الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة العُمر بنزعة منطقية

آدم الطيب

2018 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد أنفقت الكثير فى السنوات الماضية حتى لم أعد أحتمل المزيد. فلماذا أنفق المزيد من عشرات الأف من الجنيهات لا لشيء إلا للحصول على صور أنيقة الطباعة زاهية الألوان, جميلة المظهر تافهة المخبر, عديمة المضمون هزيلة المحتوى, تذكرنى كل لحظة بإنفاقي مبلغ ليس بقليل لإيجارسرداق فخم كبيرلعدة ساعات, جدرانه زاهية الألوان , مزين بأنواع التعاليق والنجف المختلفة, ممتلىء بمئات الكراسى والمقاعد, يحتلها عدد من المدعوين لا يعلمهم إلا الله وحده, جمعا من مختلف الفئات المتناقضة المتداخلة المختلفة ظاهرياً وجوهرياً الى حد مريب, يجولون بأنظارهم الناقدة الثاقبة الحاقدة فى أرجاء المكان. ينتقدن كل ما تقع عليه أعينهم. ما حضر من أغلبهم إلا وله من حضوره غرضاً, وما خطب فيهم إلا وفى خطبه كذباً, فهم فى قرارة أنفسهم لا يهمهم ما يحدث فى قليل ولا كثير.
ما يمض دقائق ولم يلبث المدعوون أن يكتملوا وقد حانت اللحظة التى يجب فيها الغناء حسبما يقضى به العرف, بينما أدعوه فن الأضجار وافراغ الصبر, فيلتفون حول ركن فسيح من السرداق مفروش بالوسائد الحريرية, يتدلى من كل جوانبه ستائر من الفُل والأزهار والورد حول مقعد فى غاية الفخامة للعريس والعروس يدعى "كوشه", فيتصايحون ويتزاحمون .. يرقصون ويغنون .. يفرحون ويستفرحون.. محاولين التظاهر بالسعادة وسط أجهزة تبث خليطاً ممجوجاً من الأغانى الهابطة تزيد الضجيج وصم الآذان.
بعد شيء كثير من الغناء والرقص, تسكن الصالة .. يخفت ضجيج المدعوات ويحملق الجميع بعيون مسحورة معجبه ,ينظرون فى صمت رهيب ويكادون يحبسون الأنفاس كما كأنهم ينتظرون حكماً لا يقبل النقض, يتبعون بأنظارهم حركات النادلون بسترهم السوداء الرسمية وهم يمرون حاملين الصوانى العريضة الكبيرة عليها أكواب الشربات الحمراء منها والصفراء فتمتد الأيدى ويتزاحم هذا الجمع الغفير يطلب كل منهم نصيبه.
لا تمض خمس دقائق من تجرع الشربات وتدخين السجائر وشرب القهوة والثرثرة والإنتقاد إلا وأنقلب ذلك السرداق الى شبه سوق العصر, ينزل جميع النحاس الموجود من حلل وصوانى وقصاع وأوان مبعثرة فى كل أنحاء الطاولات, فلا يبق ركن ولا موضوع لا يجد فيه الإنسان صحناً أو طبقاً أو حله محشى, عندئذ يعتدلوا فى جلستهم وتتخذ وجوه الجميع الجدية ثم ينهضون مجتمعين أو وحدانا, كلٌ يرفع في أيديه ملعقتة أو شوكته أو فأسه أو منجله كما يرفع الجنود أسلحتهم وقد تلقوا الأمر بالهجوم.
ماتتجاوز الساعة منتصف الليل حتى ينتهى المدعوون من الجرف والغرس والغرز والغز ومقايضة الأطعمة والتراشق بالملاعق والسكاكين وقد نجح كل منهم فى صمت وسكون بمسح طبق كبير ملآن بالكسكسي واللحم والكباب والكفته وألوان من الخضر المختلفة وأصناف الحلوى والفطائر والفاكهة. ولا يتصور أحد كيف حدث ذلك بهذه السرعة, وسرعان ما تعود أصوات الفرح والتهليل ترتفع من كل جانب, فتعلو الزغاريد تصم الآذان, وغناء العوالم يشتد فيزيد الجلب والضجيج , ويبدأ المدعون بالرقص مره أخرى وأخيرة فتتخد وجوههم هيئة الجد والخطورة, ويرفعون أيديهم للتصفيق ويتحركون فى نشاط وتحمس مما يزيد ملامح الجميع بلاهة لنهاية الليلة.
لا أغالى إذا قلت أن كل الشواهد تدل على أن مر السنوات لن يمحى أبداً تلك الليلة من الذاكرة, فهل يستحق الأمر؟ يمكن أن نقول أن رغبات الأنسان متنوعة ولكن إحداها قد تطغى على غيرها حين يشعر الإنسان تجاها بالحرمان. ومن هنا ينشأ أختلاف الناس فى أذواقهم وميولهم و أولوياتهم . فلكل إنسان عقدة نفسيه تظهر بجلاء فتأخذ بخناقه وتوجه سلوكه. إن أعترفت بعقدتك لا تسمح لها أن تستحوذ عليك فلا تكاد ترى من الدنيا إلا ما كان مصطبغاً بها, فأعد ترتيب أولوياتك ربما هناك ماهو أهم فى الوقت الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟