الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسبانيا تحرق كتب اليهود

سيلوس العراقي

2018 / 2 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الرابي موسى بن نحمان ـ المعروف أيضًا بـ "رامبان"، يكتبونه "نهمانيد" في بعض اللغات الاوربية، كان طبيبًا حكيمًا مثل الرابي والطبيب الشهير موسى بن ميمون، وكان واحدًا من كبار الكتبة الضليعين والمفسرين للكتاب المقدس ـ العبري ـ ومعلمًا كبيرًا للتلمود، في تاريخ الشعب اليهودي. كان القائد أو الرئيس الديني للجماعة اليهودية في اسبانيا، ولمنزلته الكبيرة هذه كان يمثلُ اليهودية في المجادلات مع الكاثوليك في برشلونة في عام 1263م، ومع أنه كان يواجه مجادليه العديدين وحيدًا لكنه كان في الغالب يغلبهم ويتمكن منهم في جدالاته. وبنفس الوقت كانت نتيجة نجاحاته متعددة ومختلفة في هذا الشأن أهمها:
النفي الشخصي له الى خارج اسبانيا،
وثانيًا، تشديد الكنيسة الكاثوليكية الاسبانية الخناق على اليهود من أجل تخلّيهم عن اليهودية والتحوّل الى المسيحية، وعمليات حرق رجال الكنيسة الكاثوليكية للتلمود والكتابات اليهودية الأخرى.
حين بدء محاكم التفتيش في آراغون عام 1233م تمّ تعيين الكاهن الدومينيكاني رايموند دي بونيافورتي رئيسًا مسؤولا عن المحاكم هناك من قبل غريغوري التاسع بابا روما.
من أولويات جهود محاكم التفتيش هي القيام بتحويل اليهود الى المسيحية بواسطة الاقناع والتعليم.
وقام الرهبان الدومينيكان من أجل تحقيق هذا الهدف الرئيسي بانشاء السمينيرات (أديرة لتنشئة وتعليم التلاميذ واعدادهم ليصبحوا كهنة) وقاموا بتعليم العبرية للتمكن من التعلم في الردّ والنقاش والمجادلة والمحاججة من خلال النصوص العبرية مع اليهود، ولرفض الادعاءات اليهودية ومحاولة إبطالها.
كان للدومينيكاني رايموند أتباعًا ـ تلاميذ ـ وأحد هؤلاء الأتباع المدعو بابلو كريستياني وهو يهودي معمّذ أي متحول الى المسيحية.
لم تلقَ محاولات تبشير اليهود وتحويلهم الى المسيحية نجاحًا إلا ما نادر، وأتى بابلو كريستياني بفكرة الجدال بين اليهود والكنيسة. وفكرته هي: أنّ بامكان رجال الكنيسة المسيحيين التغلب بسهولة، فالفوز الذي سيحققونه سيرافق ويسهّل اهتداء اليهود الى المسيحية. طرح الفكرة على الملك جيمس الأول وأقنعه بطلب حضور ومجادلة الرابي موسى بن نحمان الشهير في زمانه بفكره وبعلمه في اليهودية وفي التلمود لتتمّ مجادلته في برشلونة عام 1263م.
تجدر الاشارة الى أنه بحلول القرن 13 الميلادي نما عدد سكان اسبانيا من اليهود ليصل الى 150 ألف، ما شكل نسبة 3 بالمائة من سكان اسبانيا في تلك الحقبة. وبالرغم من وجود وانتشار معاداة اليهود ـ معاداة السامية ـ في اسبانيا حينها، لكنها لم تكن ممنهجة. لكن بعد ذلك، وخلال العقود الأولى من القرن 13 أصبحت الأديرة الرهبانية مركزًا لمعاداة السامية، ومنذ ذلك الحين ازدادت الكراهية لليهود بالتدريج لغاية أن تم طردهم.
بينما كان تعامل مختلف ملوك اسبانيا مع اليهود نفعيًا ـ وظيفيًا ماليًا، حيث كان الملوك يستخدمونهم كمموّلين وكصرّافيين وماليين، ومن دون أيّ شكٍّ فكان لليهود الأثر الكبير في الازدهار المالي والاقتصادي الذي حصل في اسبانيا حينها.
من الجانب الآخر كان تعامل الرهبان ورجال الدين الكاثوليك مع اليهود في اسبانيا عدائيًا، وكانوا يجبرون اليهود على قبول المعمودية للتحول الى المسيحية. ومع مرور الوقت ونتيجة للنفوذ الكبير لرجال الدين الكاثوليك في الملوك الاسبان تمكنوا من جعلهم معادين لليهود وأصبحوا شديدي العداء للسامية.
موسى بن نحمان (1194 ـ 1270) من جيرونا ـ اسبانيا. كان رئيسًا لمدرسة (يشيفا) جيرونا اليهودية. وكان أكبر مرجعية يهودية في كتالونيا وفي اسبانيا ومن أكبر العلماء في التلمود والفكر الديني. ألّف العديد من الكتب، وما أنقذ منها خمسون مؤلفا تقع في حقول ثلاث: تفاسير كتابية، الشريعة ـ الهلاخا، أعمال في القبالا ـ الروحانية اليهودية.
هذا هو ـ باختصار شديد جدًا ـ العلامة الكبير نحمان الذي تم الطلب منه الدفاع عن اليهودية في برشلونة في تموز 1263م لمدة أربعة أيام 20، 27، 30، 31. وكان يبلغ من العمر 69 سنة في وقتها وكان في أوج شهرته في العالم اليهودي.
وافقت الكنيسة الكاثوليكية على هذه المجادلات (المناظرة) استنادًا الى الفكرة بأن عموم الشعب سوف يحضر ويسمع مواضيع المجادلات هذه التي ستكون بمثابة حقيقة تفوّق المسيحية، وبنفس الوقت ستكون مناسبة لاهتداء وتحويل اليهود الى المسيحية.
مثّل الكنيسة في هذه المجادلات (المناظرة):
الملك جيمس الأول على اراغون، الذي ترأس الجميع وشارك في جانب من النقاش، اضافة الى الدومينيكاني رايموند دي بونيافورتي، رايموند مارتيني، آرنولد دي سيكارّا، بابلو كريستياني، ورئيس الرهبان الفرنسيسكان بيتر دي يانوا.
بينما من الطرف اليهودي :
فكان موسى بن نحمان هو الوحيد مقابل جميع من يمثل طرف الكنيسة.
الملك جيمس الأول كان شخصًا محترمًا ومعتدلاً منصفًا، ضَمنَ لنحمان كامل الحرية في الحديث والكلام، الأمر الذي يعدّ نادرًا جدًا في مثل هذه الجدالات.
بدأ الجدال بتحذير من الدومينيكاني رايموند دي بونيافورتي لموسى بن نحمان يحذره فيه من انتقاد الكنيسة. كان جواب نحمان على هذا التحذير بأنه (أي نحمان) انسان متمدّن ويعرف السلوك المتحضر.
أكد بابلو كريستياني بأن المشياح (المسيح) قد ظهر، واستخدم بابلو بعض الاستشهادات من الأكادا Aggadah اليهودية ليبرهن على قوله. بالاضافة الى أنه حاجج بأن المسيح كان بنفس الوقت الهًا وانسانًا، ومات للتكفير عن خطايا البشرية.
وكان ردّ نحمان على طرح بابلو بأن: الأكادا هي مواعظ من المدراش، وهي ليست ملزمة لليهود.
ويضيف نحمان بأن التفسير الحرفيّ للفقرات المذكورة في التلمود، بكلّ بساطة، لا تذكر بأن المسيح قد أتى، لكن يمكن لوي الفقرة لتعني ذلك، بالرغم من أنها حرفيًا لا تعني ذلك.
ويضيف نحمان بأن الخلافات بين اليهودية والمسيحية ليست حول ما اذا كان يسوع هو المسيح.
وأنه أغضب خصومه المسيحيين في قوله بأنّ روما كانت امبراطورية عظيمة قبل أن تتبنى المسيحية، وتم سقوطها بعد أن أصبحت مسيحية. وهناك مثال على العكس منها، هو الاسلام، الذي تمكن من انشاء امبراطورية أكبر من الرومانية. قول نحمان الأخير يتضمن القول بأن المسيحية ساهمت في سقوط الامبراطورية الرومانية.
علما بأن هذه المقولة لنحمان تجد لها استشهادًا أو صدىً لدى ادوارد جيبون مؤرخ القرن 18م في كتابه سقوط الامبراطورية الرومانية.
وتطرّق نحمان الى موضوع آخر في مناظرته الجدلية مع خصومه وهو، أنه منذ زمن يسوع الى الوقت الحاضر قد تم إغراق العالم بالعنف والظلم، والمسيحيون سفكوا دماءً للشعوب أكثر من غيرهم.
وبسبب علوّ باع نحمان وعلوّ سقفه في الجدال، تم تأجيل الحوار. وتم اشاعة أمر مختلف في المدينة على أنه بسبب فرار نحمان من المدينة تم ايقاف الجدال. بينما المصادر اليهودية وشهادة اليهود تؤكد بأن نحمان بقي في المدينة لمدة اسبوع آخر. ففي يوم السبت حضر الى السيناغوغ وكان الملك جيمس الأول حاضرًا أيضًا وكان الحديث حول موضوع اهتداء اليهود الى المسيحية، وتم السماح لنحمان بالرد، ثم نال في اليوم التالي هدية مالية من الملك جيمس.
بالرغم من أن النتيجة كانت انتصارًا شخصيًا لنحمان في جدالاته، لكن النتائج السلبية للجدالات كانت من حصة شعبه اليهودي.
فرايموند مارتيني في محاولة منه في تقوية وتمتين التفسير الكريستولوجي في الأكادا كتب كتابًا بعنوان خنجر الايمان عام 1280م والذي جاء كأساس لمجادلات المسيحيين ضد اليهود.
وحصل بابلو كريستياني على إذن وسماح في زيادة النقاشات والمجادلات مع اليهود في آراغون، الغرض منها تدفيع اليهود غاليًا. وحصل بابلو على نجاح ضعيف ومحدود في هدفه، لكنه أقنع البابا كليمنص الرابع (1265ـ 1268) لاخضاع المطبوعات والكتب اليهودية للرقابة، وتم حرق العديد من الكتب، ولم تسلم أيضًا كتب موسى بن ميمون، لأنه قد ورد اسم يسوع فيها.
تم اضطهاد نحمان فيمابعد لتمكنه من احباط وهزيمة مجادليه في كلّ مرة، فطلب مطران جيرونا تقريرًا مفصلاً حول مجادلة موسى بن نحمان، فقام نحمان بكتابة تقرير مجادلاته، وتم استخدام هذا التقرير كأساس في الحكم على نحمان في محكمة التفتيش بتهمة الازدراء والتجديف على يسوع. في حين طالب الملك جيمس الأول حكمًا خفيفًا على نحمان، وبحرق تقرير نحمان والحكم عليه بالنفي لمدة سنتين. ولكن تخوّف الملك جيمس من أنّ محكمة التفتيش لن ترضخ لمطلبه، فكرّر الملك محاولته.
ان مصير الرجل الكبير نحمان كان نذيرًا لما سيحلّ باليهود في كافة مناطق اسبانيا، حيث سيكون مصيرهم، الموت أو الهجرة.
أدرك الحكيم نحمان أن الساعة قد حانت لمغادرة أرض مولده.فهرب الى اسرائيل ووصلها عام 1267م حيث عاش آخر 3 سنين من حياته فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة