الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا وست مدن : ستة أغيار يخفون عالما من الأغيار (3)

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 3 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تشكلت الأنا في الريف/القرية، كان الغير بالنسبة لها هو المديني الذي يسكن في المدينة، كان تراه من خلال المدرسة/ المقررات حيث الأضواء الثلاثة، والشوارع النظيفة والنقية، والأطفال أصحاب البشرة البيضاء، وكانت الذات تنظر إلى ذاتها بدونية أمام الغير /المديني الذي يوجد في المقرر الدراسي حيث كان يتكلم بفرنسية أو عربية فصيحة، وكان الغير يعيش في عالم مثالي، وكم تاقت الذات للعيش حياة مشابهة له، تذكر الذات أول لقاء لها بالغير المديني أثناء السوق الأسبوعي، لكن هذا الطقس ليس معيارا للتلاقح الفعلي مع المديني، طيلة 12 سنة كانت حياة الذات مرتبطة بالقرية، وكان الغير بالنسبة للذات وقتذاك هو الأسرة، هذه الدولة الصغيرة حسب ألتوسير مارست شتى أنواع الإدماج والمغايرة على الذات، كان الأخ الأكبر يلزم الذات على إطلاق سراح القطعان والمكوث جوارها ولا يسمح لها باللعب مع الأقران، وكان الغير في ذلك الوقت أيضا هو المدرسة/ المؤسسة الأيديولوجية التي قتلت في الأنا كل تطلع إبداعي، كانت تلزمها داخل حجرة ولم تساهم في صقل و تطوير ملكاتها الغنائية، أما بالنسبة للأغيار الآخرين فهم الرعاة الذين كانوا يطاردون الأغنام كالظل، حرموا من اللعب، تمثل الغير كذلك بالنسبة للأنا في الدواوير الأخرى وراء الهضبة، ظلت الأنا على الدوام تحلم بالسفر، فمن سكن حكم عليه بالعدم كما قال ابن عربي، في المدرسة كان الغير هو المعلم وكان التلميذ المنافس، كان الغير أيضا هو الجوع الذي كان يهاجم الأنا في المدرسة وفي المكتبة المفقودة، وفي الوادي الذي كانت الأنا تسبح فيه، وفي الوالدة التي كانت تحث الأنا على الذهاب إلى المرعى حين العودة في المساء من المدرسة، على الأنا ألا ترتاح، الأنا القروية، أنا الفلاحين والرعاة يجب ألا ترتاح، ما رأت الأنا القروية ذهنية رجعية كذهنية القرويين الستاتيكية الرافضة للعلم، أيتها الأنا ألا تذكرين الغير الأخ الكبير راعي الدولة الصغيرة/ الأسرة عندما كان ينبذ العلم والتماهي مع الأنا الرعوية؟ إن الذاكرة وعي هكذا قال برغسون، فالذات بلا ذاكرة هي ذات زومبية ميتة/ حية محكوم عليها بالعدم والعبودية، لماذا يكره القرويون العلم ؟ أليس العلم سلاحا ضد التبعية والعبودية ؟ من جملة ما حاولت الأنا نقده ومواجهته هو الذهنية القروية الشفوية التي كانت تعبد السلاطين والأشراف وأصحاب الأضرحة . كان الأجداد / الأغيار يقدسون أصحاب الأضرحة ويتمسحون بهم على الطرقات، بل حتى عمال المخزن لأن الذات القروية تشعر بتبعية حيال الطبيعة (ظاهرة توغانجا ) وتشعر أيضا بتبعية حيال السلطة الاجتماعية والسياسية، إن الذات القروية حتى الآن تستلم في الانتخابات 200 درهم وتصمت صمت القبور عن المطالبة بإصلاح الطرقات، لأنها تخشى الغير، فهذا الغير يدخل فيها الرهاب والخوف، أكثر ما تفعله هو أن تنتظر الأمطار من السماء وتغرس محراثها التقليدي في الأرض كما تغرس عضوها التناسلي في مهبل المرأة، إن الذات القروية عاشقة لإيروس (الحياة ) ولكنها تمارس شتى أنواع الهدم والتخريب ضد ذاتها (تناتوس/ الموت )، فلا ملاعب ولا طرقات تفك العزلة... ما معنى هذا ؟ إنه الموت في شتى صوره . وليس مواجهة التهميش/ الموت بالتناسل هو الحل؟ إن الحل هو التشمير على السواعد، بالفلسفة العملية التى دعا إليها ديكارت منذ القرن 17 . ينبغي أولا أن نحسن علاقتنا بالأغيار أولا، ينبغي تشجيع العلم من داخل الأنوات/ الدويلات الصغيرة/ الأسر التي تفرخ الأطفال بلا تفكير مسبق، يجب تحطيم مقولة : 《كل ولد يتزاد برزقو》وينبغي إعادة النظر في الحديث النبوي : 《 تناكحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة 》 (أخرجه البيهقي عن سعيد بن أبي هلال في سننه). كل ذلك ينبغي إعادة النظر فيه بالمغايرة التامة بين الأنوات القروية، ولكن من اللازم الحد قليلا من نشاط الدماغ الزاحف الغريزي الذي يستهلك طاقة الإنسان و إيلاء الأهمية للدماغ المفكر .

19 مارس2017 / الدار البيضاء المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور