الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أفلحت أمة صار سفهاؤها سادة لها

علي الحاج حسين

2006 / 3 / 14
القضية الكردية


عاشت قبيلة تدعى ميديا حياة رفاه وعز وجاه في عهد واليها الحكيم الورع الذي أشاد العمران في السهول والوديان، لكن ما أن تقدم به العمر وأحس بقرب المنية حتى جمع إليه ثقاة القوم ونبهاء الدولة وقال: لي ابن ضال لا يصلح للحكم في البلاد، إن وافتني المنية بغتة تناوبوا على إدارة شؤونكم وصلاح أمركم ولا تنصبوا سفهاءكم سادة عليكم فتُغضبون الآلهة ويتفرق جمعكم وتخسرون داركم وتصيرون أجانب في بيوتكم، تختارون الجبال مسكناً لكم ثم يصير بنوكم عبيداً وأقنانا يلحسون أواني ولائم القبائل وفُتات ما تلقيه الشعوب. اعلموا أيها الناس أن السنابل إن نضجت تجنيها المناجل، والرؤوس إن نضبت تجنيها السيوف، أما الثمرة إن فسدت فتسقط من على الشجرة من تلقاء ذاتها. حذار حذار من التهاون بالمحن القادمة..! أما الضالين والطغاة منكم ردوهم عن المناصب، أنزلوهم عنها عنوة واحتكموا للعقل وحسن التدبير لا للعاطفة أو عدم الاكتراث…
لم يطل الوالي الحكيم المقام وفارق الحياة مخلفاً للرعية الجاه والمال وابن ضال. هلل سفهاء القوم حينما ارتقى الفطيم سدة الحكم، روّجوا له وفرضوا أمره على من لا أمر لهم، خلف الطاغية كرسي أبيه، وصفق له المصفقون الذين لا يعقلون. فبطرت ذواتهم، تعجرف أولي الأمر منهم وأصاب الشعب خنوع وكسل لا يوصفان، فغضب عليهم معبودهم فأمطرتهم السماء عقاربا وثعابينا ملأت الحقول وداهمت البيوت، مع ذلك لم يعتبر الميديون ولم ينحوا الطغاة والسفهاء فيهم وكثر غيهم وقل خيرهم.
نال مرض عضال من الطاغية الضال فنبتت له قرنان سرعان ما تحولا لثعبانين يفحّان بما يقشعر الأبدان وينهشان من دماغه الآخذ بالضمور، فأفعل السيف واجتز الرقاب وعم في البلاد الخراب. عجز الأطباء عن معالجته فأطاح الرؤوس عن الأكتاف ومثل بالناس شر تمثيل. ندم حكماء القوم ودهاتهم على تقاعسهم وعدم الأخذ بنصيحة سيدهم الأول، لكن فات الأوان ولم يعد بالإمكان تفادي ما هو آت، زعيمهم الضال سيموت آجلا، لكنه سيفني الرعية عن بكرة عاجلا، فأرادوا أن يؤجلوا حدوث شراً لابد منه، وفكروا بمعالجة الحاكم المعتل. تقدم أكبرهم سناً وأرجحهم عقلاً، استأذن ودخل على الوالي المعتوه فوجده يلوح بسيفه ويجز به رقاب من صادفه من الناس دون تفريق، وصرخ به: أنتم أيها السفهاء ما أن احتجت لكم حتى تفرقتم هاربين، سأصنع من رؤوسكم تلالاً تنعب عليها الطير وتبول عليها الهوام. فبادر الحكيم بوقار وقال: جُعلت فداءك يا مولاي… ما أخرنا عنك شغل ولا عمل، لقد بحثنا أقطار الدنيا حتى تكلل سعينا بالنجاح، وعثرنا على طبيب جلبناه من أقصى الأمصار ليخلصكم من البلاء. أستبشر الطاغية وأمره بإدخال الطبيب ومباشرة العلاج.
زعم الطبيب أن الثعابين تتغذى على الدماغ فيجب أن يقدم لها أدمغة خراف وبذلك تهدأ وتنام فيرتاح الملك من الآلام ريثما يصار لاتخاذ الحل النهائي. نحرت الخراف والبغال والماعز وكل أصناف الدواب والوحوش، لكن ثعابين رأس الوالي لا تستسيغ سوى الدماغ البشري وفي أسوأ الحالات دماغ خروف لم ينه عامه. أمر باستخراج دماغ شاب محكوم عليه بالإعدام من سجن القبيلة فتناولته الثعابين بشراهة وهدأت. كافأ الوالي الطبيب وقربه منه. لكن مع مرور الزمن نفق مساجين القبيلة وتبين أن الثعابين تفضل أدمغة الشباب الأشداء على أدمغة الشيوخ والنساء. بادر الملك باستخراج أدمغة الشباب ممن حكم عليهم بتهم بسيطة وما أن نفقوا حتى بوشر بصناعة التهم ولصقها بالشباب، امتعظ الناس، لكن ليس باليد حيلة.
كان الشاب القوي البنية كاوا الحداد يعمل بصناعة السيوف للقبيلة ويعرف بشجاعة منقطعة النظير بين أقرانه. اجتمع إليه الشيوخ فنصحوه بالتروي ومع ذلك اجتمع إلى طبيب الوالي، وحذره من مغبة الأمر إن لم يتعاون معه، وقبل أن يقدم أدمغة الخراف زاعماً أنها من الشباب والأطفال الذين يفرون إلى الجبال ليعيشوا في أعالي القمم سراً. وهكذا فدت الخراف على مدار ثلاثين حولاً الرجال فبقيت النساء والشيوخ في القبيلة، وصار الخصوم يقلصون حدودها والطاغية يعيث فيها فساداً، لكن أمام هجمات الخصوم أحس الوالي بحاجة ماسة للرجال، فعمم أن تلد النساء بطنين من الذكور في العام وإلا فسوف ينالهن أشد العقاب.
تجمع الرجال الفارين بأعالي الجبال متباحثين سبيل خلاص من بقي فيهم دماء ميدية ويسكنون خلف أسوار القبيلة. تنافخوا متبادلين الخطب العصماء، تهاتروا متبادلين التهم والسباب، تنازعوا على كيفية الجلوس على كرسي الوالي المعتوه فيما لو تمت تنحيته فلم يصلوا لاتفاق يرضي الصديق ويغيظ العدى وعادوا للنوم. أما في القبيلة ولما لم تلد النساء رجالاً كما أمر الطاغية، جمعهن في حديقة القصر المسوّرة وأطلق عليهن أسوداً جائعة فصحن صيحة واحدة شقت عباب السماء، صرخة جابت الأمصار ومزقت صمت سكون ليل آذار، دوت لها الجبال متنائية لأسماع الحداد وإخوانه المرابطين في أعالي الجبال عرف كل منهم في الصوت المستغيث صراخ أمه… فتمزقت طبول السمع في آذانهم وأصيبوا جميعاً بالطرش، أضرموا النار في أكواخهم الخشبية وهبطوا إلى السهول فأطاحوا بالطاغية وأنقذوا أمهاتهم في يوم الأم وغفلوا راجعين. هؤلاء الصم يتكلمون ولا يسمعون، لازالوا يقبعون في الجبال بانتظار حدوث معجزة تعيد لهم حاسة السمع أو أن ينبت فيهم حداد جديد يجيد صنعة إضرام نار الغضب وله أذنان تسمعان وتميزان نحيب الأمهات اللواتي تغتصب في الحقول من أصوات الحِداء والطرب ويبعث فيهم النخوة والهمة من جديد في عصر صمتت فيه كل الأصوات بذريعة أن لا صوت يعلو على صوت المعركة.
______________________
*مستوحاة من التراث الكردي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يذهب إلى رفح رغم تصاعد المظاهرات المطالبة بصفقة الأس


.. شاهد:-حان الوقت للإطاحة بالديكتاتور!-.. عائلات الأسرى الإسرا




.. كلمة أخيرة - الأونروا: 24 ساعة وبعدها سيكون العالم أمام حقيق


.. كلمة أخيرة - التهجير من الشرق والوسط... متحدث الأونروا يكشف




.. كلمة أخيرة -رفح تضم 65% من سكان القطاع ومنطقة المواصي بها 45