الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية في جدران مخيم الدهيشة بين عامي 2014-2015

مي كمال أحمد هماش

2018 / 2 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعتبر المخيمات الشعلة التي تنطلق منها كل الحركات والثورات من أجل قضية ما، فالمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ساهمت مساهمة كبيرة في إشعال انتفاضة 1987 التي تعرف بالإنتفاضة الأولى، وكذلك الثورات التي خاضها اللاجيء الفلسطيني في مخيمات الشتات كما في الأردن ولبنان عام 1975 و1982، ففي المخيم يتم التخطيط والهندسة للعمليات الإستشهادية وفي المخيم تكمن الإجتماعات واللقاءات السرية، وذلك نتيجة للحالة التي يعيشها اللاجيء الفلسطيني منذ طفولته حيث يشعر بمدى الظلم الذي تعرض له على يد العصابات الصهيونية التي سرقت أرضه وعرضه وبالتالي مصدر رزقه، وجعلته يعيش كافة أشكال الذل والخضوع، وكذلك نتيجة لحالة التعنيف التي يعيشها من المكان الذي يعيش فيه، فالبيوت المتلاصقة ببعضها البعض وعدم وجود حيز خاص به يمتلكه كل ذلك يذكره بمأساته، بالإضافة إلى الجدران التي تعنفه كل يوم بما هو موجود عليها من كتابات ورسومات تستحضر ماضيه وتدعوه للثورة واسترجاع الحق، وتلومه على تقصيره.
فنجد على هذه الجدران كل ما يملكه اللاجيء في وعيه ولاوعيه فنرى دينه وانتمائه وجنسه، نرى حبه للوطن، تعلقه بالمكان، أمله وحلمه التي يرسمها في شعارات لأحزاب وأيديولوجيات يعتقد أنها قد قصّرت المسافة بين حلمه وعودته، وبهذا حاول كل فصيل إبراز نفسه ومنافسة الفصائل الأخرى، ليجسد نفسه يفكر في حلم العودة، فيذكر بتضحياته وما قدمه من شهداء، وقد يستخدم أحداث معينة قام بها فصيل أخر كنوع من اللوم وإبراز تخليه عن القضية الفلسطينية وانسياقه وراء مصالحه الشخصية، كذلك يستخدم أبناء كل فصيل كلمات مشهورة لقادتهم للتذكير بهم وبأنجازاتهم، ولكن على الرغم مما نجده من مناكفات حزبية على الجدار إلا أننا نرى إجماع على قضايا رئيسية مقدسة لا يمكن تجاوزها كقضية الأسرى والشهداء واسترجاع القدس والعودة إلى البلاد الأصلية والوقوف إلى جانب أهلنا في غزة والمقاومة واقتدائهم بفنزويلا والعراق وجنوب لبنان كمثال نموذجيا للمقاومة.
من خلال استحضار جميع هذه الرموز وقراءتها في سياقها الاجتماعي نرى بأن الجدران والحجارة قد قامت بواجبها بالفعل بالتعبير عن الهوية وإبرازها، ومحاولة مواجهة أي محاولة تغييب لها،لو كان بالرد بأبسط الوسائل، فوجود الهوية بهذا الشكل أصبحت تُعرّف عن اللاجيء حتى وأن كتبها اللاجيء فغيابه حضور بها.
الشعارات والجداريات في مخيم الدهيشة
الخاصة بالأحزاب:
لقد بلغ عدد الشعارات السياسية الخاصة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 301 شعار من مجموع الشعارات "591 شعار خاص بالأحزاب"، أي ما نسبته 50.42% من نسبة الشعارات، ولقد تم أخذ عينة بارزة متكررة من هذه الشعارات من أجل دراسة سيميولوجيتها وارتباطها بهوية المخيم، وكان الشعار التالي أكثرهم بروزا وتكرارا.
"نعم للوحدة الوطنية ... لا للتنسيق الأمني 17 أكتوبر": يظهر أن كاتب هذا الشعار هو شخص ينتمي إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والدال في هذا أن اللون المستحدم هو اللون الأحمر الذي تتبناه الأحزاب اليسارية كلون يعبر عن أيديولوجيتهم بالثورة والدماء عن طريق الرد بالمثل، والمدلول عملية 17 أكتوبر التي قام بها أشخاص ينتمون إلى الجبهة الشعبية، هذا الشعار يعكس فلسفة الحزب اليساري الذي يرفض بشكل كامل التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني ويرى أن المقاومة يجب أن تكون بالسلاح فقط، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وهذا يظهر أيضا من شعارات أخرى استحضر فيها ابناء المخيم أقوال حكيم الثورة الدكتور جورج حبش حين قال "عار على يدي اذا صافحت يدًا طوحت بأعناق شعبي" فهذه العبارات توضح استنكارهم لمعاهدة أوسلو وللمتخاذلين والمطبعين وتأكيدا على أن القضية الفلسطينية لا تسترد إلا بالقوة وعار على من فكر مجرد تفكير بأن حل القضية يكون بالحوار والمساومة مع اليد التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه.
كما أنهم يؤكدون في هذا الشعار على أهمية الوحدة الوطنية بين كل الأحزاب الفلسطينية فإن الإنقسام الذي وقع بين حركتي فتح حماس لم يجلب إلا مزيد من المتاعب للشعب الفلسطيني فبدلًا من التوحد ضد عدو صهيوني سلب جميع حقوقنا أصبحنا نتعاون مع العدو ضد بعضنا البعض من خلال إضعافهم للهوية الأساسية وبروز نزعات وهويات ثانوية تعزز الإنتماء للفصيل على حساب هوية الأخر دون التنبه إلى خطورة التفتيت الذي تتعرض له الهوية الوطنية الفلسطينية، فهذا الإنقسام بالإضافة إلى أنه عزز انقسامنا كفلسطينيين إلى منطقتين جغرافيتين منعزلتين عن بعضهما البعض كذلك جعلنا ننظر إلى غزة على أنها القسم الإسلامي المتشدد من فلسطين والضفة الغربية هي القسم الليبرالي، وقد كان الإنتماء الذي يعد من المكونات الأساسية للهوية الفلسطينية متأرجحًا طوال مسيرة الكفاح تحت ثقل الحركات والأيديولوجيات المختلفة.
كذلك يؤكد الشعار على عملية 17 أكتوبر والتي تكررت بشكل كبير على جدران المخيم "المجد كل المجد للسواعد المقاتلة صناع التاريخ في اكتوبر العظيم" فما حدث في أكتوبر من عملية اغتيال زئيفي وزير السياحة الصهيوني في فندق ريجنسي في القدس ردا على اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى هو ما يحلم به أبن المخيم يوميا من عمليات مشابهة لكسر صورة الأحتلال فتبقى هذه الصورة والعبارات تعنفهم ليعيدوا أمجاد الثورة والرد القاسي كما عبر عنها أحمد سعدات الامين العام للجبهة الشعبية بعد أبو علي مصطفى في خطابه في الذكرى الأربعين لاستشهاد أبو علي مصطفى العين بالعين والدم بالدم والرأس بالرأس.
ونرى من طبيعة اللغة المقدمة في الشعار أنها لغة مفهومة مستوحاة من الواقع الفلسطيني فحدة المعنى تجعله يصل للصغير كما يصل للكبير فلا مجال لتأويل الشعار، مضمونها مباشر ولكن تأثيرها على الفرد قد يختلف من شخص إلى أخر، ونرى أن هذا التأثير بالفعل قد كان بنسبة مقبولة، وقد يكون تكرار الشعارات بتوقيع 17 أكتوبر دليل على ذلك، واختيار المكان المناسب للكتابة فهي على مستوى النظر للأفراد بلونها الأحمر الفاقع الذي يكسر سكون الألوان الأخرى مثل الأسود والأبيض ويبرزها كهوية يعتز بها. فالهوية هنا لليسار هي وعي للذات والمصير التاريخي الواحد، في موقع الحيز المادي والروحي الذي نشغله في البنية الاجتماعية، وبفعل السمات والمصالح المشتركة التي تحدد توجهات الناس وأهدافهم لأنفسهم ولغيرهم، وتدفعهم للعمل معًا في تثبيت وجودهم والمحافظة على منجزاتهم وتحسين وضعهم وموقعهم في التاريخ، والهوية من حيث كونها امرا موضوعيا وذاتيا معا هي وعي الانسان واحساسه بانتمائه إلى مجتمع أو أمة أو جماعة أو طبقة في إطار الإنتماء الإنساني العام (بركات، 2000).
وفي مقارنة بين طبيعة شعارات الأحزاب نجد بأن ما تقدمت به الجبهة الشعبية سابقا في تعبيرها عن هويتها بطريقة تخلو من أي مفاهيم سلمية أو أي نوع من المساومات، في مقابله نجد شعارات فتح التي وصلت إلى 277 شعار أي ما نسبته 46.9% من مجموع الشعارات السياسية الخاصة بالأحزاب، وهنا تم طرح شعار "صقور الفتح في الميدان" كأقوى شعار بالنسبة للباحثتين في التعبير عن هوية فتح، فنرى أنهم استخدموا رمز الصقر في حدته بنظرته، وتحديده للهدف، وتم استخدام هذا الرمز بوعي من مستخدمه بأن خصائص الصقر معروفة للشعب الفلسطيني وسهولة توصيل المعلومة من خلاله، وهنا نرى أن حركة التحرير الوطني فتح قد تعرف بهويتها بمفهوم قريب من تعريف دراج للهوية على "أنها تكون على شكل رموز يتماهى معها الفرد والجماعة بغية التعبير عن أنفسهم على أنهم ينتمون إلى جماعة "(دراج، 2008)، ففي العادة يتم اختيار رمز من رموز الحيوانات لبعض الأحزاب والتكتلات للتعبير عنهم فمنهم من يختار الأسد والجمل والنسر، فاختيار هذا الرمز المتمثل بالصقر ليس أمرا غريبا ولا مبتكرا جديدا فهو يخوض مرحلة خاضتها من قبله الشعوب فيحاول استخدام رموز قريبه لعل النتيجة تكون متشابهه، فهذا ما حاولت وأرادت فتح ايصاله لجمهورها ولأبناء قضيتها بأن ابنائهم ما زالوا حتى اليوم على خطوط المواجهة فبنظرهم فتح وجدت لتبقى في وجه العدو الصهيوني ومهما حدث من تراجع وتغير في طبيعة الرد على العدو فالتمسك بعقيدة المقاومة رمز تفضل ان تعرف به عن هويتها، ويظهر هذا ايضا من خلال تجديدها العهد والوفاء لأسراها وشهدائها ومبعديها الذين قدموا وما زالوا من أجل قضيتهم.
وتم استخدام اللون الأسود في العادة لكتابة الشعارات الخاصة بحركة فتح، مع أنها تعرف عن نفسها باللون الأصفر الذي يرمز الى العاصفة، وذلك يظهر في شعارهم "أذا رأيت رياح الصحراء عاتيتا (عاتيةً) فاعلم أن فتح العاصفة قادمة"، ولكن قد يكون استخدامهم للون الأسود هو بديهي منهم لإبراز هويتهم ووضوحها أكثر على جدران المخيم البالية فلو استخدموا اللون الأصفر لتماهت مع الألوان الأخرى ولا عادت مقروءة أو مفهومة، ولا ننسى أيضا أن الفتحاوي في مارشاته العسكرية يلبس الزي الأسود كاملا على عكس الجبهاوي الذي يلبس الأحمر، وكلا اللونين مكونان من أطياف العلم الفلسطيني وهذا دليل على أن كل حزب مهما اختلفت ايديولوجيته وابتعد عن الهوية والبوصلة الرئيسية بتبدل ظروف القضية يرجع إلى هوية العلم الفلسطيني ليبرز أهميته من خلالها.
في حين نجد أن طرفين من المعادلة السياسية والعسكرية في القضية الفلسطينية وهي التنظيمات الاسلامية لم تلجأ للتعبير عن نفسها من خلال الكتابات على الجدران، حتى أن شعاراتها محدودة لا تتجاوز الثلاثة عشر شعار أي ما نسبته 2.68% من المجموع العام. وتكتفي فقط بذكر اسم الحزب، بخط أخضر كرمز أيديولوجي للأسلام السياسي، والأماكن المتواجدة فيها هذه الرموز هي في مناطق غير بارزة في المخيم وعلى مستوى أقل من مستوى الناظر، وقد لا يكون من كتبها هو منتمي لهذه الأحزاب ولكن اعجبه وأغراه رد الأحزاب السياسية الدينية من غزة على الكيان الصهيوني وخاصة في العدوانين الأخيرين الذي قدّموا فيها هذين التنظيمين على وجه الخصوص عمليات نوعية قد فاجئت الفلسطينيين أنفسهم والكيان بتحضيراتها العسكرية وردها القاسي، الذي أثبت للإحتلال بأنه لم يتغير نهج المقاومة ولا أسلوب الرد بالرغم من الحصار والتضييقات سيفتح الفلسطيني أمامه الف خيار من أجل استمراريته في العيش فيفتح الأنفاق ويبني علاقات مع الدول المجاورة، وهناك مؤشر أخر قد يكون لغياب رموز هذه الأحزاب وهو الأكثر خطورة؛ وهو خوف هذه التنظيمات من إظهار نفسها وإثبات هويتها حتى ولو كان من خلال الكتابة، خوفًا من الملاحقات الأمنية، وهنا نرى أن الإرتباط بمفهوم الهوية يتشكل من خلال حدود هذين الفصيلين مع العدو، فالعدو بالفعل قد ساهم في بلورة الهوية الإسلامية للأحزاب السياسية، ولا يقتصر العدو هنا على الكيان الصهيوني فقط بل على المنظومة العالمية التي تصنف مثل هذه التنظيمات تحت مسمى"الإرهاب" وبالتالي عزلة سياسية وتمويلية واجتماعية قد أعطت لهذه التنظيمات حجم يفوق ما تقدمه من أجل القضية، فالخوف هنا من الإمتداد الإسلامي أعطاها هوية مميزة عن غيرها من الأيديولوجيات في فلسطين.
إن هوية الأحزاب تشكلت كرد فعل على المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، مما أعطى للأحزاب خصوصية في أيديولوجيتها وطبيعة صراعها مع المستعمر على مدى أكثر من مرحلة، والإختلاف بين هذه الأحزاب من حيث الأيديولوجيا والهوية والتعريف عنهما، ويختلف باختلاف تبني التجربة الناجحة لشعوب خاضت حروب من أجل قضية معينة، وأن أشكال الهوية القومية نفسها بدأت تأخذ أشكالا ومنحنيات أخرى بعد تطور علاقة الدول العربية مع الكيان الصهيوني من اتفاقيات سلام من عام 1978 حتى يومنا هذا، وفي هذا معارضة لنا من ما تقدم به طه (2009) في دراسته التي يؤكد فيها عن نفيه لوجود اية علاقة ما بين تشكل الهوية الوطنية الفلسطينية وعلاقتها مع المستعمر.
فيظهر تعريف اللاجيء لنفسه وهويته من خلال الممارسات الرمزية والفعلية التي يقوم بها وهذا يتفق مع دراسة حنفي بعنوان "الهوية والإغتراب في الوعي العربي"، التي ركز فيها على الصلة القوية بين الهوية والحرية، كما أكد على أن تحول التعددية اللغوية في واقعها اللغوي المخفي إلى مستوى الثقافة والوعي قد يؤدي إلى تفتيت الأوطان وتشرذم الثقافة والهوية، إذا لم يتم تدارك ذلك بمشروع واسع وجامع لكل التشكيلات اللغوية، متحديا الظرف التاريخي الذي نمر به، وهذا ما نراه من غلبة الشعارات للأحزاب وتضحياتها على حساب تكرار رمز العودة وفلسطين والأقصى والقيامة.
وفي تطرقنا للجداريات وجدنا أن جدارية الوحدة التي تبدو حديثة عهدها هي الممثلة لثقافة جديدة يدعو المخيم إلى تبنيها، بالتأكيد كل حزب يتفنن برسم قائده القدوة. والعنل على تجميع هؤلاء القادة في جدارية واحدة ينظرون الى المارة في الشارع هو تطور جديد طرأ على الهوية، فنرى ياسر عرفات رمز حركة فتح بكوفيته الفلسطينية بجانبه الشقاقي رمز الجهاد الاسلامي وجانبهم الدكتور جورج حبش حكيم الثورة الفلسطينية ثم أبو علي مصطفى أمين الجبهة الشعبية وصولا للشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس ورمز القضية حاملا سلاحه، فنرى أنه تم رسم صورة أبو عمار وأحمد ياسين على الأطراف فأبو عمار بكوفيته وأحمد ياسين بسلاحه كأنهما يعبران عن وجودهما كأكبر حركتين في فلسطين، ولن تكون الهوية العامة لفلسطين دون وجود الأشخاص الموجودين في مركز الصورة وهما الشقاقي ورموز اليسار، وقد تم طلاء الحائط باللون الأبيض والرسم باللون الأسود فبخصوصية هذه الألوان وبساطتها الإ أنها كانت صريحة في إيصال الفكرة.
وموقع هذه الجدارية في الطريق الرئيسي في مخيم الشهداء بجانب جامع الشهداء، وهو أكبر جامع في مخيم الدهيشة يأتي إليه المصلون من المخيم ومدينة الدوحة المحاذية للمخيم لأداء الصلاة، فتكون واضحة للمارة كأن التواصل بالعينين ما زال حيا، فيستذكرونهم ويستذكرون القضية التي استشهدوا من أجلها، وهذه الصورة الإشهارية حسب بنكراد في طريقة إنتاجها ووقعها على المتلقي لا تتأتى من الأشياء ذاتها أي من مرجعها المباشر بل هي وليدة العلاقات التي تدركها النظرة التي تؤلف بين العناصر الموضوعة للرؤية، فالهوية ليست خصائص فيزيولوجية مباشرة بل هي طريقة في الوجود وطريقة في إنتاج المعنى(بنكراد،2013).
الخاصة بالأسرى والشهداء:
تعتبر قضية الشهداء والأسرى من القضايا المقدسة التي لا يجوز المساس بها، وكذلك فهي من القضايا الجامعة التي لا يختلف عليها فرد داخل المجتمع الفلسطيني فجميع الأحزاب متفقة على ضرورة استمرار الكفاح حتى تحرير كافة الأسرى من معتقلات الصهاينة، وفي كل المناسبات توضع قضية الأسرى على رأس القضايا التي يتم التحاور من أجلها، أما الشهداء فهم من ضحوا بأرواحهم كرامة لهذا الوطن ومحاولة استرداده ومن أجل أن نعيش بكرامة وحرية، وهو ما تتفق عليه كل الألوان السياسية.
وتعتبر الشعارات التي كتبت عن الأسرى والشهداء من أكثر الشعارات التي وجدناها على جدران المخيم فالإحصاء الذي قمنا به لهذه الشعارات، تم الحصول على 695 شعار للشهداء والأسرى، 87.76% شعار للشهداء مقابل 12.24% شعارات للأسرى، وهذه دلاله أخرى على تقديس أهل المخيم للشهيد فالشهيد لا يكتب فقط على الحائط ولا يرسم بجدارية كبيرة فقط، فلا يعرف مخيم الدهيشة بعيدا عن مخيم الشهداء، وأكبر جامع في المخيم صُلي فيه على كل الشهداء حتى سمي باسمهم " جامع الشهداء"، بالإضافة لصرح الشهيد، وجسر الشهيد، وضاحية الشهداءـ حتى أن أسماء الحارات في المخيم تعرف باسم شهيد المنطقة مثل: شارع الشهيدة أيات الأخرس، فالتمييز بين الذكر والأنثى يختفي كله أمام التضحية التي يقدمها أو تقدمها في سبيل القضية.
وفي تفحصنا للجداريات والشعارات التي تعنى بالشهداء تم اختيار شهيد الوحدة جهاد الجعفري كعينة مؤثرة على الباحثتين من خلال سرعة انتشارها وتنوع العبارات وتفوقها في تعبيرها عن حزنها ورفضها لفقدان الشخص بالرغم من تقديسها لفكرة الشهادة.
بعد استشهاد أي شهيد تخرج مجموعة تطلق على نفسها مجموعة أصدقاء الشهيد فترسم له جدارية وتنشر اسمه في كل زقاق المخيم وتكتب له العديد من الشعارات، ومن الشعارات التي تكتب كمحاولة لتقديم العزاء لأهل الشهيد بأنه "سينتقل إلى جنات الخلد" وبأنه "لم يمت بل أنه حي في قلوب كل أبناء المخيم"، "فالأجساد تسقط ولكن الفكرة تبقى"، ومن الشعارات التي تنتشر بشكل كبير في المخيم في الوقت الحالي شعارات الشهيد جهاد الجعفري الذي استشهد قبل مدة قصيرة حيث رسمت له العديد من الجداريات وكان الشهيد جهاد تجسيدا للوحدة الوطنية، حيث كان يرتدي ألوان الأحزاب الأربعة الكبرى على كتفيه، رسمت له جدارية باللونين الأبيض والأسود وهما اللونين الذين ترسم بهما غالبية الجداريات في المخيم حتى تكون الألوان واضحة على الجدارن ولتدل أيضا على حالة من الحزن فليس هناك اي شيء يفرح أهل المخيم ليرسموا جدارياتهم بألوان براقة،
تم رسم الشهيد جهاد وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية أحدى أهم مكونات الهوية والتراث الفلسطيني الوطني ورمز أساسي من رموز الهوية الفلسطينية، وهنا يتوافق معنى التراث ومغزاه مع دراسه طه التي تحدث فيها على أن التراث الفلسطيني هو مزيج من كافة العوامل المكونة لأهل المخيم كأفراد وجماعات وفي النطاق الأوسع كأمة أو مجتمع، ويعتبر التراث أحد مكونات الهوية الحضارية للشعب الفلسطيني فهو نتاج طويل لخبرات وتجارب الأجيال السابقة التي ورثها جيلنا الحالي ويحمل التراث معاني خاصة للجماعات والأفراد والتي تؤثر على أسلوب حياة الانسان في تشكيل طريقة تفكيرهم سواء كأفراد وأعضاء في المجتمع ومواطنين، وذلك لما يتمتع به التراث المحلي والوطني والعالمي من أهمية بالغة في تشكيل الهوية الفردية والجماعية، فالتراث يمثل الحاضنة الفكرية التي ينمو فيها الفرد ومنها تتشكل خصائص شخصيته وأنماط سلوكه والأساليب التي يعبر بها عن مواقفه ووعيه وفهمه لذاته ولمحيطه المحلي والعالمي"(طه،2009).
ورسم وهو يحمل الحجارة ويلقي بها على جيش الإحتلال وهذا يجسد الحالة التي استشهد بها فهو استشهد وهو يقاوم العدو الذي انتهك حرمة أرضه ومخيمه ليلا، ونرى في عينين جهاد كل نظرات التحدي والإصرار على المقاومة حتى النصر أو الاستشهاد وقد كان له ذلك، وأن العبارات التي كتبت بجانبه "أول ساعات الفجر تقوم بأكفانك في غضب تتوعد كالبرق تتسلل عبر خيام يستكثرها الجند عليك تمسح باب القدس بما فيك من الشوق لها تسقي حدائقها غضبا وتمضي..." هذه العبارات تجسد حالة جهاد حيث أنه استشهد في ساعات الفجر عندما دخل الاحتلال إلى المخيم فقرر مقاومتهم ولكنهم تمكنوا من إصابته وقد تم توقيع هذه الجدارية برمز فتحاوي وهو العاصفة، وقامت أيضا فصائل المقاومة برسم جدارية مقابلة لها والتوقيع باسمها.
وبالتطرق لشعارات الأسرى نرى أنه تنتشر العديد من الشعارات التي تؤكد على الوقوف إلى جانب الأسرى ودعمهم حتى تحرير أخر أسير من معتقلات الإحتلال، فالسجن بالعادة هو مذلة ولكن الأسير الفلسطيني استطاع أن يغير هذه الحقيقة. ويعلن المخيم في الشعار وقوفه إلى جانب الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية وهي المعركة التي قادها الأسرى الفلسطينيون في سجون الإحتلال من خلال امتناعهم عن تناول الطعام في إضراب مفتوح الأجل حيث يمارسون الضغط على إدارة السجون لتحقيق مطالبهم، ومن أبرز الشخصيات التي استطاعت أن تقاوم وتتحدى هناء شلبي وخضر عدنان وسامر العيساوي، كما أن أهل المخيم وقفوا إلى جانبهم ورفضوا ما يتعرضون إليه داخل السجون من قهر وتعذيب، فبالرغم من عدم عدالة القضية الفلسطينية في صراعها مع الكيان الصهيوني وعد تكافؤ ميزان القوى والدعم إلا أن الفلسطيني ما زال يؤكد بالرغم من ضعفه على قوته ورفضه للإحتلال وسياسات التعذيب كافة التي يمارسها العدو على أبناء الشعب في السجون، وبالتالي نجد أن قضية الأسرى والشهداء من القضايا الموحدة للهوية الفلسطينية فهم رمز من رموز هذه الهوية.
في تحليلنا الرمزي والسيميائي للشعارات المذكورة أعلاه فمن حيث المكان لم يترك مسافة على جدار إلا وكتب عليها "المجد يركع للشهداء" كل شهيد باسمه وتاريخ استشهاده، نراها أعلى من مستوى النظر وفي مستواه وأقل منه فهي تلك الفوضى التي تتجاوز حدود المكان، تكتب بخطوط مائلة ومستقيمة ولا يهمها الكتابة من أعلى لأسفل أو العكس، المهم أن تملأ اسمائهم كل فراغ في جدران هويتهم، واللغة هي ليست الفصحى ولا العامية الركيكة بل هي لغة التواصل العامية الوسطى التي يفهمها أي ناطق بالعربية لأنها لغة التواصل والأعلام، وقد تم استخدام كل الألوان فالشهيد قد تجاوز الألوان الثلاثة المعروفة "احمر وأسود وأخضر" فنجد الألوان الفاقعة والباهتة نجد المناسبة لذكرى انطلاقة ما والغير المناسبة ومعبرة وكل ذلك لا يهم كاتبها فالمهم هو إيصال ما يوجد داخل لاوعيه بأي وسيلة كانت، لتفرض نفسها كرمز له هيمنة على نصه الإجتماعي، ونجد هنا الاإتباط مع دراسة بوعزيزي الذي وجد أنه لا معنى للرمز خارج نصه الإجتماعي فلولا ثقافة المقاومة لما كان للشهيد قدسية ولولا حب التمرد لما كان الأسير أسدا والمبعد وطنا والقرية حلما والمفتاح قلادة يطوح بأعناق جدران المخيم والنساء الكبيرات والجميلات كرمز للوطن.
بالإضافة إلى بورس فيرى أن العلامة هي الوجه الأخر للأدراك، لذا لا يمكن لنا أن نتصور انفصال السيميائيات عن عملية الإدراك، إدراك الذات وإدراك الأخر، فالعالم حسب بورس يمثل أمامنا باعتباره شبكة من الرموز والعلامات (بنكراد، 2013).
ويعد أبراز أهم عنصر من عناصر هوية اللاجيء في تقديمه لنفسه " الشهيد"، فرضت جدارية الشهداء بكل تفاصيلها هيمنتها علينا لنحلل مكوناتها وارتباطها بالهوية وإعادة تشكيلها، فنرى بأن الجدارية تحوي رمز قبة الصخرة وكنيسة القيامة كرموز دينية إسلامية ومسيحية وفيها دلالة على أنها أرض الديانات مقدسة بمقدساتها وأن هذه الهوية الوطنية برمزها المتجسد بالرمز الديني "مسرى النبي وكنيسة القيامة" هي ثوابت وطنية يقدم الشهيد روحه فداء لاستردادها، وما نراه من أسلاك شائكة تصل بينها وبين كتف الشهيد، فهذه المقدسات على أنه رغم العوائق والحواجز المفروضة إلا أن الفلسطيني سيجتازها ليصل إلى مقدساته التي تعكس جزء من هويته، فرأس الشهيد وأكتافه العريضة فوق مجسم القرية التي تكون بيوتها بسيطة التصميم وتبقى العادة نفسها بوضع مفتاح البيت تحت عتبته، فكأن في الصورة هذا الشهيد قدم روحه ليعود اللاجئين ويتناولون المفتاح ليفتح به باب العودة إلى الأوطان، وصورة الشهيد فرج لا ترمز إليه وحده بل ترمز لكل الشهداء والأسماء الموجوده حوله وفي كل بيت، والألوان المستخدمة في هذه الجدارية كغيرها من الجداريات الأبيض والأسود، ويوجد كتاب مفتوح بجانب كوفية الشهيد الموضوعه على كتفه تؤرخ ذكرى الإستشهاد، وعلم فلسطين والكوفية والخارطة وبجانبها المفتاح على قوس رخامي موضوع اعلى الجدارية ومكتوب عليه "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون"، فحتى النص الديني كرس في سياقه المقدس ليخدم السياق الإجتماعي ويعبر عن هوية وثقافة مجتمعه.
وهنا بنكراد يتناول موضوع الصورة فيرى أنها تعبر عن تنظيم خاص لها دلالتها متجلية من خلال أشياء أو كائنات في أوضاع مختلفة، فالأشياء رغم اختلافها فهي في تفاعلها تعطي معنى ودلالة، وهذه الدلالة والمعنى نراها في هوية الفلسطينين اللاجيء في المخيمات بشكل عام وبشكل خاص في مخيم الدهيشة كإطار لدراستنا.
شعارات خاصة بفلسطين، غزة، العودة، الأقصى والقدس:
تعتبر هذه الأسماء السابقة أحد أهم دعائم التعريف عن الهوية الوطنية عند اللاجئين الفلسطينيين، فهذه الرموز مجتمعة قد أحصيناها ب 100 رمز وشعار، وكان النصيب الأكبر لغزة التي حصلت على نسبة 44% تليها فلسطين بنسبة 20%، ومن ثم العودة 15% فالوحدة 11% وصولا إلى القدس والأقصى 10%.
فشعارات غزة "حي الشجاعية" تعبر عن الحزن الشديد الذي مر به الشعب الفلسطيني جراء ما تعرض له حي الشجاعية من تدمير وإبادة للإنسان والمكان، ومحاولته لتغييب المكان وبالضرورة ثقافته وهويته، ومع هذا لم ينجح المشروع الصهيوني في تشويهه للهوية التي يؤكد عليها إبن المخيم من خلال التعبير عنها على جدران المخيم "الوحدة"، بالإضافة إلى التأكيد على دعمهم للمقاومة من خلال شعار "غزة العزة" التي تبدء بتكيف أهل غزة مع وضع الحصار واستمرار معيشتهم وحياتهم وصولا إلى حفر الأنفاق وتنفيذ العمليات النوعية، عدا عن انتقادهم بشكل أخر لموقف الحكومة والسلطة والشعب في الضفة الغربية من خطابهم المتدني والسلمي في المقاومة فهو لا يرتقي إلى تضحيات وصمود أهل غزة.
وكانت الشعارات التي كتبت فيها هذه الشعارات بالأسود والأحمر وهنا دعم من كلا الطرفين حركة التحرير الوطني فتح، والحبهة الشعبية لتحرير فلسطين للمقاومة وإثبات وجودها كفاعل داخل العدوان والرد عليه عسكريا وسياسيا، فهذه الفصائل والاحزاب تسعى لترسيخ ثقافة لدى اللاجيء بأنهم على عهد أيديولوجيتهم باقون، فالثقافة نظر إليها دراج على أنها علاقة بين الثقافة والهوية الفلسطينية، وأن الثقافة بما تحمله من عادات وتقاليد ونمط حياة وسلوكيات عامة للأفراد داخل إطار المجتمع، تساهم في تشكيل وعي لدى الأفراد بهويتهم، وذلك يتم من خلال اكتسابهم لهذه الموروثات، وتغدو هذه الموروثات من الأمور التي يتميز بها الشعب الفلسطيني وبالتالي تكون جزء من هويته الوطنية (دراج،2012).
أما بالنسبة لفلسطين فاقتصرت على ذكر اسمها فقط دون شعارات ورسائل، فهي تحمل معنى خاص لها في قلب وتفكير كل لاجيء فلسطيني، وهنا فإن الكتابة واللغة ليست واحدة بل طبقات واختلافات بين المنطوق والمكتوب، إنها متعددة منضدة، هذا التعدد وهذا التنضيد ظاهرة حديثة في الكتابة تجبر الكاتب على الإختيار، فتجعل من الشكل سلوكا( بوعزيزي، 2010).
والعودة تجسدها رمز "عيدنا يوم عودتنا" يدل على مدى تمسك الفلسطينيين بقرار حق التعويض وحق العودة إلى الأراضي المقدسة، وتتمثل سبل التعبير أيضا عن حق العودة في جدارية القرى ومفتاح العودة وقرار 242، فنرى أن أسماء القرى قد كتبت بطريقة جذابة باللون الأبيض على خلفية سوداء من الجرانيت لتقاوم تأثير الطقس واختلافه ولتحفظ اسم القرية بشكل دائم، ووجود المفتاح فوق كل هذه القرى كدلالة رمزية على أن أصل هذه القرى واحد فلسطينية الموطن، هذا بالإضافة إلى كتابة قرار العودة باللغتين الإنجليزية والعربية وذلك ليتمكن زوار المخيم وخاصة الأجانب من التعرف على انتهاك الصهاينة لكل المواثيق الدولية، وقد تم رسم هذه الجدارية على باب المخيم ليراها اللاجئين صباحا ومساء لتذكرهم بمأساتهم ومدى الخسارة التي تعرضوا لها، فتعنفهم للثورة واسترجاع حقوقهم، في مقابل هذه الجدارية نرى جدارية أخرى للقرى ولكنها رسمت بألوان مشرقة ونرى الشمس فوقها لتعكس أمل اللاجيء في العودة في يوم من الأيام إلى قريته الأصل.
ويتحدث سعيد بنكراد هنا في مقاربة بين سيميائيات الجدارية وسيميائيات الصورة الإشهارية عن الإشهار في قنواتنا لا يعبر عن حالة وعي، وليس تعبيرا عن ميل من الميولات المحددة للأهواء، بل يعكس حالة الهجانة الفكرية والحضارية، لكن من حيث هو فعل ثقافي أولا، أي أن الأمر يتعلق بالبحث عن الدوافع التي تؤطر السلوك الفردي وتحدد له مراميه وتوجهاته الخفية والمعلنة، أو ما سماه بنكراد باللاشعور الثقافي، وذلك أن الفرد يخضع بصورة قبلية وغير مرئية وغير مفهومة عقليا لبرمجة تمكن الفرد من التصرف بطريقة تتوافق مع وضعية ما.
وبالنسبة للمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة فتم ذكرهما فقط ورسم مجسم يجسد القبة بأسلوب بسيط غير متكلف، وتكمن الدوافع وراء هذه الرموز حاجة الفرد إلى الشعور بالحب والأمان، لاستحضارهم المكان فأصبح في المخيم كل شيء، ترى المسجد الأقصى والقيامة وقبة الصخرة وباحاتها، ترى القرى والمدن، ترى التاريخ والتضحيات، والتحولات التي طرأت على القضية كلها من خلال هذه الرموز. في المخيم ترى مخيال الهوية وليست الهوية الواقعية وواقعها.
خاصة بالقضايا الاجتماعية:
بلغ عدد الشعارات التي لا تصنف تحت المضمون الإجتماعي 26 شعار، متنوعة ما بين كتابة أسماء أشخاص وتواريخ ميلادهم، تبريكات وتهاني وتعازي، عبارات عن النظافة، والصحة النفسية، والإنتماءات إلى الفرق الرياضية، وشعار جنسي، وجدارية حلها بأيدك.
نرى بأن الإنتماء للفرق الرياضية بالتحديد "برشلونة ومدريد" أصبحت تشكل جزء من هوية اللاجيء الفلسطيني لدفاعه عنها والردود على بعض بين مشجعين الفرق المتنافسة، ومثال على ذلك "برشلونة فارس كل الملاعب" ويرد عليه الجدار المقابل "مدريدي وافتخر"، وهنالك أشخاص يميلون لإثبات وجودهم عبر كتابة أسمائهم أو يقوم أشخاص بكتابة أسماء أصدقائهم وتواريخ ميلادهم، وضمن السياق الإجتماعي والثقافي فعلى الأغلب تفسير هذه التصرف بأنها محاولة لإيصال الإسم وتاريخ الميلاد لشخص من الجنس الأخر قد لم يجد فرصة مناسبة للتعريف بنفسه بطريقة اخرى.
بالإضافة للأثر الكبير على الإنتماء والإرتباط بين الأفراد والجماعات، وذلك لهموم ومشاكل المجتمع والعمل بشكل منفرد ومنعزل، وعدم التوحد إتجاه الأخطار التي تواجه المجتمع أو الأثار المترتبة على عدم التنمية الشاملة للمجتمع والفرد.
ومن الجداريات الإجتماعية التي تلفت نظر كل من يراها "انت عبارة عن دخان وفيس" حيث يلوم صاحب هذه العبارة أبناء الجيل الحالي الذين اجتاحتهم العولمة واغرقتهم في بحرها، فهذا الجيل قد أعيدت ترتيب أولوياته دون وعيه، ولكنه يعود لوعيه عند أول خطوط مواجهة. وهنا يظهر الترابط بين ما تقدمنا به وبين ما تقدم به الرافيدي (2008) في حديثه عن الهوية التي تبدلت وبدأت تتلاشى لكنها لم تختفي كليا والدليل على ذلك بقاء رموزها حتى يومنا هذا، وبما أن الهوية يعبر عنها بالرموز فالرموز تدل على وجود هوية فلسطينية وولاءات واضحة وهموم مشتركة إلا أن محاولات رأس المال في خلق حاجات جديدة للأفراد، جعلت اللاجيء يتردد بالتعريف عن هويته، وعن كل ما يميزه عن غيره فأصبح يخجل من كونه عربي وفلسطيني فغير من طريقة كلامه ولهجيته وغير لغته، واصبح يصاب بالحرج اذا عرف نفسه على انه ابن المخيم فيشعر بالدونية.
كما أن طبيعة النضال لدى الجيل الحالي تغيرت فبعد أن كان النضال يتم بالسلاح والنزول إلى الشوارع والخروج في المظاهرات أصبح النضال يتم عن طريق الفيس بوك فيعيشون ضمن منظومة "طخيخة الفيس بوك" فهؤلاء الأفراد يعيشون في الخيال ولا يعكسون شيئا على لأرض الواقع، أصبحت أصابعهم هي التي تقاتل، حتى أنهم قد يساهمون في إفشال العديد من الوقفات التضامنية فعندما ترسل إلى مجموعة منهم دعوة على الفيس بوك للمشاركة في وقفة تضامنية مع الأسرى مثلا تجد أن هناك مجموعة كبيرة تؤكد أنها قادمة ولكن يتفاجأ المنسقين بعدم قدوم نصف العدد إلى ارض الواقع.
كذلك أصبح أبناء الجيل الحالي مهتمين بأثبات رجولتهم وأنوثتهم، فنرى الشباب وحتى الأطفال قبل بداية سن المراهقة يمسكون الدخان كأثبات لذاتهم وعندما تطلب منهم تركها يقولون "نحن زلام" بالمفهوم العامي لمعنى الرجولة فارتباط الشاب الفلسطيني وتعبيره عن رجولته بالدخان والسجائر، وأصبح الشكل والمكياج والعطور هي التي تهم الفتيات هذا كله نتيجة للعولمة ولوسائل الاعلام التي جعلت المرأة جسد فقط يكمن همها في كيفية الوصول إلى الشكل المثالي الذي يرضي الرجل.
بالإضافة إلى دور مؤسسات المجتمع المدني التي جاءت بأيديولوجيات لا تتناسب بالمطلق مع طبيعة الثقافة والوضع الفلسطيني وأثرت على الهوية العامة فأصبحت المؤسسات تفصل المرأة وتعاملها ككينونة مستقلة مبعدينها عن الهم الوطني، وتفسر تبعيتها وبطالتها على إنها نتاج الثقافة العربية وليس الإحتلال والغزو الرأسمالي والعولمة، ولا يمكن دائما أن نحمّل المسؤولية لمحاولات الغرب بتغييب هويتنا فلا ننسى أن لأوسلو دور كبير في خلق انتماءات وهويات جهوية وعشائرية وعائلية ودينية بعد قيام السلطة الفلسطينية التي أفرزت المزيد من التفكك في الهوية الوطنية على حد تعبير الرفيدي (2013)، وفي هذه الجدارية تم استخدام اللون الأزرق كدلالة على لون الفيس بوك، وهي قادرة على ايصال الرسالة حتى دون قراءة الكلام المرفق بها.
ولكن الجدارية الأخطر التي لفتت انتباهنا هي "جدارية حلها بأيدك" تشكل هذه الجدارية حالة غريبة عند مقارنتها مع الجداريات التي وجدناها في المخيم فهي خارجة عن النص الإجتماعي وسياقه شاذه لا يمكن ربطها بالسياقات الأخرى، ففي البداية تختلف من حيث الألوان التي تم استخدامها في الرسم فعادة نرى أن اغلب الجداريات مرسومة باللونين الأبيض والأسود والقلة القليلة منها ترسم بألوان أخرى، إلا أن هذه الجدارية رسمت بألوان فاقعة جدا بارزة ظاهرة ومباشرة فتعددت الألوان فيها، فنرى أن الجدارين الذين يدفعهما حنظلة قد رسما باللون البرتقالي والبيوت قد رسمت بألوان عديدة الأمر الذي يدفع أي مار بالطريق إلى الإلتفات لها فهذه الألوان بالإضافة إلى حجم الجدارية الكبير يلفت النظر ولا يمكن غض النظر عنه ومكانه بمفترق ثلاث زقاق من أزقة المخيم.
كما أن هذه الجدارية لم ترسم بأيدي أبناء المخيم فمن نفذها هم مؤسسات المجتمع المدني وكان التوقيع باسم مؤسسة تابعات لشبان من المخيم، وقد أصبح المخيم ملاذا ومزارا لكل الالوان من المؤسسات التي تدعي أنها مؤسسات مجتمع مدني وجدت لخدمة أبناء المخيم، خاصة وأن السلطة الفلسطينية منحت أكثر من 45 ترخيص لمؤسسة اجتماعية ورياضية وثقافية في المخيم (مناع، 2012)، إلا أن أغلب هذه المؤسسات لا تعير اهتمام كبير لأبناء المخيم كما أن بعضها يحاول أن يبتعد عن المشاكل لأن الدعم وأصحاب الدعم لهم شروطهم الخاصة المكتوبة والغير مكتوبة .
ويتضح هذا الأمر في هذه الجدارية التي يمكن تأويلها من ناحيتين ولكن الأغلب أنها تعني ترسيخ فكرة تقسيم الدولة، حيث يفتح حنظلة الباب على دولة ولكنها تقسم إلى قسمين وبالتالي يرسخون في الأطفال والشباب فكرة كانت مرفوضة تماما وهي حل الدوليتين، فهم يعيدون صياغة الوعي ومحو كل التراث الفكري والهوية الموجودة لدى اللاجيء لاستبدالها بأفكار وتراث جديد، ولكن من ناحية لأخرى يمكن لأن تعني أنه يفتح الباب على دولة متحررة ولكن هذا مستبعد، والشيء الأكثر غرابة في هذه الجدارية هو وجود حنظلة فيها، فحتى رمز حنظلة تم تغيره وتأويله واعطاءه معاني جديدة غريبة عن السياق التاريخي ومؤشرات كل شبر بجسده ومعنى حنظلة.
جسر الشهيد:
بني جسر الدهيشة "الشهيد" في عام 2002، قام ببنائه أحد أشخاص المخيم تكريما لروح أخاه الشهيد الذي استشهد في هذه السنة وسمي الجسر على اسمه "جسر الشهيد أمجد فرج"، برزت أهميته بشكل كبير بعد الحوادث المتكررة التي تعرض لها الأطفال من دهس ومطاردات من جيش الاحتلال الصهيوني، وهو جسر يصل بين رصيفين مخيم الدهيشة وبلدية الدوحة على الشارع الرئيسي للقدس الخليل، ويظهر للجسر عدة دلالات تاريخية ورمزية.
فتاريخ الجسر وواقعه وحاضره مرتبط بطبيعة ثقافة التركيبة الإجتماعية في المخيم والتطورات التي طرأت عليه، فتاريخيا استخدمه أهل المخيم للحماية على الطريق والإختفاء من الإحتلال، وقد تم فتحه لفترة معينة ومن ثم تم إغلاقه، فابن المخيم لا يحب نظام يحدد له حياته ومجاله العام والخاص فهو يرى الشارع كله ملكه، وبالنسبة لهم الجسر كان أمرا جديدا أعجبوا وانذهلوا به في البداية، ولكن تمرد إبن المخيم عليه وخرج من حدوده الخاصة إلى إطاره العام، فلا يريد أن يشعر بسلطة المكان وتنظيمه لحياته، فابن المخيم ينظر إلى كل شيء على أنه حق له.
وهناك بعض الدلالات الرمزية الأخرى التي أعطيت للجسر، كجسر العودة وهو رمز للهوية المتخيلة لدى اللاجيء، وتم تصوره على انه سيوصلهم إلى أرضهم، فما داموا قادرين على بناء جسر في ظل هذه الظروف القهرية فهذا يعطيهم أمل في قدرتهم على العودة.
وبعضهم ربط الجسر بين المخيم والمدينة وهجرة أهل المخيم إلى المدينة، من أجل الحفاظ على طبيعة علاقة القرابة والعشائرية مع أهل المخيم ودليل على استمرار الصلة والتواصل بين الطرفين، وذلك في مقاربة لمخيم الأمعري وأم الشرايط.
ونرى في الارتباط مع دراسة كناعنة المقدمة أن محاولة إيجاد معادلة تنظم وجود الفلسطينيين في العالم، بحيث تسمح لهم بالتواجد حيثما شاءوا والتنقل جغرافيا حيثما ارادوا والتوافق ثقافيا واجتماعيا اينما وجدوا، مع بقاء ولائهم الاساسي وتوجههم وهويتهم المركزية وانتماءاتهم واهدافهم وقلوبهم فلسطينية، فكان يريد تطبيق منطق داروين البيولوجي بشكل اجتماعي – ثقافي، بحيث يتوافق الفلسطينيون في اماكن تواجدهم مع البيئة الثقافية والاجتماعية مع بقائهم فلسطينيين من حيث هويتهم واتجاهاتهم واهدافهم، منطلقا في البداية بعرض لمفهوم الهوية وما متطلبات الدولة الفلسطينية المتخيلة المتمثلة بالوطن والدولة والامة.
وجاءت عدة محاولات من أجل إبراز الجسر ولكنه سيبقى غير مرئي بالنسبة لمن هم من غير اللاجئين من أهل المخيم، لأنه غير مستخدم ومغلق، جاءت عدة محاولات من أجل إعادة إحياء الجسر وتفعيله بقيامهم بعمل معرض الكتاب والتراث الفلسطيني ولكنه لم يلق إقبال من السكان، ففضل أبناء المخيم القفر عن الحواجز العسكرية بين الشارع والأخر من أجل الوصول إلى الرصيف الأخر بدل صعود الجسر.
يغلب اللون السكني على لون البناء البسيط المستخدم في بناء الجسر متناسب مع طبيعة المكان الموجود فيه، فهو ليس غريب عن المكان لأنه من إنتاج أبناءه، وغير كبير بحيث يفرض هيمنته بأن يشعر بأن الانسان نفسه صغيرا أمامه أو ينبهر بجماله وعلوه ليرى أعلاه البحر، وهو مجسم صغير وعدم وجود الألوان الكثيرة يعطي البساطة.
صرح الشهيد:
صرح الشهيد هو قطعة من الأرض في مدخل ومقدمة مخيم الدهيشة تعرف عن المخيم بنفسها، مرتفعة عن الشارع الرئيسي تحوي نصب تذكاري للأسرى متمثل بمفتاح العودة يحمل صورة واسم كل أسير من أسرى الإنتفاضة الثانية على لوحة اسفلتية بيضاء والخلفية باللون الأسود، كأن اللاجيء لا يرى بأن حياته تتجاوز هذا الحدث الأسود وهو النكبة والحزن واللون الابيض الذي يمثل طهارة الفكرة التي أسر من اجلها الاسير.
بالإضافة إلى خارطة فلسطين التي تطغى على الموقف وتغطي بوجودها على كل شيء كأنها حدود السماء والأرض، فلسطين كاملة ترى فيها ساحلها وأنهارها واوديتها، ترى فيها القرية والمدينة، وترى فيها القدس رمز يجمعنا، ترى الديانات الثلاث فيها، وترى الحلم الفلسطيني، واستحضار المكان والزمان، نرى الهوية والمخيال، نرى فيها كل ما يحب أن يراه اللاجىء بوطنه، وأمامها ساحة صغيرة مزروعة بالأشجار معتنى بها تحمل صورة جورج حبش مكتوب عليها الثوريون لا يموتون ابدا، فالفكرة والصورة تنبت كما تنبت الأشجار، وتبقى أثارها ومفعولها كما لم يتوقع مفتعل هذه الفكرة.
وإلى جانبها قوس رخامي أبيض يحمل على أساس القوس العمود الأول اسم الشهيد رئيس دولة فلسطين سابقا ياسر عرفات، وعلى العمود الأخر اسم الشهيد رئيس دولة العراق سابقا صدام حسين، وهذه دلالة على عمق العلاقة بين الدولة الفلسطينية والعراق وتشابه طبيعة المعاناة والصراع ونبل القضية وطريقة الدفاع عنها، بالإضافة إلى لوح تذكاري كتب عليه تضامن عدة دول عربية وغربية مع شعبنا الفلسطيني وتضحياته وشهدائه، فهذا الصرح هو الصورة التي تحيل على التناقضات "الحلم والواقع" "الامل والانتظار" "الحزن والفرح" "الموت والحياة" "النسيان والذكرى" فيها كل ما يشتهيه فلسطيني، إنها التاريخ الفلسطيني.
يعتبر التاريخ مكوننا أساسيا من المكونات التي تشكل وتصيغ الهوية، وهو من أكثر المكونات الاساسية التي يعتمد عليها البناء الأساسي للهوية، فهو ركيزة أساسية إذ لا يمكن الخوض في مفهوم الهوية دون النظر في تاريخها الذي يقودنا إلى ما هي الركائز الأساسية التي بنيت عليها الهوية منذ نشوئه، فالتاريخ يشكل التراث وذلك كون التراث الذي ما هو إلا انعكاس للتاريخ، خلال مر التاريخ الفلسطيني تكونت الأدوات والرموز التراثية كالحطة والثوب واللبس والمناسبات الشعبية كالأفراح "العرس الفلسطيني"، والأماكن التي نبنيها كرموز خاصة بمكونات وعينا، فهي تعبر عنا، وتتحدث بصوتنا، بذلك الصوت الخافت تحت هيمنة المكان، مع انتقال هذه الرموز من جيل إلى جيل والتمسك بها كما كانت منذ نشوءها تعبر عن مدى الوعي التاريخي الحقيقي، وعلى مستوى الانتماء، وعن تحقيق عناصر الهوية ومكوناتها.
فاستحضار كل هذه الرموز هو تجسيد للحلم وتذكير بالحق، واصرار على العودة، وتأكيد على ثبات بوصلتنا مهما تحدث تحولات على القضية الفلسطينية في علاقتها مع العدو، فالهدف واضح وكما قال حبش ان الطريق الى فلسطين مسافة الثورة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خاطرة نقدية
شجاع وبيخاف ( 2018 / 3 / 1 - 21:52 )
اختي العزيزة
لاحظي عدم اكتراث القراء وهم يمثلون اطياف الثقافة العربية لمثل تلك الاحاديث والرمزيات جدران وجداريات وتطريز ودبكة فلسطينية او زجل لبناني
بعد تجربة 100 عام من المخاض في الكلام الثوري وجدنا على الدوام ان الكلام ما يجيب الا كلام وتعاطف بالكلام ودولة بالاحلام
اختصرها كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون
الهجمة والتامر اكبر من حجم الشعب والمجتمعات لا تبنى او تتحرر بالفزعات وردود الافعال
عندك ايام الفقر كان هناك اشخاص نحبهم ويجيدون تصفيط الكلام الثوري ولما دحشت الاموال في جيوبهم صاروا اميركان
ان عدم تعليق العرب على مقالات الفلسطينيين ليس من باب عدم المبالاة في قضيتهم بل من باب التفهم للحال وعدم التجريح وبلغة اخرى عدم الرضا عن الاداء السياسي والمنهجي لماكينة النضال الفلسطيني
زمان كانت اي كلمة عن فلسطين تدغدغ عواطف كل العرب واليوم طغت صور ارتال السيارات الفارهة على المشهد
لي نقد موضوعي على الدراسة المجتهدة اعلاه بان الشعب كله تحت الاحتلال ومتضرر ولم يعد ابن المخيم الاقل حظا بل تجديه الاوفر حظا في ظل السلطة من حيث المردود المالي الشهري وعليه النضال صار عاما وليس لمخيم ما


2 - رد
مي كمال أحمد هماش ( 2018 / 3 / 1 - 22:14 )
عزيزي
من قال أن هذا كلام ثوريًا أو أي شيء من قبيله.. هذه محاولة لتأريخ المراحل التي يمر بها مجتمعنا الفلسطيني تحت الإحتلال، ودراسة التغيرات التي تطرأ على الهوية سواء من خلال الجدران أو الأدب هي أشبه بمنهجية علمية تشير إلى حالنا فيما بعد
أما بالنسبة لسكوت الدول العربية فهذا السؤال تم تجاوزه كثيرا من قبل الشعب الفلسطيني، ليس له مكان للنقاش فهذه القضية الفلسطينية وسيحررها الفلسطينيين
وفعليا لا أعرف مصدر معلوماتك عن المخيمات والمردود المالي الوفير !! سواء في ظل السلطة أو الأونروا.. اعتقد بأن عليك يا عزيزي بإعادة قراءة الوضع الفلسطيني بأكثر دقة إن كنت مهتما بهذا الموضوع..
وفي النهاية ورقتي لم تشير إلى اقتصار المقاومة على أبناء المخيم دون نظرائهم من القرى والمدن .. بل دراستي كانت على مخيم الدهيشة وهذا ما تم تحديده بالعنوان والمجادلة الأساسية
تحياتي
مي هماش

اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس