الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين وسياسة التحريم(2)

خلوق السرغيني

2018 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقال، من حيث المبدأ، إن الدين لله، لكن واقع الحال أثبث حقا أن الدين اليوم لم يعد لله، بل للدولة، ومن ثم فالمعرفة الدينية هي معرفة لم تعد في الراجح غاية في ذاتها، بل إنها اليوم أضحت مجرد وسيلة يمتطيها الفاعل السياسي لتحقيق غاياته، التي تعد غايات أخس، إذ ترتبط بمسائل اليومي البسيط، سواء على الصعيد السياسي، أو على الصعيد الاجتماعي؛ وهي غايات فرعية تتفرع في الغالب عن غاية أساسية كبرى ذات طبيعة اقتصادية مادية تحديدا ، ولما كان العنصر الديني عنصر غاية في الأهمية على الصعيد الاجتماعي؛ نظرا لطبيعته الجمهورية،(أي، يرتبط بالجمهور) هذه الطبيعة التي تجعل خطاباته تتغلغل في أعماق الشخصية لتحتل بذلك مختلف مُناداتها Monads (أي، جواهرها الروحية بلغة لَيْبْنِتْز) احتلالا لا انفكاك عنه، ونظرا لقوتها التأثيرية على العقول البسيطة ذات المرجعية الخطابية التصويرية في الإقتناع، أمكن للفاعل السياسي، حينئذ، أن يبحث عن إمكانية تشغيل واستعمال هذا العنصر الثقافي، الذي يدخل في خانة المقدس ، لخدمة مصالحه المادية، المنتمية إلى دائرة المدنس، وهنا سيعمد إلى احتكاره، ذلك أنه من شأن الإحتكار أن يكون آلية التحكم، ألم يعتبر الإحتكار في عرف الرأسمالي أداة ربحية فعالة، إذ بها يتحكم في السوق لصالحة؟ فكذلك وقع الأمر على المستوى الديني، فقد تم احتكار الدين، أو بالأحرى المعرفة الدينية، اعتقادا وتعبدا. بحيث إن كل شيء فيها أصبح بقَدَر.
صحيح أن عملية الاحتكار هذه لها مزايا كثيرة؛ إذ على الأقل وضعت حدا للفوضى التي كان يعرفها الحقل الديني، بما هو حقل إفتائي بامتياز، كما أنها عملت على توجيه الخطاب الديني نحو رهانات ذات طبيعة إنسانية، ودرء، ما أمكن، النقاط التي يتعارض فيها الخطاب الديني مع القيم الانسانية الكبرى: كقيم التسامح والخير والعدل والمحبة والإيخاء...غير أن هذا الإحتكار ليدل دلالة صريحة على الدور الإيديولوجي الذي أصبح يقوم به الدين المعاصر، إذ إن مساوئ هذا الاحتكار واضحة وجلية، فهي تبدو في النمطية والتشابه والوحدة القاتلة التي أصبح عليها الكائن الانساني.
وإذا كانت الإيديولويجا تقوم بوظائف ثلاث على حد تعبير الفرنسي بول ريكور Ricoeurوهي التشويه والتبرير والإدماج، بحيث تعمل أولا على تشويه حقيقة حياة الناس الواقعية، وتقوم ثانيا بتبرير هذا الواقع الذي عملت على تشويهه للتو من خلال أفكار تدعي الكونية والشمولية، وهي أفكار الطبقة المسيطرة، هاته التي تمتلك مختلف الأجهزة التواصلية التوصيلية، لتعمل في الأخير على إدماج الأفراد داخل هذا الواقع الُمرَادُ من خلال مجموعة من الطقوس الإحتفالية التي تخصص لهذا الغرض الإيديولوجي الإدماجي؛ الذي غالبا ما يمرر تحت ذريعة إحياء التراث أو المحافظة على الهوية أو الذاكرة الجماعية...، وإذا كان الدين نفسه يقوم أيضا بهذه الوظائف، فإن الدين، أو بالأحرى الدين المسَيَّسُ، في مجتمع اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح فعلا إيديولوجيا بامتياز، خاصة وأنه يعلن كما تعلن كل إيديولوجيا "أن ليس هناك ما هو أحسن مما هو كائن، ولا داعي للبحث عما ينبغي أن يكون، فالواقع ما هو كائن" ولا مناص أو بديل عنه.
غير أننا حينما نشير إلى المعرفة الدينية، في انتمائها للإيديولوجيا، فنحن نعني أيضا وبالتحديد التشريع الديني والأحكام المرتبطة به، مثل أحكام التحليل والتحريم...، ولوازمهما السلوكية. بالتالي، فإن التحليل والتحريم لم يعد شأنا فرديا ولا شأنا دينيا خالصا، بل إن فعل التحريم(من الحلال أن تفعل كذا...) أصبح في جوهره عملا سياسيا بالرغم من غلافه الديني. وهذا هو مُسَوِّغُ الحديث عن سياسة التحريم، إذ لم يعد "الحرام" مفهوما دينيا يعبر عن المنع الرباني لفعل إنساني ما، بل أصبح المنع دو مرجعية سياسية، وبهذا فعلة التحريم كتشريع ديني في الأصل لم تعد دينية، وإن بدت كذلك في ذهن الكائن الإنساني البسيط، بل أصبحت المبررات سياسية ذات رهانات اجتماعية اقتصادية بالأساس.
لقد أصبح السياسي اليوم يقوم بدور فقيه الأمس، فإذا كانت المعرفة الدينية في السابق حكرا على العالم/ الفقيه الذي يتموضع مكانيا في المسجد أو بالأحرى في الزاوية، فإننا اليوم نجد أن هذه المعرفة أصبحت من نصيب الفاعل السياسي المشرع ، ولا نقصد بالفاعل السياسي إلا صاحب السيادة، فهو صاحب الحل والعقد وهو الآمر والناهي، وعليه فأحكام التحليل والتحريم، أصبحت من وضعه، إذ لا شريعة ولا تشريع إلا ما أقره المشرع صاحب السيادة، وما يمكن أن يشرعه هذا المشرع لا يمكن ان يسير ضد المصلحة العامة وبالأحرى الخاصة.
إن مصلحة الدولة كمصلحة عامة توضع فوق كل اعتبار، وهنا يتدخل المشرع الديني الذي هو في الحقيقة مشرع سياسي، ليراعي المصالح العامة والخاصة أيضا في فعله التشريعي. بهذا المعنى لم يعد التحليل والتحريم دين وإن كان دينا، بل أصبح سياسة، وبَيِّنٌ أن هذه لعبة المصالح بامتياز.
هكذا تبدو الحاجة إلى التحريم كما التحليل، ليس حاجة وليدة الرهان الديني وإن كانت الدين مرجعيتها الظاهرة، بل إنها حاجة سياسية واجتماعية تقتضيها التوازنات المصلحية، إلى درجة أن المعرفة الدينية أو المعطى الديني سيكون له إسهاما اقتصاديا ليس له مثيل، من خلال الحض على العمل مثلا، وهي الفكرة التي دافع عنها بقوة ماكس فيبر كما أشرنا سابقا.لكن هل هذا يعني القضاء على التحريم؟
حاصل القول، إن هدفنا هنا ليس هو القضاء على مشروعية فعل التحريم، وإنما غرضنا تحصيل الوعي بتهافته، وهذا لا يتم إلا من خلال التأكيد على طابعه السياسي المصلحي، وحينما يصبح المحرم(الطابو) وَهِنًا، حينئذ سترفع حُجُب المصالح السياسية وسنعود إلى الأصل، ومعلوم أن الأصل في الأشياء هو الإباحة.لكن كيف سنرفع حجب المصالح السياسية المادية؟ هذا هو بالضبط ما يستوجبه سؤال العمل التاريخي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله