الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التعليم في المجتمعات المتخلفة
ماهر رزوق
2018 / 3 / 14الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لم أزل مستمراً في بحث كنت قد بدأته منذ فترة و كتبت عنه حتى الآن عدة مقالات ، و هذا البحث لم يكن سوى ثمرة لتساؤلات عديدة عن طبيعة هذه العقلية التي لازالت لا تدرك تخلفها ، و أسبابه ... كما أنها لا تدرك سوء وضعها الانساني و الحقوقي في ظل كل هذا الاستبداد و الديكتاتوية و الطغيان ...
و حاولت في المقالات السابقة أن أربط بين ايديولوجيا الدين و ثقافة هذه المجتمعات ، و بين قبولها أو عدم احساسها بالقمع السياسي و الاجتماعي الذي تمارسه الأنظمة التي تستبد بها ، بينما تدافع هي عن تلك الأنظمة و عن ذلها بكل شراسة و استماتة ...
أولاً لننظر ما معنى الطغيان في قاموس لسان العرب ، فمعناه سيعطينا فكرة واضحة عما سنتكلم عنه ... فالمعنى الذي يطرحه لسان العرب هو : تجاوز الحد ، و منها أطغاه المال ، أي جعله مجاوزاً لحدّه ...
فعندما نتكلم عن طغيان هذه الأنظمة فإننا نتكلم عن تجاوزها لحدودها و تدخلاتها في جميع شؤون أفراد المجتمع (العامة منها و الخاصة) و حرمان الشعب من أبسط حقوقه ، كحق إبداء الرأي مثلاً ، الذي قد يودي بصاحبه إلى التهلكة ...
و لكن سؤالي هنا ، لماذا لا يشعر هؤلاء الأفراد بذلك الطغيان ؟؟ هل اعتادوا عليه ؟؟ و ما مصدر هذا الاعتياد ؟؟
في الحقيقة أن هؤلاء الأفراد قد اعتادوا فعلاً على الطغيان كمبدأ ، فهم يتعرضون له منذ الولادة و منذ زمن طويل ... فالطغيان الديني سبق الطغيان السياسي بقرون ... لأن الشيوخ و النصوص يتدخلون بكل شاردة و واردة و كل تفصيل صغير أو كبير في حياة الأفراد المتبعين لذلك الدين ... حتى دخول الحمام ، و طريقة الاغتسال ، و طريقة الأكل ، و التحدث ، و تحديد الأشياء الممنوع و المسموح التحدث بها أو التفكير بها ... تخيل أنك حتى لست حراً بالتفكير بما تريد ... هل هناك طغيان أكبر من ذلك؟؟
و المشكلة الكبرى أن التعليم في هكذا مجتمعات لا ينجيك من التخلف و لا يغير من طبيعتك الخاضعة و المستسلمة ... فهدف التعليم في هذه المجتمعات هو المكانة الاجتماعية فقط لا غير ، و ليس المعرفة بحد ذاتها ... فنجد أن الطبيب أو حامل شهادة الدكتوراه ، يفكر بنفس الطريقة التي يفكر بها أي متشرد لم يتلقى تعليماً في حياته ...فهو يؤمن بنفس الخرافات ، و يخضع لسلطة الشيوخ و الفقهاء الذين لم يتلقوا حتى نصف تعليمه ...
و يبدو هذا الأمر واضحاً في المجتمعات المتدينة أكثر من غيرها ، كالمجتمعات العربية و التركية ... بينما يبدو أقل تعقيداً و أهمية في المجتمعات العلمانية المتقدمة ... و كمثال على ذلك ، نلاحظ في مسلسل (قضايا) suits ، أن مارك الذي يعرف القانون جيداً ، برغم عدم امتلاكه لشهادة في القانون ، استطاع أن يعمل بأفضل شركات المحاماة ، بينما تغاضى هارفي (المحامي الأفضل في الشركة) و مديرة الشركة عن هذا الأمر ، مقابل ما يقدمه مارك من خدمات قيمة اعتماداً على معرفته و خبرته ... بينما في المجتمعات المتخلفة العربية و التركية مثلاً ، نلاحظ أن الشهادة تكون أهم من الخبرة و المعرفة ... و هذا ما يشجع على اعتبار الشهادة هدفا للتوظيف و المكانة الاجتماعية ، بينما تغيب أهمية البحث و المعرفة !!
مثال آخر على هذه النقطة ، هو عندما طرح (ريتشارد دوكنز) سؤالاً على الصحفي العربي في مقابلة مع قناة الجزيرة ، إذا ما كان _ برغم شهاداته العالية و مكانته المرموقة كصحفي _ يؤمن كغيره من المؤمنين أن هناك حصان ما في زمن نبي الاسلام ، استطاع أن يطير إلى السماء و يتنقل بين دولة و أخرى في ليلة واحدة (مخالفاً بذلك قوانين الفيزياء و المنطق العلمي) ... و قد كانت صدمة دوكنز هائلة عندما أخبره الصحفي أنه فعلاً يؤمن بذلك ، و أن تعليمه طويل الأمد لم يستطع أن يقي عقله من الوقوع في هكذا نوع من الخرافات ...
و ربما يصدم الآن العديد من الأوربيون و الغربيون بالقناعات و طرق التفكير التي يتبناها اللاجئون العرب و الأتراك الذين يقيمون في بلدانهم ، فأي نقاش لاهوتي بسيط ، سيكشف الهوة الواسعة بين طرق التفكير ، و سيظهر السهولة الكبيرة في السيطرة على عقول كهذه إذا ما استخدمنا حديثاً شريفاً أو آية من القرآن أو خطاباً لإمام طائفة معينة أو فتوى لشيخ طريقة ما ، لدعم ما نريد أن نقوم به ، دون التعرض لمعارضتهم أو يقظتهم الفكرية ... فكيف لتلك الشعوب التي تعيش حالة الطغيان في تفاصيل حياتها اليومية ، أن تشعر بطغيان الأنظمة و استبدادها ... كيف لها أن تقف مع الثورة على واقع لا ترى بشاعته و سوئه ؟؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إسرائيل تسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. وتوقف دخول
.. بعد قتله جنديين.. حزب الله يستهدف مجدداً ضباطاً إسرائيليين ب
.. هل سيطرة إسرائيل على معبر رفح مقدمة للسيطرة على المدينة بكام
.. شقاق متزايد في علاقة الحليفين.. غضب إسرائيلي من -الفخ الأمير
.. ترامب يتهم بايدن بتزوير المحاكمة لأهداف سياسية