الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم -الوجود- عبر عالمنا -المفترض-

آية كامل رباح

2018 / 3 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ بداية الخلق وحلم الإنسان بالخلود لا يفتأ ينمو ويتجدد، من أسطورة جلجامش مرورا بوهم أخيل الذي شاهدته الآلهة وهو يبكي ضحية الجزء الخالد فيه كما جاء في قصيدة لويز غليك، حتى أيامنا هذه لا نزال نمتلك هذه النزعة إلا أننا تمكنا من حصرها أو من جعلنا موضع سخرية أمام أنفسنا بسببها.
ذلك ما منحتنا إياه مواقع التواصل أو فلأسميها مواقع العرض الاجتماعي، ذلك أنه عندما يضع أحدنا صورة فإنه يتخيل أنه صار مؤهلاً لأن يُرى من قبل كثيرين حتى لو كانت الحقيقة غير ذلك، كذلك عندما نكتب شيئا، لدرجة أننا قد نصاب بالاختناق إذا كتبنا أو صورنا أنفسنا صورة جميلة دون أن ننشرها ونتلقى المديح، الأشياء غير المنشورة باتت تنتقص شيئا من وجودها رغم حقيقتها الصادقة بين أيدينا، يا للبؤس! لقد تلوثت أرواحنا بالكامل، أفكر ها هنا بفرناندو بيسوا الذي وجدوا بعد وفاته آلاف الصفحات الذي كان يخبئها في صندوق في غرفته المعزولة دون أن يقرأها أحد. كم بذل من الأيام محاطًا بانعكاسه الصادق ذاك الذي لم يعد الإنسان المعاصر قادرًا على تحمله. بل لقد بات غير قادر على إخفاء تحامله على صديق أو غضب من رئيسه في العمل، هذا العقل المثقوب يرشح أولًا بأول على مواقع ستذرها الرياح آجلا، أتساءل هل كان بيسوا لينشر كتاباته أول بأول لو كان يمتلك فيس بوك مثلا؟
لم نتوقف عند هذا الحد، فلقد وصلت قناعاتنا الداخلية إلى حد أن الله نفسه يقرأ ما نكتب مما دفعنا لنشر الأدعية والمثاليات، لاحقا اعتبرنا أن ما نكتبه أيضا قد يصل للموتى، في الحالتين حتى لو كان اعتقادنا خاطئا وكنا نضع الأشياء لأجل إثبات شيء لأنفسنا العاجزة فتلك تبدو جريمة أبشع تنم عن نرجسية وشرك عميقين مما لو اعتبرنا ذلك لأجل الله والموتى حقًا. وتكمن المصيبة في أننا لا نفكر جيدًا. فهذه المواقع أيضًا منحتنا كما من الرضا والحرية عوضا كثيرين عن ندوبهم وجهلهم.
إضافة إلى ذلك قد نتخيل أننا أحببنا شخصا ما أو صادقناه فقط لأننا حادثناه في وقت كان كلانا يبحث عن الأخذ لا العطاء، لقد عمقت طرق التواصل هذه أنانية العلاقات، فإذا كان بإمكاني أن أحظى بمن يحبني فقط لأني أخبره أسراري وأرسل له الرموز الجوفاء فلماذا أضحي في حياتي الحقيقية لأجل ذات الشعور بالرضا الذي أعيشه الآن؟! وتلك معادلات تعتمد على حجم الإنسان فينا والذي يتضاءل لا محالة ويا للسخرية على حساب الجزء الخالد فينا وهو أننا موجودون والجميع يروننا ويضعون اللايكات والتعليقات المادحة أي أننا باقون!
لقد وقعنا في شرك اعتقاد يقيدنا في النهاية، فلا شيء خالد ولا أحد يأبه، الله في سمائه والموتى في قبورهم ونحن كائنات تدب على الأرض في حياة لن تتكرر وها هي تنسحب منا ونحن نشيد ذاكرات افتراضية وعلاقات افتراضية وحتى مواسات في الهواء، نحن نقع في شرك يحررنا لوهلة من وجودنا الحقيقي الثقيل لأجل حياة افتراضية مزينة لكنها خفيفة جدا كالرمال التي لا شك ستختفي إلى الأبد يوما ما.
من يأبه لتلك الدموع على وسائدنا وارتجافات قلوبنا الصغيرة لدى هبة مشاعر حقيقية، أعتقد أن الواقع هو الرهان الحقيقي الوحيد مهما كان بسيطًا ومحدودًا وهامشيًا للآخرين ودون نزعة الخلود الكاذبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ساعة الصفر تدق في رفح.. الجيش الإسرائيلي يجلي سكان شرق المدي


.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال




.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال


.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة




.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح