الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكولوجية الفتاة (عهد التميمي)

سعدي صبيح سعد

2018 / 3 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يُعدّ اللعب من ابرز نشاطات الطفولة، وهذا ما دفع علماء التربية والتعليم لتسخيره في عمليتي التربية والتعليم. ولكن أن يختلط اللعب بالنضال ومكافحة المحتل ورفض ممارساته من قبل طفلة بعمر أربع سنوات! فهذا جديد وغير مسبوق، لا في علم النفس ولا في حياة الشعوب المحتلة. فالفتاة عهد التميمي من مواليد 30 مارس 2001، اعتادت الخروج كل يوم جمعة في مسيرات سلمية مع افراد عائلتها وأهل قرية النبي صالح غرب رام الله، حيث ولادتها وإقامتها. هذا أصبح سلوكاً مكتسباً معززاً بدوافع نفسية متعددة في الشعور لرفض ممارسات الجنود الصهاينة ضد المواطنين الفلسطينيين من خلال التفاعل اليومي والصدامات المستمرة معهم.
إن البيئة التي تعيش فيها (عهد) بيئة متميزة من حيث الاحتلال وانعكاساته على المجتمع الفلسطيني. فالجدران والاعتقالات والأسر والتعذيب النفسي والجسدي والتهجير القسري والحصارات والقتل والبطش، ولم يسلم من ذلك حتى الأطفال والنساء والشيوخ. يوازي ذلك ضعف الجندي الصهيوني، وهزيمته من الداخل وذلك واضح بشكل عام من حالة الخوف التي يعيشها وخاصة بعد حرب تموز 2006. هذا جعله يؤدي واجباته بارتباك، وإذا أضفنا عاملاً آخراً وهو عنصريته الشديدة، فإن ذلك يؤدي إلى هبوط في عزيمته وإخفاق في مهنيته كعسكري. كل هذا فرض على (عهد) وجيلها أن يواجهوه ويتحملوه بطرق وأساليب حديثة تختلف عن طرق الآباء والأجداد، وذلك للعنفوان والاندفاع والقدرات التي يمتاز بها الشباب. هذه الميزات والمميزات عند المراهقين والشباب يستثمرها بناة الأحزاب والتنظيمات السياسية، وخاصة إذا وظف الفراغ الفكري عند الفرد المستهدف، وهذا ما شخص في تجنيد المنظمات الإرهابية للأطفال والمراهقين في النصرة وداعش وغيرها. ولكن في حالة (عهد) فإنها لا تعاني من الفراغ الفكري بل إن قضيتها تملأ عقلها ووجدانها وضميرها، وتسير في شرايينها، فسلوكها النضالي قوي الدوافع النفسية والاجتماعية والسياسية.
أما أسرة الفتاة (عهد) فإنها تعيش أجواء متطابقة بشكل كبير جدا مع البيئة المناضلة الفلسطينية. فلقد أستشهد عمها، وخالها، واعتقل أباه لتسع مرات، وأمها لخمس مرات، واخيها لمرتين. وهي تعرضت للضرب وكسرت يدها، واشتبكت مع الجنود الصهاينة هي وأمها لإنقاذ أخيها من الاعتقال، ناهيك عما تعرض له أقاربها وزميلاتها وصديقاتها من ظلم واضطهاد.
منذ طفولتها المبكرة اعتادت المواجهة للمحتلين، والاستثنائي في شخصيتها هو ملامح الوجه القوية المعبرة عن التحدي والمقاومة، أما صدق تعابير حركة الجسد فلها عشرات الصور تلوح فيها بالتهديد بالضرب للجنود الصهاينة، وهو ردُّ فعلٍ على تهديداتهم اليومية ولكنها رفعت حالة التهديد بشجاعة فائقة إلى التنفيذ لعدم استجابتهم لطلبها برحيلهم عن دارهم الخاص، فصفعت جنديين وضابط بمنتهى التحدي والشجاعة بطريقة لم تلاحظ عند غيرها.
إن انتقال الطفلة (عهد) من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة مرَّ بشكل سريع ومتداخل، أكبر من حالات أقران جيلها. والأبعد من هذا فإنها دخلت سن الرشد وهي في عمر مبكر من مرحلة المراهقة! وهذا غير اعتيادي في نظريات علم النفس، بل أنه نادر الحدوث. إن الوضع الاجتماعي والتوازن النفسي لا يكفي لبلوغ الرشد، بل يعزز الرشد بتحديد الهدف، والإنجاز والثبات والالتزام والتقيد بالمسؤوليات المختارة باستقلالية، من كل هذا وذاك يمكن فيه الاعتماد على الراشد.
إن من أهم الاسباب المؤدية لظهور علامات الرشد بوقت مبكر عند المراهقة (عهد)، هو حسن تعامل الأسرة، والمنهج المتبع في الحياة من قبل عهد وأسرتها ومجتمعها. إن نمو الوعي الذاتي وإدراك التغيرات الجسدية والعقلية جعلتها أكثر نضجاً من الناحية الموضوعية. ومشاركة (عهد) في الفعاليات النضالية العامة، ومنها المسيرات السلمية وصل بها إلى مرحلة الرشد قبل غيرها من جيلها. هذا كله أكسبها ثقة الراشدين المحيطين بها، أضف إلى ذلك سعة هذه الثقة معززة بالإعجاب أو (بالانزعاج)، حيث شملت جميع وسائل الإعلام العربية والعالمية، مضافاً إليها وسائل التواصل الاجتماعي، هذا جعل الراشدين يتعاملون مع عهد بندية كاملة. إن مهاراتها، وقوة احتمالها، وشجاعتها عمقت خصائص أساسية في شخصيتها، انعكس ذلك في سلوكها نتيجة التوافق الواضح بين دوافع الشعور واللاشعور.
قبل أسابيع خضعت (عهد التميمي) إلى نوع آخر من النضال لا يتوافق مع عمرها، أنه الاعتقال من قوة مكونة من عشرين مركبة عسكرية محملة بالجنود المدججين بالسلاح، وهي تواجه قضية الاعتداء بالضرب على جنود وضابط. يشاركها في المعتقلات مئات الأطفال والصبيان، حيث أصبح اقتياد جنود إسرائيليين لطفل فلسطيني ظاهرة اعتيادية وشائعة في وسائل الإعلام كافة وليست حالة عابرة. هذه الظاهرة لها مؤشرات عديدة ليس هذا مجال ذكرها، ولكن من أهمها هو مستقبل هذا الكيان بوجود (عهد) وجيلها. ومن الصور التي نقلتها وسائل الإعلام لعهد وهي في التحقيق محاطة بالشرطة، لقد كانت ثابتة، وظهر على تعابير وجهها الحذر والحكمة والاطمئنان، لم تكن مضطربة، وغابت مؤشرات القلق عن معاني الوجه وحركات الجسد، فهي متماسكة واثقة بقضيتها وحقها، وكذلك بضعف خصمها.
إن الفنان التشكيلي الايرلندي (جيم فيتز باتريك) الذي رسم قبل 50 عاما صورة المناضل (تشي جيفارا)، والتي ألتقطها المصور (البرتو كوردا)، وأصبحت أيقونة عالمية للنضال إلى يومنا هذا. (جيم فيتز باتريك) رسم صورة للمناضلة (عهد التميمي) وهي ترفع العلم الفلسطيني قبل أيام، وجسد فيها كل معاني القوة والتحدي والنضال، وكتب تحتها؛ "THERE IS A REAL WONDER WOMAN": "هناك امرأة خارقا فعلاً" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟