الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغزى الحياة

سامر عبد الحليم

2018 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(( مغزى الحياة ))
الإبتلاء غاية الخلق ، فهي أداة كشف مكنونات النفس إلى العلن لإقامة الحجّة عليها في يوم الحساب {يوم تبلى السرائر }[ الطارق : 9 ] {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين }[ محمّد : 31 ] والإبتلاء لا يكون الا عبر الفتنة ، والفتنة هي المحن والمغريات التي تزلزل كيان الإنسان وتغيّب عقله ، سواء أكانت خيراً ام شراً , فإمّا أن يجاهد ويثبت ويستعلي عليها ، وإمّا يسقط صريعاً وينجر وراءها ، وما من نفس وإلا يكمن في أعماقها طاقة متفجرة هائلة ، ألا وهي حبّ الخير :{ وإنه لحب الخير لشديد } [العاديات : 8 ] والخير هو كل ما يلائم ويناسب مصالح الذات ، ويصف الله تعالى هذا الحبّ بالشديد مع القسم والتأكيد ، أي صلابة إرادتها وعنفوان شهواتها ، وتلهّفها وتطلعّها وطمعها الأعمى في اللهث وراء متاع الدنيا ، وهذه الخصلة هي مكمن ضعف الإنسان ، وبها يُمتَحن على الإخلاص في طاعة الله تعالى ، { ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون }[ الأنبياء :35 ] فتارة يبتليه الله تعالى بالشر (الحرمان من متاع الدنيا ) فإن لم يثبت الإنسان ويستعلي على فتنة الشّر عبر الأخذ بالأسباب من إيمان وتوكل وتقوى وصبر …. ، فإنه يعيش صراعاً داخليًا مريراً بين طموحاته التي لا تعرف الحدود من جهة ،وحرمانه الذي يعيش فيه من جهة أخرى ، فيفضي به ذلك الصراع إلى الإضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق والوسوسة والإحباط وصولاً إلى الكفر بالله تعالى عبر العصيان من سوء وفحشاء {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور }[ هود : 9 ] ونلاحظ ورود كلمتي {ليؤوس }{ كفور } بصيغة المبالغة التي تفيد الإستمرارية في الإحباط والإنغماس في أعماقه والاستمرارية في محاربة المنهج الالهي بالعصيان ، وربما هذا يفسّر سبب إقدام أغلب المنتحرين على قتل أنفسهم ، وكذلك يدفعه هذا الحرمان الى القول على الله بما لا يعلم ،وإساءة الأدب إليه {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن } [ الفجر : 16 ] .
وتارة يبتليه الله تعالى بالخير ، وفي هذه الحالة ، ان لم يثبت الإنسان ويستعلي على فتنة الخير عبر استثمار أسباب القوّة التي أُعطيت له في سبيل اللّه تعالى ، فحتماً سيطغى ويتكبر ويظلم أخوته البشر ، {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى }[ العلق : 6 ] فيبارز ربه فرحاً وفخرا وتباهياً بالمعاصي من سوء وفحشاء وتحريف لدينه ، كما فعل فرعون { فقال أنا ربكم الاعلى } [النازعات : 24 ] {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي ابلغ الأسباب اسباب السماوات فاطلع الى اله موسى ولإني أظنه كاذباً } [غافر : 36 ]ٍ وقارون { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم } {فخرج على قومه في زينته } [القصص : 79 ] وصاحب الجنتين { وما أظن الساعة قائمة }[ الكهف :36 ] [ وعاد { وأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة } [فصلت : 15 ] وهذه السّنة في الكفر نراها تنعكس في عطف العبارة : > و > على اتخاذ آيات اللّه تعالى هزواً واتخاذ دينه لعباً ولهواً :
{ ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا ۚ--------------- فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون}[ الجاثية : 35 ]
{ الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون }[ الأعراف : 51 ]
وهكذا نلاحظ أن فتنة الخير أشدّ من فتنة الشر على نفس الإنسان , ويفشل فيه الكثيرون ، لأنّ حدوث التمكين بأنواعه يواكب حبّ الإنسان الشديد للخير ، فمن ذا الذي يستطيع أن يحبس نفسه عن اللعب بالمال وغيره من متاع الدنيا كيفما يشتهي ؟!! فما بين شدّة الشّهوة في النفس من جهة واستحواذها على متاع الدنيا من جهة أخرى يكمن السرّ في فشل أكثر الناس ومن بينهم المؤمنون في إجتياز هذه الفتن ، في حين أن الابتلاء بالشر قد يجعله قريباً من ربه ..فهو على الأقل يذكّره بضعفه وفقره وضرورة لجوئه الى ربّ العالمين :
{فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } { العنكبوت : 65 ]
{فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون } [ يونس : 23 ]
إن الله تعالى خلق الوجود الإنساني ليفرز منهم - في كل عصر -المحسنين الذين جاهدوا هذه الخصلة (وهي حب الخير الشديد ) وثبتوا أنفسهم على الإخلاص في الطاعة لله تعالى ، وأخذوا بالأسباب التي تخرجهم من محتنهم , واستثمروا متاع الدنيا في سبيل ربّهم , والإخلاص هو أن تصفي قصدك وهدفك من حب الإستحواذ والعلو في الحياة الدنيا و الإنتصار للذات، ، والتي أصيب بها ابليس {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } [ الأعراف : 12 ] ، فحبّ الدنيا والسعي للإستحواذ والعلو فيها ، هو لب وجوهر فعل المعاصي من سوء كالقتل ، وفحشاء كالزنا ، والقول على الله ما لا يعلم الإنسان ، سواء أكان شراً ( يأس الإنسان وقنوطه ) أو خيراً ( فرحه وتفاخره ) ، فكلتا الحالتين هما وجهان لعملة واحدة..
وصدق الله العظيم : {الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور } [ الملك : 2 ]
بقلم : سامر عبد الحليم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي