الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسي والبحث عن معنى الحياة ...

ريهام عودة

2018 / 3 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثيرا ما نجد بعض الناس هائمين على وجوهم ، يسيرون في الحياة بدون تحقيق أي هدف ، يبحثون بشكل عشوائي عن معنى لحياتهم في هذا العالم القاسي، الذي لا يستطيع أن يعيش به سوى الأقوياء، هؤلاء اللذين لديهم القدرة على البقاء و الاستمرار في أصعب الظروف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و البيئية.

فغالبا ما يكون البقاء للأقوى، و إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب، هذا المثل الشائع الذي يلخص لغة القوة، و يُصور العالم كغابة موحشة، مليئة بالحيوانات المفترسة التي تعيش على فرائسها من الحيوانات الضعيفة.

و يشعر معظم البشر، بأن الحياة غير عادلة، و أن القوى يتحكم بالضعيف، الأمر الذي جعل عدد كبير من هؤلاء البشر ، يعتمدون منهج القوة و العنف كأسلوب حياة، و كأداة لتحقيق ذاتهم للوصول لأهدافهم الشخصية.

ومع الرغبة الشديدة لإثبات الذات وتحقيق الأهداف ، يميل عادةً الإنسان بطبعه للحفاظ على وجوده ، و استمرار حياته لأقصى حد ممكن.

حيث مازال الإنسان غير مقتنعا بفكرة الرحيل الأبدي ، و أن الموت هو النهاية الأخيرة لحياته ، فحسب الديانات السماوية الثلاث ، تبقى روح الإنسان خالدة حتى بعد فناء جسده.

لذا في رحلة الحياة هذه ، هناك من يقتنع بأن يلعب دورا متواضعا في الحياة، و أن يعيش حياة مسالمة ، و يموت بهدوء ، دون أية مشاهد موت دراماتيكية.

و هناك من يبحث عن معنى لحياته، بلعب دور البطل القاهر، الذي لا يُهزم، و الذي يتم الهتاف باسمه بكل فخر في معظم أحياء مدينته أو أزقة قريته الصغيرة.

من هنا يمكننا أن نجد الدافع الرئيسي لبعض الشباب العربي ، في ممارستهم للنشاط السياسي بكافة أنواعه ، سواء كان نشاط سياسيا سلميا، أو كان نشاط سياسيا عنيفا ، فكلٌ يبحث عن معنى لحياته حسب طبيعة فهمه لقواعد الحياة ، و حسب أسلوب تفكيره ، وبناءً على الأيدلوجية السياسية التي يتبناها.

ومن أقصر الطرق لدخول التاريخ في عالمنا العربي ، هو ممارسة السياسة ، و القيام بنشاط سياسي ملفت للنظر ، يُسلط الأضواء على هذا الناشط السياسي .

و يمكن تحقيق ذلك ، بأن يقوم مثلاً هذا الناشط السياسي بعمل قتالي ضد استعمار ما ، أو أن يشارك بمظاهرات و احتجاجات غاضبة ضد دولة ما، أو أن يُحرض على شخصيات قيادية في بلده عبر مواقع التواصل الاجتماعي .

فكل عمل سياسي ، يرمز لمعنى الحياة الذي يبحث عنه هذا الناشط السياسي.

حيث أن الحياة عند هذا السياسي الغاضب و الثائر ، هي التضحية بكل شيء من أجل الانتقام ، و الثأر، و توكيد الذات، و الوصول إلي الصورة المثالية لمجتمعه ، حسب رؤيته لما يجب أن تكون الحياة في هذا المجتمع ، فهو لا يريد أن يكون عالمه ، عالم متخاذل و مستسلم و ضعيف ، والسلام بالنسبة إليه هو لغة الضعفاء و الخونة ، وما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.

أما الهدف السامي الذي يصبوا إليه هذا النوع من الناشطين السياسيين ، هو أن تلتحم روحه مع سحاب السماء ، و أن يصبح جثمانه بمثابة قربان للأرض، و للأيدلوجية السياسية و العقيدة الدينية التي يتبناهما ، و أيضا للحياة المثالية التي يتخيلها حسب أفكاره الخاصة، ومعايير الحزب السياسي الذي ينتمي إليه.

و يكمن معنى الحياة لهذا الناشط السياسي ، بأن الدنيا مجرد متاع مؤقت، و هي بمثابة جسر للآخرة ، لأن الحياة الدائمة هي في جنات الخلد.

لذا يعتبر هذا الناشط أن مفتاح الحياة الدنيا ، هو الجلد و الصبر على الشدائد ، و أنه يجب استخدام القوة لأبعد الحدود من أجل تلقين الأعداء، و المتخاذلين أقسى الدروس ، وتدفعيهم الثمن بكل الوسائل المتاحة.

وفي الوقت الذي فسر هذا الناشط السياسي، معنى الحياة حسب لغة القوة و الانتقام ، هناك ناشط سياسي آخر ، يبحث عن معنى الحياة عبر محاولة العيش في حياة شبه متوازنة برجماتية ، تجمع بين متاع الدنيا و الآخرة، وذلك من خلال تأجيل التفكير بحياة الآخرة ، لحين الوصول لمرحلة عمرية معينه ، يكون ضمنها قد حقق رغباته الدنيوية في الشهرة و النجاح و الثروة و المنصب السياسي الرفيع ، و في نفس الوقت خصص جزء من مراحل عمره المتأخرة للتوبة والعبادة .

فمعنى الحياة عند هذا السياسي، هو القدرة على النجاة في أحلك الظروف السياسية المتقلبة ، و الاستثمار في الوقت و العلاقات الإنسانية بأكبر قدر ممكن، حتى يأتي الوقت المناسب للانقضاض على خصمه السياسي ، و من ثم الحصول على المنصب الذي يتوق إليه بشدة.

و الحياة بالنسبة لهذا السياسي ، هي بمثابة مباراة كرة قدم يجب أن يفوز بها ، لذا يحاول هذا السياسي دوما أن يحيط نفسه بفريق قوي و ذو نفوذ ، يقدم له الدعم وقت المباراة السياسية ، وفي نفس الوقت يحاول هذا السياسي أن يحوز على إعجاب أكبر عدد ممكن من الجمهور الذي يشاهد بحماسة هذه المباراة الطاحنة .

إن معنى الحياة لهذا السياسي، يتمثل أيضاً بالفوز و النجاح المادي و الشهرة، بغض النظر عن الفراغ النفسي و العاطفي، الذي يشعر به بسبب تخلي عنه أقرب الناس إليه.

وبالاستمرار بالبحث عن معنى الحياة ، نلاحظ أن هناك ناشط سياسي من نوع آخر ، ألا وهو السياسي المثقف ، الذي يعتقد أن الحياة السياسية يجب أن تكون عادلة و فاضلة ، و تهدف إلي حماية مصالح المواطن و تحرير الوطن .

لذا يحاول هذا السياسي ، أن يستثمر وقته في الترويج لقضيته عبر المحافل الوطنية و الدولية ، و أن يبذل جهده في مناصرة حقوق شعبه، و لكنه في نهاية المطاف يكتشف أن هناك من باع الوطن، و أن الوطن ملئ بالفاسدين الذين يتاجرون بأرواح و دماء الشعب ، فيشعر بالإحباط و يفقد معنى الحياة الذي كان يبحث عنه، و يصل لقناعه بأن الحياة مجرد خدعه ، و أنه لا يوجد هدف يستحق الإنسان أن يعيش من أجله ، و ذلك بعد أن سقطت الأقنعة الزائفة عن وجوه المنافقين و المتاجرين بثروات الوطن.

لذا كل إنسان في هذه الدنيا ، يبحث عن معنى لحياته ، بطريقته و أسلوبه، و ليس بالضرورة أن يكون ناشطا سياسيا ، فهناك أشخاص عاديين يبحثون عن السعادة الشخصية، دون الاكتراث بأمور السياسة ، وهناك من يبحثون عن الحب و العائلة ، وهناك من يبحثون عن المال و النجاح المهني .

لكن السياسي، هو من أكثر الباحثين عن الذكرى الخالدة، و عن صفحات التاريخ التي ستدون اسمه بعد وفاته.

لذا هناك السياسي الذي يرغب بالموت ، في مشهد مسرحي دراماتيكي دامي، وسط تكبيرات و تهليل المشيعين .

وهناك السياسي الذي يرغب بالموت، وهو يخطب خطابه الأخير، في مشهد مسرحي صاخب يضخ بالكاميرات و الأضواء الساطعة، وسط صمت و تصفيق الجماهير.

فكل يرى الحياة و يبحث عن معناها، حسب الطريقة التي يريد أن يختم بها حياته...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة