الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزنادقة أو الهراطقة

ياسين المصري

2018 / 4 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان الدكتور طه حسين في كتاب (حديث الأربعاء) أول من أرجع ظاهرة الزندقة إلى الحركة الشعوبية التي تحط من العربان وتنال من ديانتهم.
وفي تعريف كلمة الزنادقة، قيل إنهم هم ( الأشخاص الَّذِين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر )، ولكن هذا التعريف غير دقيق لكونه يصفهم من الناحية الدينية وحدها، بينما يؤكد التاريخ بأن معظم من يتم الاصطلاح عليهم بأنهم (زنادقة) كانوا علماء متأسلمون ويعيشون في معارك طاحنة مع الجهلة الأصوليين والمتشددين، الذين لديهم دائمًا خصومة مع العلم والفلسفة والمنطق والرياضيات، واعتبارها ضرباً من ضروب الزندقة والكفر التي يجب استئصالها. والعجيب أن المتأسلمين يتفاخرون بهم دائمًا وأبدًا، مما يشير إلى مدى الفُصام النفسي والسلوكي الذي يعانون منه.
ظهر الزنادقة مبكرًا منذ عصر الرسول، فكانوا يسمون بالمنافقين الذين (يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر)، بحسب وصفهم في القرآن وكتب السيرة والتراث، وجاء ظهورهم كرد فعل طبيعي وكنتيجة حتمية للسلوك الديني - السياسي الذي انتهجه نبي الأسلمة وصحابته، وفي العصر العباسي الذي انتشرت فيه الخرافات والهلوسات الدينية والتاريخية السياسية، فأطلق عليهم لفظ الزنادقة وهو مأخوذ من الفارسية. وكان من أشهرهم الحسن ابن الهيثم أبو يوسف ويعقوب بن اسحاق الكِندي وأبو بكر الرازي وإبن سينا وإبن رشد وأبو حيّان التوحيدي وبشار بن برد الذي جعل تعريف الزندقة قريبا من الزرادشتية في قصيدة مشهورة يقول فيها:
إبليسُ أفضلُ من أبيكم آدم فتبينوا يا معشر الفجـار
الـنارُ عـنـصــره وآدم طــيــنة والطٓـين لا يسمو سمو النارِ
وكذلك كان من الزنادقة عبد الله بن المقفع المولود في خراسان، والذي قتله العباسيون قتلة شنيعة في الثلاثين من عمره، حيث قطع والي البصرة (سفيان بن يزيد) أجزاء جسده وهو حي وألقاها قطعة قطعة في النار أمام عينيه وأمره بأكلها بعد شيِّها… حتى مات من شدة التعذيب. ومن الروايات ما يقول أن ابنه كان قوياً وصبر على التعذيب وقال لقاتله أثناء احتضاره: إذا مات مثلي مات بموته خلق كثير، وأنت تموت ليس يدري بموتك كبير ولا صغير.
يوصف ابن المقفع بأنه شاعر العقل في تاريخ الأدب العروبي، إذ عُرف عنه إعلاؤه لقيمة العقل فوق العادة والتقاليد وثقته في قدرة الإنسان على التمييز بين الخير والشر دون الحاجة للدين. وهو القائل:
يرتجي الناس أن يقــوم إمام ناطـق في الكتيبة الخرساء
كذب الظن لا إمام سوى الـعقل مشيراً في صبحه والمساء
إنمـا هــذه المـذاهــب أسـبابٌ لجـذب الــدنيا إلى الـرؤساء
كما ذهب إلى إنكار الكتب السماوية:
ديـن وكــــفــر وأنــباء تقـــص وفــرقـــان وتــوراة وإنجـــيل
في كل جيل أباطيل يدان بها فهل تفرد يوماً بالهدى جيل؟
ومن أشهر الزنادقة على الإطلاق كان أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي المعروف باسم (ابن الراوندي) المولود (عام 210ع) في قرية راوند الواقعة بين إصفهان وكاشان. وكعادة الرواية الرسمية في تسفيه الخصوم، تزعم بأن الراوندي كان يهوديًا أسلم ثم الحد في اخر حياته.
يعتبر كتابه (الزمرد) قمة ما كُتِب في فكر الزندقة أثناء حكم العباسيين، ويمكن تلخيص بعض ما جاء فيه بالنقاط التالية:
❉ اعترض فيه على تفضيل اللغة العربية على غيرها من اللغات، وخاصة الفارسية.
❉ نقد الشعائر الإسلاموية ووصف الحج والطواف ورجم الشيطان بأنها عادات وثنية وطقوس هندوسية وإنها كانت تمارس من قبل العرب في الجاهلية. وقال إن الطواف حول الكعبة كالطواف حول أي بيت.
❉ تساءل عن عدم قدوم الملائكة لمعونة المتأسلمين يوم معركة أحد.
❉ اعتبر غزوات الرسول محمد سلبًا ونهبًا وقتلًا.
❉ تهكم من وصف الجنة فقال: "فيها حليب لا يكاد يشتهيه إلا الجائع والزنجبيل الذي ليس من لذيذ الأشربة والإستبرق الذي هو الغليظ من الديباج"
❉ قال إن الذي يأتي به الرسول إما أن يكون معقولا أو لايكون معقولا فإن كان معقولا فقد كفانا العقل بإدراكه فلا حاجة لرسول وإن كان غير معقول فلا يكون مقبولا.
❉ نقد القرآن من ناحية كونه فريدا حيث كان ابن الراوندي مقتنعا حسب رأيه بان القرآن ليس فريدا ويمكن كتابة نص أحسن منه وإن عدم مقدرة أحد على محاكاة القرآن يرجع إلى انشغال العرب بالقتال.
كما كتب ابن اللاوندي كتبًا أخرى كثيرة منها كتاب "الطبايع" وكتاب "الإمامة"، وغيرهما. ويمكن تلخيص أفكاره بوجه عام على النحو التالي :
❉ ليس بواجب على الله أن يرسل الرسل أو يبعث أحداً من خلقه ليكون نبيه ويرشد الناس إلى الصواب والرشد، لأن في قدرة الله وعلمه أن يجعل الإنسان يرقى ويمضي إلى رشده وصلاحه بطبعه.
❉ إن تصورات الإنسان عن الخالق والمبدأ محاطة بالأوهام والأساطير، لأن فكر الإنسان يعجز عن إدراك الخالق أو معرفة أوصافه.
❉ أن سر الموت لا سبيل إلى معرفته، فالإنسان منذ ما خلق وهو يبحث عن سر الموت لكي يحول دون وقوعه، فأخفق حتى الآن في هذا السعي، وقد لا يوفق في الاهتداء إلى سره إلى الأبد والناس جميعاً لا يعلمون كيف يموتون، ولو جرب الإنسان الموت ما أدركه أو عرفه حق المعرفة، وإن معاينة موت الآخرين لا تعلم الإنسان شيئاً عن أسرار الموت.
❉ كون "الإنسان عاجزاً عن إقناع نفسه بأنه سيموت، وبأنه سينعدم من هذا الوجود، فلدى الإنسان شعور بأنه لن يموت أبداً، وأنه حين يثوي في قبره سيعيش ويبقى حياً، وإن يكن ذلك بطريقة أخرى وبنشأة تختلف عما كان عليه في هذه الدنيا".
❉ ان الملائكة الذين انزلهم الله يوم معركة بدر كانوا "مفلولي الشوكة وقليلي البطش" فلم يقتلوا أكثر من 70 رجلا ولم ينزل أي ملاك يوم معركة أحد عندما "توارى النبي بين القتلى فزعا".
من الواضح أن الزنادقة تبنوا فكرًا عقلانيًا تجاه الخرافات والأساطير التي وصلت حد الهذيان والهلوسات فى المرويات الإسلاموية. وأن فكرهم مازال قائمًا حتى الْيَوْمَ لدي كل من يستعملون عقولهم، ومن ثم يتهمون بالزندقة وتستحل دماؤهم.

من كتاب: الإسلام جاء من بلاد الفرس ، سوف يصدر قريبًا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها تهمة فاعلة للتخلص من المعارضين
عبد الحكيم عثمان ( 2018 / 4 / 18 - 06:30 )
تحية استاذ اسين المصري اتهام الاخر بالزندقة في الاسلام والهرقطة في المسيحية هي تهمة ابتدعها رجال الدين في كلا الديانتين للتخلص من المعارضين كما التهم المعاصرة الخيانة والعمالة والتواصل مع دولة معادية والارهاب
ابن المقفع كان دائم السخرية والاستهزاء بوالي البصرة في عهد الدولة العباسية وعلنا وعندما تجاوز الحد واتهم ام والي البصر بالمغتلمة والتى لم يكفيها رجال العراق فتوجهت لرجال بلاد الشام(قال سفيان يوماً:

«ما ندمتُ على سكوتٍ قط».

فقال له ابن المقفع:

«الخرس زينٌ لِأمثالك فكيف تندم عليه!».

وورد عن سفيان بن معاوية أنه قال في إحدى المرات:

«والله لأقطعنه إرباً إرباً وعينه تنظر».

غضب سُفيان من ابن المُقفع يوماً وافترى عليه أمراً ما وعندما سمِع عبد الله بن المقفع إفتراء سُفيان عليه قذف أُمّه وسبها وقال له:

«يا إبْن المُغتلِمة، والله مَا اكتفت أمك برجال العراق حَتَّى نكحها رجال أَهْل الشام».


2 - كل من ذكرتهم من الزنادقة
جندي ( 2018 / 4 / 18 - 09:04 )
باستثناء الرواندي
كل من ذكرتهم بقي مسلما ولهم مؤلفات في الموضوع
خاصة ابن سينا


3 - الزنادقة ليسوا منافقي عصر النبوة يابرفسور
محمد أبو هزاع هواش ( 2018 / 4 / 18 - 11:02 )
رن جرس الإنذار عندي عندما وصف الكاتب بالمتأسلمين أمثال ابن رشد وابو بكر الرازي وابن سينا وهلمجرا جرا... حشرهم جميعا بكلمة متأسلمين الفضفاضة الغير دقيقة والتي تحمل الشيئ من العنصرية من الكاتب

أيضاً يخلط الكاتب عباس مع دباس عندما تلكم عن الملحد ابن المقفع.. الذي أنكر خزعبلات الأديان

الالحاد والزندقة مرتبطان، فشل الكاتب بتفصيل تلك العلاقة

،كذلك التمنطق والتزندق لم يذكرهم الكاتب بشيئ

معلومات ببلاش نرجوا من الحوار المتمدن نشرها وعدم تخريب هذا النقاش من دون سبب..


4 - سؤال
محمد البدري ( 2018 / 4 / 18 - 11:45 )
لا اعرف إذا كان السيد يس المصري سيجيب ويرد علي سؤالي ام لا؟
ما الذي يدفع احد لان يكون زنديقا بالمعني الذي اقره طه حسين في حديث الأربعاء كونه من الأشخاص الَّذِين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر.
اليس الاسلام دين سماحة وحرية وحق في الاختيار وكلمة الله الاخيرة التي لن يضل احد بعدها؟ انها جميعا اوصاف لا تتفق مع سبب الزندقة؟ فالزندقة حقيقة موجودة اما الاوصاف فنسمع عنها فقط ولا نراها
تمنيت ان يكمل احد اعمال الراحل العظيم طه حسين.

تحياتي


5 - سؤال للحجي عبد الحكيم
ماجدة منصور ( 2018 / 4 / 18 - 12:38 )
سؤالي هو-: الشيطان حين عصى ربه،من كان شيطانه؟؟؟
احترامي للأساتذة الحضور و للأستاذ ياسين المصري صاحب الصفحة


6 - شيطانه شوفة حاله ست ماجدة
عبد الحكيم عثمان ( 2018 / 4 / 18 - 15:48 )
هذا السؤال اجابه الشيطان بنفسه عندما قال انك خلقت الانسان من طين وخلقتي من مارج منار والنار تحرق الطين لذا رأى الشيطان افضليته على الانسان فتشيطن هاي كل السالفة احترامي لكل انساني محايد منصف غير متكبر غير متجبر ولاشايف حاله شوفة ولاتحركه عواطفه واهواءه ولايلغي عقله ولايتعامل مع الاخرين من خلال عواطفه


7 - المقال
ياسين المصري ( 2018 / 4 / 18 - 16:23 )
أود الإشارة إلى أن المقال بعاليه عبارة عن جزء ضئيل جدًّا من فصل كامل في الكتاب الذي سينشر قريبًا عن نشوء الشيعة بداية من الشعوبية فالزندقة في بلاد الفرس، وسبب نشأتها.
أما الرد على تساؤل الأستاذ محمد البدري، عن السبب الذي يدفع أحدًا لأن يكون زنديقًا، فأقول له أن سبب الزندقة في الإسلاموية أو الهرطقة في المسيحية هو البنية الهلامية الهشة للأديان، وعدم معقوليتها، مما يقتضي وجود حراس لها باستمرار، فإي إنسان يستطيع استعمال عقله (يعني في نظر الجهلاء = زنديق) يدرك مدى هشاشتها ولا معقوليتها. كلام فارغ بهدف دغدغة مشاعر السذج والبسطاء والمقهورين من البشر، واللللللللللاه أعلم !


8 - نعم اتفق
على سالم ( 2018 / 4 / 18 - 20:29 )
اتفق مع السيد الكاتب ان دين الاسلام كان هشا وضعيفا وخاويا وغبيا وعنيفا ودمويا , لولا سيف محمد وارهابه للبدو العربان ماكان اى بدوى اعتنق هذا الدين الهرائى , انا فى تقديرى ان السبب الرئيسى فى انتشار الاسلام الى يومنا هذا ليس من يسمى نفسه رسول الله ؟؟ بل هو الخليفه الثانى الدموى ابى بكر , هذا القاتل هو من قام بحروب الرده الرهيبه بعد ان ارتد الناس عن دين الاسلام بعد ان فطس محمد ومات بالسم , قام الارهابى ابى بكر بالقيام بحروب دمويه بشعه لكى لايرتد المسلمين عن هذا الدين البدوى الشرس , تمت مذابح بشعه وقتل الالاف وخاف البقيه الباقيه من الذبح على يد هذا السفاح القاتل وشهر السيف فى وجه من يشكك فى هذا الدين , يعنى صراحه لو لم تكن هناك حروب رده ماكان للااسلام ابدا ان يستمر الى يمومنا هذا بل كان سوف يموت بموت المؤسس الكاذب الدجال


9 - سيد علي سالم
جندي ( 2018 / 4 / 19 - 09:35 )
طبعا فكرة المقالة في مكان
وكلام السيد ياسين المصري عام
ولكن الخليفة الثاني ابو بكر ؟؟؟؟؟؟
ابو بكر يعد الخليفة الاول
سيدنا محمد علهي السلام نبي وليس خليفة
اما حروب الردة
معظم حروب الردة كانت ضد من منع الزكاة او ضد اشخاص ادعوا النبوة وقاموا بجمع الاتباع
يعني فعليا هم لم يتركوا الاسلام
تمت مذابح بشعه وقتل الالاف
1 اذا قتل الالاف كيف بعدها بسنة المسلمين احتلوا بلاد الشام
بالمنطق فكر
ه لو لم تكن هناك حروب رده ماكان للااسلام ابدا ان يستمر الى يمومنا هذا بل كان سوف يموت بموت المؤسس الكاذب الدجال
بل كان الان طوائف كثيرة متفرقة
يعني هو هيك الان
ولكن كان اكثر


10 - علي سالم والامنطق
جندي ( 2018 / 4 / 19 - 09:37 )
بعد ان فطس محمد ومات بالسم
1 لا اعلم ولكن يعني مل واخد بموت بكون فطس
2 وليش سيدنا محمد عليه السلام في نهاية المطاف بش انسان ياكل ويموت ؟؟؟
3 وهل عمره قال عن نفسه خالدا
4 والم يقل القران فان مات او قتل ؟؟؟؟؟
5 وفعليا السم الذي قتله تعرض له قبل 4 سنوات من موته
6 وفي الحقيقة اسلاميا خيره الله بين ان يبقى حيا او يموت
فاختار الموت لشوقه لله
قد تقول لي ان هذه اسطورة
ولكن اليست هذه الاسطورة مرتبطة بموته بالسم فلماذا تصدق موته بالسم فاذا كنت تريد نفي الاسطورة انفها كاملة عزيزي
مع العلم ان كل دين مبني على اسطورة فلا اعلم كيف تعترض وتقول انها اسطورة ونحن نتحدث هنا عن دين