الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاشتراكية هي الحل .. بلا دوغما

محمد بن زكري

2018 / 3 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كانت ولا زالت وستظل الاشتراكية العلمية (تمييزا لها عن الاشتراكية الخيالية) ، كنظرية في الفكر الاقتصادي - و بالنتيجة كرؤية في علم الاقتصاد السياسي - و كمنهج في التحليل ، و كدليل عمل للثورة الاجتماعية ؛ هي طريق الشعوب للتقدم نحو مجتمع الفردوس الأرضي ، الذي يبدو أن الوصول إليه ، بات هدفا بعيد المنال في المدى المنظور ، لكنه ليس منتفيا عن التحقق ، في طفرة تطورية ما ؛ ليُصار إلى حيث تنبني العلاقات بين البشر على قاعدة : " من كلٍّ بقدر ما يستطيع ، إلى كلٍّ بقدر ما يحتاج " .
لكن المتمركسين ، هم من صاروا يسيئون إليها بمثل ما يسيء إليها خصومها الطبقيون و المبرمَجون عقليا على العبودية . وذلك عندما يحولها (معتنقو) الماركسية ، بما يعانونه من خمول ذهني و عوز معرفي ، إلى دوغما ، فيظلون يرددون كالببغاوات مقولات مقتطفة من ماركس و لينين و بوخارين و تروتسكي و روزا لوكسمبورغ الخ ، بنفس الكيفية التي يردد بها المتأسلمون مقتطفات من النصوص (المقدسة) .
ولا يبدو أن المتمركسين قد فهموا ما كان ماركس نفسه يعنيه بقوله : " أنا لست ماركسيا " . فهم بتشرنقهم داخل نصوص أصول النظرية الماركسية ، ناهيك عن مفاهيمها اللينينية (البلشفية) ، المرتبطة بالواقع العياني الروسي ، غداة ثورة 1917 الاشتراكية ؛ إنما يشكلون سلفية من نوع جديد ، يمكن أن نسميها " السلفية العلمانية اليسارية ! " ، التي لا تختلف من حيث دوغمائية منطقها ، و سكونيتها الاجترارية النقلية ، في التعاطي مع النصوص الأولى للاشتراكية العلمية ، عمّا تفعله السلفيات الدينية مع ركام الموروث الميتافيزيقي .
إن السلفية هي مسار دائري تناسخي ، يربط خطى السلفيّ إلى محور حلقة مغلقة ، تتكرر فيها الأحداث عبر الزمن على نحو تماثلي ، فتبدو الأحداث الجزئية و كأنما التاريخ يعيد نفسه ، و تكون كل نقطة على المسار الدائري التماثلي هي البداية والنهاية في آن معا ، فليس من جديد ، و الماضي هو النموذج . و تلك هي الرؤية التي تطبع العقل الاجتراري ، الذي يتعامل به المتمركسون الهواة ، مع التراث الفكري لـ (الآباء) المؤسسين و سيرة السلف البلشفي الصالح ! .
غير أن الأمور في الواقع ، كما في الاشتراكية العلمية ، ليست كذلك أبدا ؛ فالتجدد اللانهائي ،الذي يمضي قُدُما في مسار لولبي صاعد ، هو قانون حركة الطبيعة والحياة و التاريخ ، تطورا مستمرا إلى الأفضل و الأرقى ، رغم ما قد يعتري تطور الظاهرات الاجتماعية من اتجاهات تراجعية ، بتأثير عناصر الشد إلى الوراء ، داخل السياقات المعقدة ، متعددة المستويات ، لعمل قانون وحدة و صراع الأضداد .
و ما من شك في أن تغير أشكال و اتجاه العلاقات و موازين القوى و المصالح ، و معطيات تطور العلوم و التكنولوجيا ، و التدفق الحر للمعلومات ، و تقلص المسافات الزمانية و المكانية ؛ قد أنتج - و ينتج كل لحظة - واقعا جديدا متجددا ، يفرض مواجهة ما يطرحه من قضايا و تعقيدات و تحديات و أسئلة ، بمعالجات و أفكار و حلول و أجوبة جديدة ، غير تلك التي اقتضتها أحداث و معطيات الأزمنة الماضية .
وذلك يرتب على المثقف والمناضل اليساري إعمال عقله لإنتاج أفكار جديدة ، تستجيب لمستجدات المرحلة ، انطلاقا من قراءة نقدية لمعطيات الواقع المتحول ؛ للدفع باتجاه تلبية رغبات الناس ، و تحقيق تطلعاتهم المشروعة ، و إشباع حاجاتهم المادية و المعنوية . و بقدر ما يحمله الفكر من جدة وجدية و إمكانية تَحقُّق - أو تمظهر - على أرض الواقع المُعاش ، بقدر ما يتحقق له من قوة الحجة و المقدرة على الإقناع و القبول العام .
لكن هؤلاء الذين لا يكفون عن اجترار المقولات الماركسية المدرسية ، دون أن يضيفوا إليها جديدا ، بدلا من أن يفعِّلوا منهجيتها العلمية ، لفهم الواقع من زوايا نظر جديدة ، و لإبداع أفكار جديدة ؛ فهم إنما يؤسسون لسلفية ، تتناقض تناقضا كليا مع ديناميكية الاشتراكية العلمية ، المؤسسة على الجدلية المادية التاريخية ؛ فيحيلونها إلى مومياوات فكرية ، لا تقوى على الحياة في مناخ القرن الواحد و العشرين ، المختلف عن مناخات القرنين التاسع عشر و العشرين ، الذين شهدا ولادة الاشتراكية العلمية و تجاربها الناجحة والفاشلة و المغدورة .
ولأن الواقع يثبت كل يوم عقم النظام الراسمالي ، من خلال الأزمات الدورية الهيكلية التي تعصف بالاقتصادات الراسمالية الكبرى ، و آخرها أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة (2008) ؛ التي تطورت إلى ركود اقتصادي عالمي ، لا زالت آثاره تهدد كثيرا من الاقتصادات بالانهيار ، و تهدد كثيرا من الدول بالاقتراب من حافة الإفلاس ، رغم حُقَن الإنعاش الممولة من جيوب دافعي الضرائب الفقراء ، و على حساب فقرهم وإفقارهم ، و رغم الترقيعات المستعارة من الاشتراكية ، و المجتزأة من سياقاتها التاريخية ، لترميم النظام الراسمالي . فإن الاشتراكية تظل هي الحل .
لكن الاشتراكية ليست نصا مقدسا ، جامدا في الكتب ، بل هي منهج دراسة و تحليل للواقع و استشراف للمستقبل .. من جهة ، و هي من جهة أخرى .. دليل نضال يومي ، لتغيير الواقع القائم ، إلى بديل أفضل و أرقى و أجمل ، لصالح الشعب ، بواسطة الشعب ، و من وسط جماهير الشعب . و يظل المثقف اليساري دائما في الطليعة من نضال الشعوب ؛ رائدا لتقدمها ، بما ينتجه من أفكار إنسانية جديدة ، لا قيدا على حركتها ، بما يلوكه من الدوغما .
و يظل المنهج الجدلي - المادي التاريخي - هو ما يضفي صفة العلمية ، على المقاربات الفكرية ، و يضفي طابع المصداقية على الممارسات النضالية ، للمثقف اليساري ؛ على المستويات كافة : السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الحقوقية و الثقافية . على أنه (المنهج الجدلي) منفتح لاستيعاب جهود كل القوى الديمقراطية و الوطنية ، في نضالها ضد الدكتاتورية و الأحادية و الشوفينية و التمييزية و العلاقات الظالمة .. بكل أشكالها ، تطلعا إلى الأرقى و الأكثر تلبية لمطالب العدالة الاجتماعية ، بما هي عدالة توزيع ثروة المجتمع بين أبنائه الأفراد .
والاشتراكية العلمية بما هي فكر نقدي جدلي تاريخي ، مادته الواقع الحي ؛ هي أبعد عن أن تكون (نموذجا) جاهزا ، نهائيا ، منغلقا ضد التنوع و التجدد ، صالحا لكل زمان ومكان . ومن ثم فمن المفهوم أن تتباين التجارب الاشتراكية للشعوب والبلدان ، بتباين عناصر تواريخها الخاصة ، ودرجات تطورها الاجتماعي ، ومكوناتها الهوياتية ؛ مع الانفتاح - المنهجي - على آفاق التجدد و التطور المستمر . ودائما على قاعدة الانتماء لإنسانية تقدمية واحدة ، من أخلاقياتها ألّا يسفّه المرءُ غيرَه على نحو قبْلي (بسكون الباء) أو يقيني ، فليس من أحد يمتلك الحقيقة المطلقة أو الأزلية الأبدية ، التي لا وجود لها أصلا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا