الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رِحَابِ الإيمَان ..!

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2018 / 3 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كتب الأديب والمُفكر اللبناني جبران خليل جبران 1883 في " العواصف " : من لا ينظر بعين الايمان لا يرى إلا الضباب والدخان .
لكن ما هو الإيمان وما دوره في حياة الإنسان ..؟ وهل الإيمان بأمر ما أو بفكرة أو عقيدة ما له وجه واحد ..؟!
للحق ، أنا أخال - باحثاً وليس جازماً - أنّ الإيمان بأيّة حقيقة يتأتى على نوعين :
النوع الأول هو الإيمان الجيد :
وهو الإيمان الذي - أظنه - يترك بين العقل والأمر الذي يُؤمن به ، براحاً ليناً و معقولاً من الحُريّة ، مما يُتيح للعقل الشاك والمتسائل إعادة النظر فيما آمنَ واعتقد ، و يترك لقدراته الذهنية الإمكانية الفاعلة والدائمة في تصوّر غياب تلك الحقائق الجديدة والمكتسبة.
و يُمكّن الذهن من إمتلاك المقدرة على الإحاطة بها ، والربط معها وفيما بينها في شتى الأحوال والظروف .
والأهم – في إعتقادي – أن هذا النوع من الإيمان يفتح في فهم المؤمن باب المراجعة الدائمة للعلاقة مع الأفكار الجديدة ، و أيضاً مع أية عقيدة يراها مناقضة له ، و تجد صاحبه ينظر بعين التسامح والرغبة بالفهم مع أية فكرة غريبة قد تصادفه ، أي أنه لا يسمح للأفكار التي أن يعتنقها مهما كانت مقدسة أن تسلبه وعيه أو تسكن إدراكه كليّة بالمُطلق .
بمعنى آخر ، أن الإيمان الجيد هو الإيمان الذي يدفعك دائماً إلى تفعيل مكامن إنسانيتك ، ويُحرك في عقلك آلاف الأسئلة باستمرار ، ويجعل من عقلك الحر عدواً لدوداً ( للدوغمائيات ) أو القوالب الفكرية الثابتة .. وبالتالي هو يُشكل من بصيرتك المتأنية (ديناميات) فعاليات متفاعلة مع الواقع المحيط ، كي تبني لذاتك مستقبلاً ودوداً مع الحياة ، وتمد من قلبك جسراً رحيباً مشرعاً لحب الإستفاضة في الطلب والشغف بكل جديد مكتشف .
هو الإيمان الذي يكون فيك ليجعل منك إنساناً مميزاً يحب الحقيقة أكثر فأكثر ، و يصنع منك وجوداً إنسانياً خيراً يسعى لأن تكون له حرية أوسع و وعياً أكبر ..
وأما النوع الثاني فهو الإيمان الرديء :
و هو الإيمان أو الاعتقاد بالمطلق بدون دليل بصحة أشياءٍ لا مثيل لها يقولها شخص جاهل ، أو توصلها إليك أداة اعلامية ما ، أو يصرخ بها عليك منبر خطابة ...الخ
وهذا النوع من الإيمان لا يكتفي – عادةً - بإعطائك كل الأجوبة التي تريد فحسب ، بل و يدأب على حجب عنك دهشة السؤال ، وتخدير عاقليتك أو إرباكها من خلال الكم الهائل من المعلومات المُنجزة والصور المدروسة التي يفيض بها ..
وقد كتب مرة الطبيب " شبلي شميّل" في كتابه الذي ضمّ مجموعة مقالات ". مما نشره في " المقتطف والهلال".
عن الايمان الأعمى قائلاً : الإيمان الأعمى يشدّ بالإنسان كي يبقى مشغولا عن حاضره بماضيه ، منصرفاً بما لا يجدي عن البحث فيما يجدي ، حالماً بجناتٍ تجري من تحتها الأنهار ، تاركاً الاعتناء بجنائن أرضه المليئة بالخيرات ، منتظراً الحصول على جنات ما بعد الممات..
و رأى العالم " شميل " صاحب كتاب " فلسفة النشوء والارتقاء أن هذا الايمان الأعمى هو إيمان ماضوي ، ( أي أن صاحبه يكون مسرفاً في الإقتداء و الإهتداء بالماضي ، إلى درجة يمشي فيه العقل دائماً ملتفتاً إلى الخلف ..)
بمعنى أنه الإيمان الذي ترتكز عليه الأديان بكابوس أساطيرها ، أي المنظومات الفكرية التي تقوم على الايمان المطلق الرديء البعيد عن الحقائق الراهنة والمبادئ العلمية والنواميس الطبيعية ....
و هو يسعى بإصرار بالغ لأن يشيدُ في أعماقك سدوداً من الكراهية نحو الأخر المختلف ، ويعمل قدر المستطاع على أن يكوّر وجودك في طاعة عمياء للمُطلق الذي يفهمه و يُروّج له ، وهو لن يسمح لك مطلقاً بأن تمدَّ عنق عاقليتك كي تعرف الحق ، ولن تجد بصيرتك الشاكة منه أو المتمردة على أبسط البسائط من أفكاره أو طقوسه ، إلا سيفا مشهوراً يجزّ به وجود الإنسان وحرياته ، ليحوّله إلى عبدٍ خانعٍ خاطئٍ مستغفرٍ ، بل و جاهلٍ قاسٍ يسكنه الخوف من خطايا لا يعلم متى سيرتكبها ، ومؤمن متوحش لا يعرف وجوده الإنساني الرحمة ، ولا تصل مداركه إلى ضفاف الألفة و المحبة ..
صفوة القول : الإيمان الرديء هو إيمان يصنع الموت و يكاثر الأشرار
أما الإيمان الجيد فهو الإيمان الذي يأتي للإنسانية الحقة بالحياة والابتكار ..
للحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية