الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدة الأمومة بين المرأة و الطبيعة

محمد بن زكري

2018 / 3 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس من إجماع على توقيت محدد للاحتفال عالميا بيوم الأم ، فلا زال لكل دولة أو مجموعة من الدول يومها الخاص لعيد الأمومة ؛ على أنه من جميل (الصدف) ، أن يكون يوم الأم ، في الدول العربفونية ، هو نفسه يوم الاعتدال الربيعي ، بما للاعتدال الربيعي من دلالة انبعاث روح الخصوبة الكونية ، و تجدد الحياة في الطبيعة الأم .
و إنه لجميل أن يترافق الاحتفاء بعيد الأم ، مع الاحتفاء بعودة الحياة للطبيعة الأم في فصل الربيع ، بما يحيل إليه ذلك من تماثلية - أو تطابق مرمز - بين المرأة و الطبيعة ، بسرانية وحدة الأمومة . و كم هو عميق الدلالة في أساطير طفولة العقل البشري ، أن تكون الشجرة هي رمز الأم الكبرى عشتار - بمختلف تجلياتها الأسطورية - في ديانات الخصب ، بما تضمره من بدئية قداسة الأنوثة .
و بهذا المنحى من الرؤية البانورامية لجدلية تطور الحياة ، يروق لي أن أرى في الاحتفال بيوم الأم (21 مارس) ، دلالة رمزية تربط بين تساوي عنصري النوع البشري : المرأة و الرجل ، في حياتهما المشتركة ، و بين تساوي عنصري وحدة قياس الزمن (اليوم) : الليل و النهار ، في يوم الاعتدال الربيعي .
و كما الأم هي من تهبنا الحياة ، و هي من تحتوينا بالحنو و الأمان ، فكذلك هي الطبيعة في شتى تجلياتها المؤنثة ، متجسدة بصورة رمزية في شجرة الحياة ، إلغازا لطاقة الخصب الخلاقة و قداسة الأمومة في المرأة و الطبيعة ، حتى إن عبادة الأم الكبرى عشتار - بمختلف مسمياتها - ارتبطت دائما بعبادة الشجرة ، لدى شعوب حضارات فجر التاريخ .
و لقد كان للشجرة ، كرمز للحياة و الخصوبة ، حضور دائم في الطقوس التعبدية للأم الكبرى ، في كل ديانات الخصب ، التي ميزت الحضارات (الزراعية) ، لشعوب الشرق القديمة ، و خصوصا تلك التي قامت في بلاد ما بين النهرين : حضارات سومر و بابل و آشور ، و أمدت البشرية بتراث أسطوري عميق الثراء الفكري و رائع الجمال الفني . و غني عن البيان أن ذلك التراث الأسطوري ، هو المنبع الرئيس الذي استقت منه الديانات الإبراهيمية (بما فيها الصابئة) ، الكثير من عناصرها العقائدية .
وفي كل تلك الحضارات ، ذات المسحة الدينية الأمومية ، ارتبطت الشجرة (شجرة الحياة القمرية) ، بالأم الكبرى ؛ واهبة الحياة ، إلهة الخصب و الحب ، و محور كل طقوس العشق الشبقي المقدس ، كما نجده في أساطير و طقوس ديانات الخصب ، التي تظهر فيها الأم الإلهية الكبرى ، هي من تجسد الطاقة الشبقية المتطلبة و الخلاقة ، رمزا للطبيعة المؤنثة . و هي من تنتقي شريكها ، بل و تلد حبيبها الإلهي ، و تبادره بنداء العشق الشبقي ، و هي من تستعيده من الموت ، لينبعث حيا من العالم السفلي : (إنانا - دموزي / عشتار - تموز / عشتروت - آدون / عناة - بعل ...) ، و بعودته إلى الحياة ، يعود الخصب إلى الطبيعة ؛ فتخضر الأرض بالنباتات ، و تبدأ مواسم البذار و الحرث و الحصاد ، و تعود الأشجار المثمرة للاكتساء بحلل زاهية من الأوراق و الأزهار و إعطاء الثمار .
و في الدلالة الرمزية المحمّلة بمعاني احتواء طاقات الخصب و الحياة و الخلق و التجدد ، أمدتنا المكتشفات الأركيولوجية لحضارات شعوب الشرق القديمة ، بأعداد وافرة من النقوش التي تمثل الأم الكبرى عشتار ، إلهة الأنوثة المقدسة ، ربة الحب و الخصب ، في أوضاع و تكوينات فنية رمزية مختلفة ، غالبا ما تكون الشجرة أحد عناصرها البنائية ، الموحية بقدسية روح الخصوبة الكونية ، و قداسة الخصب ، في وحدة الأمومة بين المرأة و الطبيعة .
فماذا لو تبنت الحركة النسوية العالمية ، فكرة توقيت الاحتفال بيوم الأم العالمي ، اقترانا بيوم الاعتدال الربيعي ؟ أم تُرى أن (الفيتو الغربي) لن يمرر الفكرة ، لارتباطها ثقافيا بعيد النيروز المشرقي ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة ترصد مخرجات اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي


.. غالانت: إسرائيل تتعامل مع عدد من البدائل كي يتمكن سكان الشما




.. صوتوا ضده واتهموه بالتجسس.. مشرعون أميركيون يحتفظون بحسابات


.. حصانة الرؤساء السابقين أمام المحكمة العليا الأميركية وترقب ك




.. انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض