الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمومة ليست مجرد الإنجاب وليس الطفل ملكية

سهير فوزات

2018 / 3 / 20
المجتمع المدني


لن أبدأ مقالي هذا بتهنئة الأمهات عموما وتمجيد عطائهن الاستثنائي والترنّم بـ(ست الحبايب) وأغنيتها التي لا تظهر إلا مرة في السنة لتذكر الجميع بأنه ولد من رحم امرأة وبأن له أما يقدسها.
ولا أرى أن عملية الولادة التي هي جزء من الطبيعة -على صعوبتها وألمها- هي بحد ذاتها عمل عظيم. تستحق أن تمنح عليه المرأة وسام الأمومة ومداس باب الجنة.
وبالمقابل عليّ أن أوضح أن هذا المقال ليس دعوة أو مبررا لعقوق الأبناء لأمهاتهم، وليس من حق الأبناء أو الأزواج تقييم الأم إن كانت أما حقيقة أم مشوهة، لكنه حق ومسؤولية الأمهات، تقييم أنفسهن وغيرهن.
فلنتفق أولا على أننا -النساء- لا نقوم بشيء استثنائي بمجرد الإنجاب، ولا أمهاتنا فعلن وليس علينا أن نزرع هذه الفكرة في أذهان طفلاتنا. وربما أقول من الأجدر بنا نحن أن نقيم عيدا لأطفالنا لأنهم منحونا بمجيئهم لهذه الدنيا ميزة أن نكون (طبيعيات) بل وأن نطالب بحق التبني والأمومة للنساء العازبات اللاتي يحرمن من الأمومة لمجرد عدم إيجاد شريك الحياة المناسب، أو بعبارة أخرى لعدم اختيارهن من قبل أي ذكر.
من الجميل طبعا أن نتلقى التهاني والمعايدات بعيد الأم وأن نقدمها بدورنا لأمهاتنا من مبدأ المحبة وإسعاد الأحبة، وأن نحظى -نحن المهملات على مدار السنة- ببعض التبجيل من أزواجنا. لكن علينا أن نعرف الحقيقة ونذكر أنفسنا بها دوما: الأمومة هي جزء من طبيعتنا وهي واجب بنفس القدر الذي هي فيه حق.
حين أقول الأمومة واجب أعني أن نخرج من معنى الأمومة المتعلق بغريزة الحفاظ على النسل إلى المعنى الإنساني الأخلاقي الذي يحتاج لوعي المرأة بهذا الدور لتحدث أثرا من خلال التربية الحسية (لا الاجتماعية) لأطفالها كحضور تكافلي مع الأمهات الأخريات ومع الطفولة عموما ومع كل ما يمتّ لمعنى الأمومة من محبة وتعاطف ونبذ القتل والاضطهاد إضافة إلى تعميق الحضور الأنثوي في نفس الطفل الذكر، رجل المستقبل، وعدم الانصياع لسلسلة التلقين الببغاوي التي تعتبر الأنثى مخلوقا من ضلعه، مخلوقا من درجة ثانية.
فالقوانين الذكورية التي تحكم العالم العربي اليوم وضعها رجال ربتهم أمهات مشوهات غير واعيات لواجبهنّ الأمومي. ولكي أوضّح معنى أن نجعل وعينا متقاطعا مع طبيعة المهمة، أقتبس هنا نصا أعجبني من كتاب (لغز عشتار) لفراس السواح يقول: "بالولادة تزدوج المرأة جسديا ونفسيا وتوسع آفاق كيانها الطبيعي والروحي، أما بالنسبة للرجل، فالمولود الجديد يشدّ أزره ويدعم وضعه الاجتماعي ويحافظ على ممتلكه مقابل ممتلك الآخرين، فالمبدأ الأمومي يجمع ويوحد، والمبدأ الأبوي يفرق ويضع الحواجز"
الحروب القائمة في أكثر من مكان من العالم العربي اليوم، وإن كانت حروبا عالمية تدار على أراضينا لكن لن ننفي مسؤوليتنا كشعوب تضطهد نساءها وينقصها وعي التسامح والمحبة وتتبنى الفكر الدكتاتوري التسلطيّ المبني على أساس ديني سياسي.
(وفاء) أم من الغوطة و(خديجة) أم من عفرين وغيرهن من أمهات سوريا اليوم يعشن عيد الأم كمأساة فقد غير منتهية، بينما ترقص بعض الأمهات المشوهات في ساحات النظام الدكتاتوري احتفالا بالنصر.
أما (رنا) أم (آدم) فلها قصة مختلفة قليلا، فها هو ثاني عيد أم لها يقترب وهي محرومة من طفلها الذي لم يتم السنتين، بتواطؤ أم مشوهة هي أم زوجها التي خطفت حفيدها بالتآمر مع أبيه وسافرت به من الإمارات إلى مصر منذ أكثر من شهرين، رنا تحترق كل يوم على أبواب المحاكم وتنتظر القانون ليعيد لها طفلها، قبل أن تلجأ إلى الإعلام والمنظمات الدولية وغير ذلك من خطوات طريق بطيء وطويل يأكل من أعصابها ومن عمرها أضعاف الزمن المحسوب، علما بأن القانونين الإماراتي والمصري يعترفان بحق الحضانة للأم بشكل قطعي في هذا السن لكنهما لا يعتبران خطف الأب لابنه جريمة يعاقب عليها القانون، لكن كما قلت في البداية القانون هو وضع ذكوري ومن يلام في هذه القصة ريثما يتغير القانون، هو (الحاجّة ماجدة) تلك الأم المشوهة الأمومة التي ارتضت أن تحرم أما أخرى من طفلها لأي مبرر كان، فاعتبرت الأمومة مجرد حضانة ورعاية حاجوية دنيا وحولت -عن غير وعي- الأمومة من موقف محبة وعطاء يشمل العالم إلى مجرد موقف تسلطي تملكي يعتبر المولود حقا للذكر المُخصِب، بمنطق فصامي غريب عن الجنس الأنثوي.
الغريب في هذه القصة أن (أم آدم) اكتشفت بعد حالة الخطف أن هناك موقعا خاصة بإعادة الأطفال المخطوفين من قبل آباء مصريين لأمهاتهم، لتعرف أن القانون المنحرف صنع ثقافة شعب كامل يجب إعادة النظر فيها ونقدها، وتقع مسؤولية إعادة صياغتها على النساء والأمهات المصريات الواعيات قبل غيرهن.
أما حين أتحدث عن الأمومة كحق طبيعي، فهنا أريد لفت النظر إلى مسألة لم يطرح النقاش فيها بعد في مجتمعاتنا العربية، وهي مسألة الأم العازبة التي تجاوزتها كل شعوب العالم لكن مجرد طرحها في العالم العربي يثير سلسلة من الاعتراضات الدينية والاجتماعية التي يبدو من المستحيل كسرها، علما بأن عدد النساء غير المتزوجات اليوم في العالم العربي، إضافة إلى المطلقات أو الأرامل بلا طفل، مقابل عدد الأطفال الذين بلا أمهات -بسبب الحروب أو غيرها- مسألة تستحق التفكير والتحرك. لن أدخل في الإحصائيات هنا لكن مواقع الإحصاء موجودة لمن يرغب في المعرفة.
منذ أن تولد الطفلة يزرع في رأسها أنها خلقت للأمومة ولا شيء آخر، وحين تكبر تظل قيمتها محصورة -مهما تعلمت وأنجزت في المجالات العلمية أو الاجتماعية أو غيرها- في دورها الأمومي وتظل تهان بل وتشعر بالنقص إن لم تكن أما، وكأنا هي المسؤولة الوحيدة عن تخليها عن هذا الدور! وكل هذه الأهمية تُربط قانونيا واجتماعيا ودينيا بحضور (الذكر) الذي معه كلمة السر لباب الكهف السحري، وهنا أقول الذكر لأن المرأة التي ترهن عمرها واقفة أما باب كهف الأمومة تصبح بعد عمر معين يختلف من مجتمع عربي لآخر مجرد باحثة عن (ذكر) يعطيها كلمة السر لتحصل على ثروتها المرصودة.
وطرح موضوع الأم العازبة هنا رغم ارتباطه بالكثير من الأسئلة إلا أن أهم سؤال فيه هو (من هي المرأة التي ترغب بتربية طفل غيرها) لنلاحظ كلمة (غيرها) ونكتشف كيف أن نفس الثقافة التي تقدس الأمومة تحول معناها إلى امتلاك من جديد لتلغي عنها صفة العطاء غير المشروط، فتصبح الأم أما لطفل معين دون غيره لأنها تعتبره مشروع ترسيخ ملكية خاصة مقابل ملكية الأب (وذويه) التي تهدد الوجود الأمومي كلما لاح شقاق بين الزوجين أو أي شيء يهدد حياة الأب. فكل امرأة مهما كان عدد أطفالها تعرف في قرارة نفسها أن الطلاق سيحرمها من أطفالها حتى وإن بقيت حاضنة لهم مدة تطول أو تقصر من بلد عربي لآخر ليعودوا في النهاية إلى مالكهم الأصلي… إلا إذا نجحت في نزع تلك الملكية.
الطريق طويل جدا أمامنا وأول خطواته إعادة العاطفة الطبيعية للفتاة التي شوهت والعمل، من قبل النساء والأمهات، على القوانين التي تحمي الأمومة والطفولة وتحرّرهما من الملكية والتبعية.
أخيرا لكل الأمهات الحقيقيات حتى وإن لم يكن لديهنّ أطفال، وحتى وإن لم يكنّ متزوجات، كل عام وأنتنّ بخير، أما أولئك المشوهات الأمومة، فكل عام والبشرية منكنّ بخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 


.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال




.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق