الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسؤوليّة لا نهائيّة

خالد زيان
(Khaled Ziane)

2018 / 3 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"...ما كان بيني وبين روبرت..لم يكن ليستمر لو بقينا معا، وما تقاسمته مع ريتشارد كان سيختفي لو انفصلنا؛ لكنني أردت مقاسمة ذلك!" هذه الكلمات كانت عزاءً لفرانشيسكا، لتتأقلم من جديد مع حياتها الزوجيّة. فقد كرّست كل حياتها لعائلتها، لكنها أرادت أن تهب روبرت ما تبقّى منها، لتوصي بحرق جثمانها بعد موتها، ويُنثَر رماده مِن على جسر روزمان، في بلدة ماديسون. الحب علاقة تريد أن تُؤلّه المحبوب، ولكي تحبّه كما ينبغي يجب أن تحبّه في الموت، وفي الواقع، لا حب إلا في الموت. لأنه الوحيد السّائر في اتجاه الحريّة، أو بالأحرى هو الحريّة في بعدها الأقصى، على حد توصيف إبراهيم الكوني.

استمرار المعاناة في هذه الحياة نابع من تخلّينا عن المسؤولية تجاهها، وتجاه أنفسنا، فالإيمان بأن الحياة لن تتكرّر، وأن الموت هو ما يضفي المعنى لها، هو اعتقاد عدمي. لكن، أوليس العدم في نهاية المطاف، هو رديف الحريّة الحقيقي؟ ألم نكتشف منذ الأزل أنه لا وجود للحريّة المطلقة إلا في الموت؟. لو افترضنا عدمية تلك المواساة التي يقدّمها لنا الدين، في ثوب حياة خالدة بعد الموت، واستبدلناها بمفهوم العود الأبدي الذي يقدّمه نيتشه، على أنه هو الخلاص من كل معاناة، لأن كل ما سنعيشه بعد الموت هو ما سبق وعشناه قبل الموت، في تكرار مستمر، وصيرورة دائمة. فالحياة التي سنختارها، سنعيشها إلى ما لا نهاية من المرّات، وبأننا إذا اخترنا الفعل سنعيده إلى الأبد؛ حينها فقط سيتجلّى احساسنا بالمسؤولية "اللانهائية" تجاه الحياة.

اعتقاد كهذا، برغم ثقله، سيجبرنا على العيش سعداء، وعلى انتفاء البؤس من حياتنا، لأن كل ما نفعله وكل ما نشعر به سيعيد نفسه. هناك تعبير باللاتينية استخدمه نيتشه لصياغة حب الحياة في كل تجلّياتها، شقيّة كانت أم سعيدة، وهو الامور فاتي Amor Fati، أين تتصالح فيه السّعادة مع الشّقاء. يعني أن نحب قدرنا، وأن نستمتع به، لا أن نستسلم له، وأن نقول نعم للألم، للمعاناة، للموت...ونستجيب لهم كاستجابتنا لكل ما هو جيّد في هذه الحياة. فحب القدر يتناقض إذن مع كل مواساة تجعلنا نأمل بحياة أفضل بعد الموت. عندما نُسقط هذه الأفكار على أبعادنا الواقعيّة، يتّضح أنه لا وجود لمشاعر خاطئة، هي تتحدّد فقط من موقفنا منها. المفارقة العجيبة هنا، أن المشاعر التي تتولّد عن الخوف هي نفسها التي تتولّد عن الحماس أو النّشوة، والمتغيّر الوحيد الذي يتحكّم بها هو الكلمات، بمعنى أدق اللغة. لأن اللغة بطبيعة الحال تتحوّل إلى أفكار، والأفكار إلى مشاعر...فالسعادة تقبع هناك، خلف القرارات والخيارات المختلفة التي يقوم بها الشخص في حياته!

أحيانًا تظهر السّعادة خلف حيثيات أخرى، أين يتمّ تقنيعها كشكل من أشكال البحث عن السّلطة، المال، العلم، السفر أو في بعض الحالات بالبحث عن المتع، الجنسيّة خاصّة. لكن، ما سر ذلكم الخواء، الاحباط، التّيه والضّياع، بعد أن نُنجز كلّ هذا، و كلّ ما كان مبعث فرحتنا، والتّأميل فينا؟. لتعود نفس المشاعر التي بدأنا منها، تنهشنا، وتَستبدّ بنا من جديد. ببساطة، لأننا ككل مرّة، نفوّت فرصة فهم سر وجودنا، في ما وراء هذه المشاعر، وتأمّل الرّسائل التي كان يبعث بها القدر، بعد كلّ انجاز!. في حين أن السّعادة في نظر الفلاسفة الرّواقيين، هي شيء يصنع من الدّاخل، هي في ذلك المسعى الحثيث للالتقاء مع ذواتنا. إن بحث الإنسان عن ذاته، ومعنى وجوده، لا يعكس أبدًا حاجةً ثانويّة إنسانيّة، أو ترفًا بالنّسبة إليه، إنما يُعدّ هذا السّعي، غريزة متأصّلة، ومحفّزا أساسيًا في حياته.

يمكن للحياة أن تحمل معنى ما، تحت أي ظرف من الظّروف، أو كما يقول فيكتور فرانكل حتى تحت تلك الظّروف الأكثر بؤسًا. ويرى فرانكل (صاحب مدرسة "العلاج بالمعنى") أنّ معنى وجودنا ليس أمرًا نبتدعه ونُبرّأه، بل هو أمر نكتشفه، ونَستبيِنه. إن هذا العلاج يَعتبِر الإنسان كائنًا معنيًا في المقام الأوّل، بتحقيق القيم، لا بمجرّد إرضاء الأهواء، وإشباع الغرائز. في رأيه أن هناك دائمًا قدرًا صحيّا للهموم في حياتنا، والذي يمكن أن نوظّفه توظيفًا إبداعيًا، فقط، أن يكون متناسبًا مع الموقف الذي نواجهه. هو ذلك القدر الذي لا يتطلّب الكبت، وبمقدورنا أن نتصالح معه، كما نتصالح مع حقيقة مواجهة الموت في النهاية.

لا تبحث عن معنى الحياة، لأن الحياة هي المعنــــى..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة الاختراق الأمني الإسرائيلي للجزائر؟| المسائية


.. 5 ا?شكال غريبة للتسول ستجدها على تيك توك ?????? مع بدر صالح




.. الجيش الإسرائيلي يشن غارات على رفح ويعيد فتح معبر كرم أبو سا


.. دعما لغزة.. أبرز محطات الحركة الاحتجاجية الطلابية في الجامعا




.. كيف يبدو الوضع في شمال إسرائيل.. وبالتحديد في عرب العرامشة؟