الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ترويض الشعوب
ماهر رزوق
2018 / 4 / 9الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
![](https://www.ahewar.org//debat/images/fpage/art/1.jpg)
تحدثت من قبل في مقالات سابقة عن الارتباط الوثيق بين الرضوخ السياسي و القناعات الدينية التي تدعو إلى الرضى و القبول ، و عدم الاعتراض و التشكيك ... و مازلت حتى الآن في صدد هذا البحث الذي يطول الحديث عنه و ربما لا ينتهي ...
في كتابه (تعديل السلوك) ، يتحدث الدكتور جمال الخطيب ، بشكل غير مباشر عن فكرة ترويض الشعوب ، التي عنونت المقالة بها ، و يشرح بالتفصيل الآلية التي تعتمدها السلطات بكافة أنواعها لتحقيق هذا الهدف ... و إحدى أهم الأفكار التي يتحدث عنها هي (كلفة السلوك) Cost of Behaviour و سأحاول شرحها هنا بطريقتي الخاصة لتتوافق مع أفكاري المطروحة في مقالات سابقة ...
تعمد الأنظمة الاستبدادية إلى تأسيس هيبة لكيانها و بث الرهبة في قلوب الشعوب التي تحكمها بشكل مستمر ... إما عن طريق التهديد الصريح ، أو تناقل الاشاعات أو السماح بالمسرحيات و المسلسلات التلفزيونية التي تحاول بطرقها الساخرة أن تؤكد الخوف من السلطة و خطر التحدث عن أي شيء يخص الحكومة أو الدولة ... و هذه الأساليب كلها تحاول أن تنبه المواطن إلى الكلفة الكبيرة التي سيتم دفعها مقابل كلمة بسيطة قد تبدر عنه في لحظة غضب ... و أن هذه الأنظمة و كل رموزها لا تتسامح أبداً مع أي خطأ مهما كان بسيطاً ... كما أنها لا تنسى و لا تغفر حتى لو بعد سنين طويلة ، أي أن الهرب إلى خارج البلد و الابتعاد عن الانظار لفترة معينة لا يقي المواطن حقدها و عقابها المقرر ...
و هذه الأساليب ليست حكراً على الأنظمة المستبدة فقط ، بل إنها موجودة منذ زمن طويل و لربما اعتادت عليها هذه الشعوب و لم تعد تستهجنها ، بل على العكس ، إنها تعتبرها تصرفاً طبيعياً ، و حتى أنها تصبح هي بنفسها الرقيب على أفكارها ، كما أنها توجه اللوم للمواطن الضحية بدلاً من توجيه الاتهام للجاني ... فهي تعتمد مبدأ (أعذر من أنذر) ، و أن المواطن الذي يعرف قسوة حكومته ، لماذا يقدم أساساً على نقدها و توريط نفسه في مدارات عقوباتها العجيبة ....
و الحقيقة أن هذا التعود له مصدر أساسي ينبثق منه ، و هو الدين و تعاليمه التي تدعو إلى كل ما ذكر سابقاً ، حتى قبل ظهور الأنظمة الحالية بشكلها الحديث ... فالله نفسه (يمهل و لا يهمل) ، و حتى أنه قد يعاقبك بأطفالك الذين لا ذنب لهم !! ... كما أنه يعدك بعقاب أبدي في نار جهنم ، عقاب لا نهاية له و لا سبيل إلى إيقافه ، بعد أن فقدت فرصتك الأولى بالتوبة في الحياة الدنيا ...
و هناك فكرة أخرى تحدث عنها د.جمال الخطيب ، في نفس الكتاب المذكور ، و هي فكرة مكملة للفكرة السابقة ، و هي فكرة (تعميم السلوك) Generalization of Behaviour ، و التي تعني ببساطة أن السلوك الذي اعتاد عليه جيل معين من تلك الشعوب ، يقوم بتعميمه على الأجيال اللاحقة ، بحيث يصبح الجميع و كأنهم نسخة واحدة عن أصل معين ... و هنا يرقى مستوى الردع عند تلك السلطات ليطال المواقف و النوايا ، و ليس فقط سلوك البشر ... و طبعاً يكون ذلك الردع باتجاه المستبد و رموزه كلها ، و ليس هو وحده ...
و هذا طبعاً ما كان و مازال يقوم به رجال الدين ، عن طريق خطبة أيام الجمعة ، و الندوات الدينية التي تقام في الجوامع أو تبث على القنوات التلفزيونية ، حيث يتم نشر أفكار الموروث الديني و توعده بالعقاب الشديد في الآخرة ، و عقوبة الدنيا طبعاً للخارج عن الملة و الشاذ عن الجماعة ...
و هذه السلطات جميعها (الدينية و السياسية) تعمد دائماً إلى تقوية الشعور بالذنب لدى الشعوب التي تحكمها ... فالذنب يرافق المخطئ لمجرد الشك أو بوادره ، و ممكن أن يتطور الأمر به إلى معاقبة نفسه على أخطاء لم يقترفها حتى ، و إنما لمجرد التفكير بتلك الأخطاء !!
و كأمثلة على ذلك ، لدينا ممارسات الشيعة (الاثنى عشرية) في يوم عاشوراء ... حيث تعاقب الجماهير نفسها على خيانة لم ترتكبها ، فيبكون و يلطمون و يغرقون في شعور الذنب المؤلم ...
هناك أيضاً فكرة أخيرة يطرحها الكاتب ، و تشكل الخطوة النهائية في تلك العملية المتكاملة ، و هي آلية (ايقاف التفكير) Thought stopping ، و هذه الآلية تعتمد مبدأ الرقيب الذاتي ، و هذا الرقيب ينشأ بعد فترة طويلة من التخويف و الترهيب ، و في هذه العملية يتم تجريم الوساوس التي تراود الفرد ، و تجريم عملية الشك التي تعتبر الأساس في طريقة التفكير المنطقي العلمي ... و هنا ينتج لدينا المؤمن الآثم ، في مقابل المواطن الخائن ، كثنائية متوازية و متقاربة تكمل إحداهما الأخرى ... و كل هذا يؤدي إلى إيقاف عملية التفكير نهائياً ، خوفاً من التورط في المحظور و المحرم الذي تفرضه الأنظمة و الأديان التي تعتبر هذه الشعوب مجرد أطفال يجب قيادتهم و توجيههم كي لا يخطئون ...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. دون إجماع على البيان الختامي.. اختتام قمّة السلام في سويسرا
![](https://i4.ytimg.com/vi/as_oeQt5PNs/default.jpg)
.. بقارب مفخخ.. هجوم حوثي جديد على سفينة يونانية وحراس أمنها يق
![](https://i4.ytimg.com/vi/vGE__n767hc/default.jpg)
.. شاب مُصاب يتلو القرآن خلال نقله للمستشفى
![](https://i4.ytimg.com/vi/bfyOgwKBoUY/default.jpg)
.. قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان: واثقون من عودة الوطن
![](https://i4.ytimg.com/vi/Xa7K52cpeBI/default.jpg)
.. حميدتي: ما حدث في الفاشر تتحمل نتيجته حركات الارتزاق التي تخ
![](https://i4.ytimg.com/vi/mV_3LlMN5TA/default.jpg)