الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة العراقية..متى ..؟!

هادي فريد التكريتي

2006 / 3 / 14
المجتمع المدني


المتتبع للقاءات القوى السياسية العراقية وتصريحات المسؤولين عن هذه اللقاءات ، بصدد تشكيل الحكومة ، يجد أن تصريحاتهم تدلل على أن هناك شبه إجماع على قرب تشكيلها ، إلا أن الأمر يتطلب المزيد من المداولات والمناقشات فيما بينهم حسبما يقولون ، ولا أحد يدري كم من الوقت ستستغرقه هذه اللقاءات .فكلما مر وقت أكثر على قرب انتهاء المدة التي حددها قانون إدارة الدولة ـ الساري المفعول حتى اللحظة ـ فكلما زادت الخلافات وتعقدت بين القوى المرشحة لتشكيل الحكومة ، طالبت بشكل غير قانوني على تأجيل الدعوة لانعقاد الدورة الجديدة للبرلمان . لا شك أن هناك أسبابا جدية تحول تنفيذ ما نص عليه قانون إدارة الدولة فيما يخص دعوة البرلمان ، وهذه الأسباب لم تظهر في هذا الظرف ، بل هي قائمة منذ بدايات تسلم الحكم ، للقوى العراقية ، قبل وبعد الانتخابات العامة الأولى ، التي أجريت على عجل ، وتحت ضغوط أمريكية من جهة ، وعراقية طائفية وقومية ـ عنصرية من جهة أخرى ، استغلت مشاعر وعواطف الجماهير الشعبية ، التي عانت كثيرا من حكم صدام الفاشي ، في وقت كانت الحكمة والتعقل تقتضيان التروي والتفكير الجاد ـ وهذا لم يحصل ـ من قبل كل القوى السياسية ، للتوصل إلى حلول وقواسم مشتركة ، للمشاكل التي أفرزتها سنوات الحكم القومي ـ الفاشي ، وما أحدثته في العراق قوات الاحتلال من تخريب لكل مؤسسات الدولة .
فالصياغة لمسودة الدستور ، التي ُُأقرت على عجل ، لم تكن تمثل أبوابها ونصوص موادها ، الواقع الوطني الذي يجمع عليه الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه واتجاهاته السياسية ، إنما كانت ملبية لرغبة حكم بواقع طائفي وعنصري ، لعبت دورا معرقلا لتوجهات مستقبلية في حكم يموقراطي سليم ، وتكمن بين بنوده اتجاهات خطرة لحكم ديني ، لا تقل عن توجهات الحكم القومي ـ الفاشي ، الذي عانى منه الشعب العراقي سنوات طويلة منذ العام 1963. .
انعكاسات هذا الواقع ، عدم صياغة دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا ، لم يجمع عليه ممثلو الشعب العراقي ، وهو قابل للتعديل في بعض مواده بعد التئام المجلس النيابي الجديد ، وتشكيل الحكومة الدائمة .إشكالية عدم تشكيل هذه الحكومة ، ناتج عن إصرار كتلة الائتلاف على رفض المشاركة مع قوائم بعينها ، أو بمعنى آخر تضع خطوطا حمراء على العمل معها ، خلافا لتوجهات أكثرية القوائم الفائزة ، نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية دون إقصاء . قائمة الائتلاف ، رغم أنها تمثل الكتلة الأكبر في البرلمان ، لتشكلها من أكثر من خمسة عشر تنظيما ، إلا أنها غير قادرة على تشكيل الحكومة لوحدها ، ومن أجل أن تحوز على أغلبية ثلثي الأصوات لا بد لها من شريك أو شركاء يشاركونها تقاسم السلطة . القوى السياسية ، كردية وليبرالية وديموقراطية وقومية ودينية ـ طائفية ، هذه القوى اتفقت فيما بينها ـ اتفاق أولي ـ على تشكيل كتلة ، مجموعها يشكل حجما أكبر من كتلة الائتلاف الطائفية ، و تنافسها على تشكيل الحكومة ، إلا أنها ترى أن تشكيل حكومة وحدة وطنية ، هو ما تسعى إليه من كل القوائم الفائزة في الانتخابات ، دون استبعاد أي قائمة من المشاركة ، وهذه هي الطريق المفضي إلى حل أزمة الحكم ، وحل المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي ، ولإقرار الأمن والسلم في العراق ، هذا التوجه نحو حكومة وحدة وطنية ، من كل القوائم التي يتشكل منها المجلس النيابي الجديد ، لا ترغب فيه كتلة الائتلاف الطائفية ، إضافة إلى أن هذه الكتلة تريد أن تفرض مرشحا لرآسة الحكومة ، لم يجمع عليه الائتلاف نفسه ، عند تسميته ، حيث فاز ب50 %+ 1 وعارضه 49 % منهم ، فكيف تريد أن تتقبله القوى الأخرى ؟ أسباب معارضة الكتل الأخرى لإعادة ترشيح رئيس الحكومة السابق ، جاء بسبب دعاوى فشله في إدارة الحكومة للفترة المنصرمة ، إضافة لمعارضة قوية من الحليف الكوردي لتجربته السلبية السابقة معه ، وخصوصا فيما يتعلق بقضية كركوك ، وعرقلة حلها وفق المادة 58 من قانون إدارة الدولة ، كما أن هناك قوى أخرى ولأسباب مختلفة ، تدفع باتجاه تغيير هذا المرشح ، والطلب من الائتلاف تسمية مرشح جديد لحكومة وحدة وطنية ، يتمتع بثقة القوى الممثلة في المجلس النيابي ، وهذا ما ترفضه حتى الآن قائمة الائتلاف. مناورة الائتلاف الرافضة لهذا التوجه الوطني ، والإصرار على مرشح لا يحظى بثقة الأكثرية ، ليس له ما يبرره ، ولا يتناقض فقط مع مبدأ الديموقراطية الذي تدعي كل الكتل الامتثال له ، وإنما يتعارض مع مصالح الشعب العراقي ، الذي يعيش في أجواء إرهابية ، تتساقط فيه العشرات من الضحايا يوميا ، ويعيش ظروفا معاشية قاسية ومتدنية جدا ، دون أن تتشكل الحكومة الدائمة ، لأسباب ذاتية ضيقة ، وخارج المصلحة الوطنية .
استقراء لواقع الشعب العراقي ونضاله الوطني ، منذ بدايات تشكيل الحكم الوطني الملكي ، وحتى نهاية الحكم القومي ـ الشوفيني والفاشي ، كان يقاوم ويرفض سياسات الحكومات حين تقدم على التلاعب بمصيره وبمصالحه الأساسية ، وما كان يخضع لمثل ما يمارسه عليه الحكم حاليا من تجاوزات على حقوقه المدنية والإنسانية ، تحول دون خلق مناخات وطنية ، ولا تسهم في صيانة دماء العراقيين ووحدتهم ، ولا تساعد على تشكيل حكومة وطنية قوية ، تضمن له حقوقه وبالتمتع بحياة اعتيادية آمنة ، ورفاه اجتماعي ، وحرية شخصية ، فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء الانتخابات ، والعراق بدون حكومة شرعية ، يسوده فلتان أمني لم ير مثله منذ سقوط بغداد في العام 1258 م على يد هولاكو . وهذا هو نتيجة انسياق حكامنا وراء التوجه الطائفي ، والقومي ـ العنصري المضلل لجماهير الشعب ، والمفرق لصفوفها ، فعندما يغِلب الحكام النهج الطائفي والعنصري ، على مصلحة الوطن وشعبه ، ويتجاهلون ما تحيط به من كوارث ومحن ، يحدث مثل ما هو حاصل عندنا ، وما نحن فيه لو كان يحدث بعضه في العراق ،أيام الحكم الملكي ، لقامت الدنيا وما قعدت بعد ، ولرأينا بغداد قلب الوطن ، وباقي المدن العراقية ، تتضرم نارا بوطنيتها ، وتمور بغضب شعبي عارم على حكامه ، وليس بعيدا عن الذاكرة ما شاهده مخضرمو هذا الشعب ، وما سطره مؤرخو العراق ، من وثبات وانتفاضات حدثت في العراق ، أجبرت الحكام على الهرب حينا ، وأحيانا أخرى ، النزول عند رغبة الشعب في إلغاء ما أبرموا من معاهدات واتفاقيات ، والنكوص عن قرارات وإجراءات ، مجحفة بحق الشعب العراقي . فكل ما يعانيه الشعب العراقي من مآسي حاليا ، هو نتيجة للتعنت وعدم الشعور بمسؤولية النتائج المترتبة على موقف مغامر ، يحاول أن يفرضه البعض ، لترويض الشعب لمواقف لاحقة ، وللخروج آنيا ، من مأزق ساهمت كل لقوى السياسية العراقية على خلقه ، بابتعادها عن الحل الوطني والنهج الديموقراطي ، واللعب بالمحذور والمنهي عنه وطنيا ، ولن يوقف هذا التداعي ، ويحول دون وقوعه ، غير الشعب عندما يضغط على قياداته ويقول كفى ، شكلوا الحكومة قبل أن ننزل إلى الشارع ..!!

13 آذار 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في تونس لإجلاء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين


.. مصدر مصري رفيع المستوى: أحد بنود مقترح الاتفاق يتضمن عودة ال




.. الاحتجاجات تتصاعد.. الاعتقالات في أميركا تتجاوز ألفي طالب


.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل




.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال