الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في يوم حلبجة

محمد تحسين الحياني

2018 / 3 / 16
القضية الكردية


عندما تُضرَب مدينة كاملة بمواد كيماوية سامة فأعلم أنها مرعبة بإنسانيتها مجنونة بجمالها عظيمة بعطائها كبيرة بحبها طيبة بأهلها
ما مرَّ يوم على حلبجة وليس فيه حزن
ليس في شجونٌ
ليس فيه قهرٌ
ليس فيه آه
وعلى هذا أرادوها قتيلة لكن ها هي مقابر حلبجة تمنح الحب والقُبل لكل عابر سبيل
ها هي مقابر حلبجة تنير سماء العراق بالعطاء والضياء والبهاء
ها هي مقابر حلبجة حضن أبوي لكل يتامى شهداء العراق
وخيمة مكسية بالنعم والسلام لكل الحفاة العراة المضطهدين
ما ضرت يوما حلبجة أحداً
ما آذت يوما حلبجة أحداً
ما اعتدت يومًا حلبجة على أحدٍ
ما ظلمت يوما حلبجة أحدا
كانت هديلا لكل حمامة سلام وزقزقة حبّ لكلّ عصفور
كانت ملاذا آمنا لكل خائف
كانت بساطا يزينه الحب لكل العاشقين
كانت رغيف خبز يأكل منه كل جائع
لم تعرف يوما شكل البندقية ولا لون الرصاص ولا تعرف شئيا عن تاريخ الحروب
كانت إذا مات بلبلٌ تُنصَب له المآتم وتذرف له الدموع ويقام على القلوب العزاء
كانت حلبجة إذا ما جاعت لا تشكي ولا تتشاكى، تنام وتلتحف الصبر دواء لكل بطن قرقرت من الجوع
وعلى هذا وبعدما عجزوا أن يصلوا إلى طيب أهلها العجيب وبراءة تربتها المدهشة وإنسانيتها التي أرعبت قلوب الطغاة والمستبدين والمارقين والقتلة والسفاحين
أرادوها أن تكون منجما للموت موطنا للدمار مسكنا للخوف
حلبجة حلبجة حلبجة
ما سمع أحدٌ بحلبجة إلا وتذكر الموت
ما سمع أحدٌ بحلبجة إلا وعرف كيف يكون من الإنسان وحشاً ضارياً لا يردعه قلبٌ أسيف ولا ضميرٌ حي ولا طفلٌ يرتع ولا عجوزٌ متعبة ولا شيخ آمن
أتأملُ بحيرةٍ ! ألم يكن رصاص البنادق وحده يكفي لقتل المقام الغنائي الذي يعلو أبنية حلبجة في كل صباح كوردستاني؟!
ألم يكن صوت المدافع وحده يكفي لقتل أطفال الأزقة والأحياء؟!
لكنكم جبناء حاقدون كارهون
أردتم أن تمسحوا حلبجة من جغرافية الحب والعشق
أردتم أن تزيلوا حلبجة من ذاكرة الهيام والغرام
لكن هيهات هيهات ما زالت حلبجة هي الناي الذي من دونه لا تُطرَب المسامع ولا تُؤنس الحكايات ولا يُستلذ الحديث
ما زال في دفتيها سرٌ عن الصمود والكفاح والخلود لا تفسره الكتبُ ولا تكتبه الأقلام
رغم الانكسار لكنَّ النجم يخجل من بسوق قدها الذي أبى الانحناء
رغم الحزن لكنها ضاحكةٌ مبتسمة مستبشرة صوتها يجوب أرض كوردستان فهي الحب لا غيرها
رغم الجرح والألم لكنها معطاة مانحة للسائلين والوافدين
رغم الدمار لكنها قبلة للضالين والضائعين والتائهين
في هذا اليوم السادس عشر من آذار ذكرى الهجمة الشرسة والفتاكة على حلجبة مدينة الآمان والسلام والحب نستذكر بقلوب موجعة وبدموع منهمرة ماضياً أليماً وتاريخا مليئاً بسواد صفحاته ما حلَّ بهذه المدينة الجميلة من وحشية لا يمكن أن تنسى ولا يمكن لأي عقل بشري أن يستوعبها
إنها الطامة الكبرى التي دوّت التاريخ البشري
إنها القارعة المجلجلة التي قرعت في وحشيتها الأرض والسموات السبع
بدلا من أن نهب الأطفال قطع حلوى ليسعدوا بها نخنقه بالسم ونرميه جثة هامدة
وبدلا من أن نُقَبل يد كل عجوز مسنة نغتال وجهها المبارك بالسم الكيماوي
وبدلا من أن نطبطب على كتفي كل شيخ كبير هلكته مرارة السنين نذبح أنفاسه بالسم الكيماوي
يا لها من وحشية لم نقرأ عنها في تاريخ مجازر الأرض كلها
تكاد العقول لا تصدق لولا أن العيون كانت شاهدة على آلاف الأجداث التي فتك بها السم الكيماوي اللعين
ولولا أن مقابر حلبجة عجّت بجثث الأطفال وهم يمرحون في لحظتها
وللحزن أقولها وبكل أسف لم يكن شعب العراق منذ سنين طوال أفضل مما هو عليه الآن بسبب تسلط زمر الجهل والتخلف عشاق الكراسي أصحاب السياسات البائسة والهوجاء التي أدت إلى كلّ هذا الدمار (والتشرخ) والتمزق لأبناء الشعب بعربه وكورده
وأودت إلى هذا الكم الهائل من الانهيار الفظيع
فالظلم والغبن من قبل ساسة العراق الذين لم يعرفوا معنى وقيمة الكرسي الذي جلسه عليه وبسبب مطامعهم وملذاتهم
الشخصية وسوء الإدارة وجهلهم فيها جعلوا من المجتمعات العراقية مجتمعات (تفككية) يائسة لا أمل يعيش في صدرها ولا ضحكة خالصة صادقة تملئها أفواههم
وبدلا من أن نصدّق فعلا لا شعارات فضفاضة مقولة ( الشهداء أكرم منّا جميعا) ها هي السلطات وسياستهم الفاشلة تتعامل بالجور والحيف مع كل قطرة دم سالت من الإنسان العراقي
وأنا أسئل بصدمة تكنفني !
ولِمَ كل هذه الحروب التي لا حاجة بها؟! لِم هذه العقلية القتالية؟ لِم لا نتمكن من أن نتعلم من الماضي الذي ملئ بالدماء؟
تحية عز وبطولة لكل شهيد سقط بسبب الظلم والطغيان والاستبداد
تحية فخر وحب لكل شهيد ضّحى بنفسه من أجل البقاء
وتحية لكل شهيد حلبجي
فأنتم صناع المجد أنتم كتّاب التاريخ الحقيقي
ألف حب وسلام لكل قبر حلبجي طاهر
ارقدوا بسلام فأنتم السلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص


.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة




.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر


.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ




.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا