الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالرحمن في قبضة العدالة

عبدالله المدني

2006 / 3 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" إنهم يسقطون كالفئران المذعورة في أيدي العدالة "
هكذا وصفت إحدى صحف بنغلاديش في مانشيتاتها خبر نجاح السلطات المحلية مؤخرا في محاصرة اثنين من اخطر المتشددين الإسلاميين في البلاد و القبض عليهما من مخبئهما السري في شمال بنغلاديش. و الإشارة هنا هي للمدعو عبدالرحمن الزعيم الروحي لتنظيم " جماعت مجاهدين بنغلاديش" الذي كان قد أعلن مسئوليته عن سلسلة التفجيرات الستمائة المتزامنة التي وقعت في 17 أغسطس الماضي، و قائد العمليات العسكرية في التنظيم نفسه "صديق الإسلام" المعروف باسم "بنغلا بهاي" أو أخ البنغاليين.

و الرجلان لا يختلفان، سواء في مظهرهما الخارجي و سيرتهما الذاتية أو في أفكارهما الدينية المتطرفة و أهدافهما النهائية، عن بقية الإرهابيين ممن تلقوا علومهم الدينية النظرية في معاهد إسلامية معينة ثم اتبعوها بتعلم فنون القتل و التفجير في معسكرات الجهاد في أفغانستان، قبل أن يعودوا إلى بلدانهم لزرع الفتنة و استهداف الأبرياء. و ربما الفارق الوحيد هو أن عبدالرحمن، على خلاف أقرانه الإرهابيين في جنوب آسيا، يرتدي الكوفية الحمراء و الثوب العربي بدلا من السروال و القميص و العمامة.

وعبدالرحمن المولود في جمالبور (على بعد مائتي كيلومتر من دكا) في منتصف الخمسينات هو الشقيق الأكبر لأربعة رجال وخمس نساء هم كل ذرية عبدالله ابن فضل المعروف باسم "فضل مونشي" الذي عوقب بالسجن بعد قيام بنغلاديش بسبب تعاونه مع السلطات الباكستانية ضد مواطنيه أثناء حرب تحرير ما كان يعرف بباكستان الشرقية.

في صباه درس عبدالرحمن في مدرستي "تشاترا شانغا الإسلامية" و "أهل الحديث" اللتين كانتا بمثابة الذراع التعليمي لحزب جماعت إسلامي المرتبط أيديولوجيا بجماعة الإخوان المسلمين. بعد ذلك استفاد من نفوذ و مكانة والده الديني و الأدبي ضمن الحزب المذكور في الحصول على بعثة دراسية إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة التي اشتهرت بهيمنة كوادر جماعة الإخوان المسلمين الهاربين أو المطرودين من سوريا و مصر على مناهجها و وظائفها الأكاديمية.

و في أعقاب تخرجه عاد عبدالرحمن إلى وطنه ليزاول أعمالا مختلفة، لعل أهمها عمله كمترجم، أولا في السفارة السعودية في دكا ما بين عامي 1985 و 1990 ثم في السفارة الكويتية. هذه الوظيفة تحديدا اتاحت له التعرف على ممثلين دبلوماسيين لأقطار شرق أوسطية و بناء علاقات معهم سهلت له لاحقا الحصول على تأشيرات للسفر إلى البلاد العربية و باكستان و أفغانستان. ولئن أفاده تردده على الدول العربية في الاتصال بالجماعات الإسلامية الدعوية و الخيرية هناك وجمع الأموال و التبرعات منها لغرض بناء المساجد والمدارس الدينية في بنغلاديش، فان ذهابه إلى باكستان و أفغانستان كان بهدف المشاركة في الجهاد و التدرب على القتال في معسكرات نظام طالبان وتنظيم القاعدة. و فيهما تعرف الرجل على أسامة بن لادن و تشرب من أفكاره، ليعود لاحقا إلى وطنه مبشرا بها عبر جماعة " أهل الحديث" التي كان قد أسسها والده.

غير انه سرعان ما اكتشف صعوبة السيطرة على هذه الجماعة في ظل وجود قيادتها في يد أسد الله غالب الذي كان يفضل تركيز الجهود أولا على خلق جيوش من المتشددين عن طريق إعادة تثقيفهم دينيا، بدلا من اللجؤ الفوري إلى العنف المسلح كوسيلة لتغيير النظام وإقامة الدولة الإسلامية المطبقة للشريعة في بنغلاديش مثلما طالب عبدالرحمن. هذا التباين، معطوفا على خلافاتهما حول الشئون المالية وطرق التصرف في التبرعات القادمة من الخارج، أفضى إلى ترك عبدالرحمن لجماعة "أهل الحديث"، ليؤسس في أواخر التسعينات تنظيمه الخاص المعروف باسم "جماعت مجاهدين بنغلاديش"، وليتحالف سريعا مع تنظيم آخر مشابه له في الأفكار و التوجهات والأهداف المتطرفة هو "جاغراتا مسلم جاناتا" بقيادة بنغلا بهاي.

و الأخير كان تلميذا عند عبالرحمن ثم اشتغل بالتدريس في المدارس الإسلامية في الثمانينات وسافر للجهاد في أفغانستان، قبل أن يعود و يصبح زعيما ميليشاويا يخضع له نحو 20 ألف شخص من المسلحين بالسيوف والسكاكين. و من اجل التمويه، تسمى بأسماء مختلفة مثل عزيز الرحمن و عمر علي ليتو وغيرهما. كما أدعى بأنه حاصل على ماجستير في الأدب البنغالي من جامعة راجشاهي في عام 1995 ، ليتبين من مراجعة سجلات الجامعة المذكورة انه كاذب. و حينما جابهته الصحافة بذلك ادعى انه كان مسجلا في "كلية عزيز الحق الجامعية" ذات الارتباط الأكاديمي بجامعة راجشاهي. وهذا أيضا ثبت بطلانه.

نشط التحالف المذكور في الأقاليم الشمالية محاولا ، عن طريق العنف و التهديد و العقاب الجسدي و إقامة المحاكم الميدانية العلنية لليساريين و العلمانيين و الفنانين و النساء غير المنقبات، إقامة نظام مشابه لنظام طالبان الأفغاني في تلك المناطق كمقدمة لمده إلى بقية أنحاء البلاد. و حقق في ذلك بعض النجاح بفضل تردد السلطات في مطاردة رموزه و قادته و غض الطرف عن انتهاكاته من اجل مكاسب سياسية ضيقة. لكن مع تصاعد الشكوى من تلك الأنشطة، قامت الحكومة في عام 2002 بحملة اعتقالات في صفوف رموز التحالف، كان من بينهم شقيق عبدالرحمن المدعو عطاء الرحمن. كما قامت الشرطة المحلية في العام نفسه بإيقاف بنغلا بهاي، لكن سرعان ما تم الإفراج عنه دون توجيه أية تهمة إليه، وسط استغراب المراقبين و نشطاء حقوق الإنسان، الأمر الذي عزز تكهنات و إشاعات حول تواطؤ حكومة رئيسة الوزراء خالدة ضياء مع هذا الرجل و جماعته من اجل استخدامه ضد خصومها السياسيين. و كان بنغلا بهاي قد ردد مرارا انه يلتقي مسئولي جهاز الأمن و يتعاون معهم من اجل رفع كلمة الدين في البلاد.

و هكذا، لم تتحرك الدولة فعليا ضد الجماعتين الإرهابيتين إلا بعد سلسلة التفجيرات المتزامنة في العام الماضي، و التي على إثرها قامت السلطات للمرة الأولى بحظرهما رسميا. في أعقاب هذا القرار، و ما تبعه من قرارات أخرى مثل استنفار أجهزة المخابرات و القوات الخاصة و طلب مساعدة الانتربول الدولي و وضع مكافأة مالية للقبض على عبدالرحمن و بنغلا بهاي، قرر الأخيران التواري عن الأنظار و العمل مع اتباعهما من تحت الأرض.

في مقابلة له في عام 2004 مع صحيفة محلية ، نفى عبدالرحمن ارتباطه بتنظيم القاعدة ورفض تشبيه تنظيمه بحركة طالبان، قائلا أن حركته لا تنتهج العنف، و ولدت من اجل خدمة مسلمي بنغلاديش الفقراء، و ليست لها مطامح في الإمساك بالسلطة أو المشاركة في الانتخابات، " لكنها مستعدة لتحمل مسئولية إدارة بنغلاديش إن طلب الشعب منها ذلك". و بطبيعة الحال كان الرجل يكذب، لأنه بعد اقل من عام لم يتبن مسئولية سلسلة التفجيرات الستمائة فقط،، و إنما قام زميله بنغلا بهاي أيضا بإصدار بيان مطول زعم فيه انه يستند إلى دعم "الله و رسوله و ملائكته" في جهاده من اجل إقامة الشرع و تأسيس مجتمع إسلامي نقي على غرار المجتمع الأفغاني في ظل نظام طالبان، مضيفا أن قيام مثل هذا النظام قادم لا محالة حتى و إن لم يؤيده سوى 1 بالمئة من البنغاليين. في هذا البيان حاول الرجل أيضا الاستشهاد بالكثير من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية و الوقائع التاريخية الإسلامية ليضفي مصداقية على شخصه و يبرر زورا أعمال جماعته المتطرفة.

و القصة لم تنته بعد. إذ يتطلع ملايين البنغلاديشيين اليوم إلى محاكمة علنية لهذين الرأسين من رؤوس الشر و الفتنة من اجل استجلاء المزيد من الحقائق عن دورهما في إشاعة الخوف والإرهاب و العنف في البلاد على مدى سنوات، قبل تنفيذ القصاص فيهما، لا سيما و أن عشرات القضايا مرفوعة ضدهما أمام المحاكم من قبل اسر ضحاياهما، بل أن محكمة إقليمية سبق وان أصدرت في العام الماضي حكما عليهما بالسجن المؤبد لوقوفهما خلف جريمة اغتيال قاضيين في عملية انتحارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 154-An-Nisa


.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي




.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان