، وبالتالي فلايمكن للعقل بعد ذلك أن ينتج منها أحكاما وراء الحس، ويسميها بالميتافيزيقا، وهذا الذي دفع "بكانط" رائد التنوير الغربي بأن ينتقد العقل التجريدي في كتابه المشهور"نقد العقل المحض"، ويذهب إلى أنّ العقل عاجز عن الخوض بنفسه في الموضوعات الغيبية، وأنّ مجاله الطبيعي والوحيد هو الفيزياء والرياضيات، لأنّ موضوعاتها محسوسة، وبالتالي تكون أحكام العقل فيها واضحة وموضوعية.
• الفيلسوف: نعم أتذكر ذلك جيدا، لذلك فأنا اعتبره بحق المتحدث الرسمي باسم جميع الاتجاهات المعادية للعقل التجريدي، وكان له أكبر الأثر على كل من جاء بعده من الفلاسفة الغربيين، لاسيما أصحاب الوضعية المنطقية(POSITIVISM).
o السفسطائي: نعم بالضبط....وهذا يذكرني ب(كارناب) وهو من الوضعيين المشهورين في "حلقة فيينا" في القرن العشرين، وهو القائل في كتابه"المسائل الزائفة في الفلسفة" بأنّ الموضوعات والمفاهيم الغيبية غير المحسوسة لامعنى لها، أي لايمكن أن نتصورها، وبالتالي فلايمكن أن نصدق بها، لاستحالة إخضاعها للتجربة العلمية الحسية، وبالتالي فهي موضوعات فارغة، لاواقعية لها(nonsense) ، وهذا أيضا من جملة الأسباب التي دفعتني للابتعاد عن العقل التجريدي.
• الفيلسوف: إذن هذه هي جملة الأسباب التى تأثرتم بها، ودفعتكم بدورها إلى تبني الاتجاه الحسي، والتنكر للمنهج العقلي التجريدي.
o السفسطائي: نعم، وأنا مقتنع تماما بذلك، وافتخر بأنني أتبنى المنهج العلمي، وهو منهج كل العلماء الأحرار التنويرين، والذين حرروا أنفسهم من كل الأوهام والخيالات، التي حالت بين الإنسانية وبين الحرية والتطور، والارتقاء، ووطدت للاستبداد والتخلف على مر التاريخ.
• الفيلسوف: يعني أنت ترى أنّ سبب دخول أوروبا في النفق المظلم للقرون الوسطى، ووقوعها تحت سلطة الاستبداد الديني والسياسي، هو العقل التجريدي، وأنها بمجرد تحررها منه، تحررت تلقائيا من هذا الاستبداد، ودخلت في عصر الحداثة والتنوير.
o السفسطائي: لاشك في ذلك ياعزيزي، ولم يكن ذلك من محض الصدفة، بل فلاسفة الحداثة والتنويرهم وحدهم من أدرك ذلك جيدا، فوجهوا سهامهم إلى هذا النحو من التفكير التأملي العقيم، فانتقلوا بعدها من الحالة الانفعالية، ووهم البحث عن الحقائق الغيبية، إلى الحالة الفعلية لاستكشاف الأسباب الطبيعية، وتسخير الطبيعة من أجل منفعة الإنسانية، فتحققت هذه الثورة العلمية، والنهضة الصناعية العظيمة، والتي مازلنا نعيش آثارها الإيجابية إلى يومنا هذا.
• الفيلسوف: جيد...هذا رأيك على أي حال، وأنا مع احترامي لكم كإنسان مفكر، إلا أنّ هذا لايمنعني بالطبع من انتقاده، وبيان نقاط الضعف والخلل فيه.
o السفسطائي: بالطبع بالطبع..أنا أؤمن بحرية الرأي، والاعتقاد، وقبول الاخر، وهذا من محاسن عصر الحداثة والتنوير، وأنا أعدك بأن أنصت لكلامك، كما أنصت أنت لكلامي، ولكن بشرط أن يكون كلامك علميا موضوعيا واضحا، وبعيدا عن الألغاز الوهمية، والمصادرات غير العلمية.
• الفيلسوف: وأنا أعدك من جانبي أن ألتزم بما تقول من الوضوح والموضوعية،على أن نتجنب جميعا التعصب للآراء مهما كان قائلها، فالإنسان العاقل والحر في الحقيقة، هو الإنسان الذي يتمتع بالاستقلالية الفكرية، دون أن يقلد أحدا من الأكابرفي تفكيره، فالتقليد والتبعية الفكرية العمياء هو أمر مذموم ومخالف للكرامة الإنسانية، سواء كان تقليد السلف الماضي، أو تقليد المحدثين والمعاصرين....فاإلى لقاء آخر قريب إن شاء الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو