الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصاصات سيلوسية 16 : من الملكية الخاصة الى الاشتراكية

سيلوس العراقي

2018 / 4 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ان التوراة كمصدرٍ مهمّ للوصايا ولتعليم شعب اسرائيل، توصي، بل أنها تؤكد، على العناية والاهتمام بالمعوزين وبالفقراء من بني اسرائيل أو من الغرباء من غير بني اسرائيل، ويمكن أن نرجع مثلا الى لاويين 23: 22

واذا حصدتم حصيد أرضكم فلا تحصدوا أطراف حقولكم ولا تجمعوا لقاط حصيدكم بل أتركوه للمسكين والغريب

لكنها لم توصيَ أو تأمرَ بأن يكون مشتركًا كلّ ما تملك مع الآخرين ويجب مشاركتهم بما تملك. لا بل يبدو على العكس من ذلك، باعتبارها ما يمنحه ويهبه الله للشخص على أنه مُلكًا شخصيًا خاصًا ففي خروج 20: 17 من الواضح أن لكلّ ملكيته الشخصية والخاصة التي لا يمكن الاعتداء عليها بأي شكلٍ من الأشكال حتى من خلال اشتهاء الملكية الخاصة للآخر من خلال الوصية العاشرة القائلة : ـ

لا تشته بيت غيرك، لا تشته امرأة غيرك ولا عبده ولا جاريته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئًا (من أملاكه الخاصة) ممّا له

كما أن كتب الأنبياء أيضًا توصي الشعب بالفقراء والمعوزين والأرامل والأيتام وبضرورة إعانتهم وعدم تركهم في عوزهم وحاجتهم، ومن الواضح أيضًا وبشكل يتكرر كثيرًا تركيز الأنبياء على أعمال الصدقة والعدل، لكنهم لم يتطرقوا بأن على المؤمنين أن يتركوا كلّ شيء يملكونه، وكذلك يسوع المسيح لم يأمر بذلك بشكلٍ عامٍ صريح بأنّ كلّ شيءٍ يملكه المؤمن يصبح مشتركًا للجميع
لكن نرى كتاب أعمال الرسل يقدم صورة جديدة لطريقة وأسلوب العيش بين المؤمنين الأوائل بيسوع كمسيح. فنقرأ في أعمال الرسل 2: 44 ـ 45

وكان المؤمنون متحدون، يجعلون كلّ ما عندهم مشتركًا بينهم. يبيعون أملاكهم وخيراتهم ويتقاسمون ثمنها على قدر حاجة كلّ واحدٍ منهم

ما يبدو كمجتمعٍ مثاليّ طوباوي (اوتوبي) بقيام أعضاء الجماعة الذين يضعون كلّ ما يملكون في شراكة تامة مع الجماعة

ان هذه الصورة المثالية والطوباوية تمثل التعبير الواضح للمفهوم العبري لما يسمى بالحبّ لاسرائيل أو حبّ اسرائيل ـ أهافا يسرائيل ـ الذي مارسته الجماعة اليهودية الأولى التي آمنت بيسوع في القرن الأول للميلاد

والسؤال الذي لا بدّ منه كيف بدأت هذه الممارسة واستنادًا الى أيّ شيء قدّم أتباع يسوع المسيح في جماعة المؤمنين الأوائل ممتلكاتهم وبالتالي مارسوا أسلوب حياة مشتركة بين أعضائها لم يكن معروفًا في أوساط عامة الشعبِ كوصيّة كتابية غير متوفرة ؟ من أين استمدوا هذا التعليم الطوباوي المثالي في الشراكة؟

من المرجح إن لم يكن من المؤكد أن المصدر الوحيد لهذه الممارسة، في أرض اسرائيل في زمن يسوع وزمن الجماعة الأولى في اسرائيل، ولأسلوب الحياة الجديد هذا، قد تم اكتسابه من قبل جماعة يهودية انوجدت منذ قبل مولد يسوع وكانت معروفة خلال حياته وفيما بعد استمرت حتى بعد موته، وهي الجماعة المعروفة باسم ـ الأسينيين ـ التي يذكرها المؤرخ فلافيوس يوسيفوس التي مارست أسلوب الحياة هذا في كتابيه
The Jewish War 2.122, Antiquities of the Jews.18.20
فيوضح يوسيفوس بأنه لا يمكنك أن ترى عضوًا في هذه الجماعة يملك أكثر ممّا يملكه عضوًا آخر، ومن يدخل في هذه الجماعة يُسلّم للجماعة كلّ ما يملكه، فممتلكات كلِّ واحدٍ تصبح مُلكًا للجماعة، وبطريقة أخوية يؤسّسون مصدرًا لهم جميعًا كما أنه لا وجود لخدمٍ أو عبيدٍ لديهم بل يقومون بكلّ الخدمات اللازمة في الجماعة بأنفسهم

فيبدو أن ممارسة الحياة الاشتراكية هذه في الجماعة الأولى (أعمال الرسل 2: 44 ـ 45) ليس من المرجح فقط انها مقتبسة من جماعة الأسينيين بل تثير إحتمالا كبيرًا الى أن عددًا من الأسينيين قد إنضموا الى الجماعة اليهودية المسيحية وبثوا فيها هذه الممارسة (الاشتراكية) الأسينية

والى القصاصة السيلوسية القادمة :








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توضيح
معلق قديم ( 2018 / 4 / 23 - 18:16 )
أستاذ سيلوس..سلاما وتحية تقدير

كتبت:
((( يسوع المسيح لم يأمر بذلك بشكلٍ عامٍ صريح ..)))
ثم جاء التساؤل:
(((كيف بدأت هذه الممارسة واستنادًا الى أيّ شيء قدّم أتباع يسوع المسيح في جماعة المؤمنين الأوائل ممتلكاتهم وبالتالي مارسوا أسلوب حياة مشتركة)))
ثم حدّثتنا عن الاسينيين بحيث قد يستخلص من كلامك بأن هذه الظاهرة لم يمارسها المسيح نفسه لكن اضافها المسيحيون الأوائل إلى التعليم المسيح

دعني أجاوبك بأن هذه الـ(اشتراكية) مارسها أيضا المسيح نفسه مع الرسل وسأعطي ثلاثة أمثلة لتوضيح الأمر:
* ما أوصى به الشاب الذي أراد الكمال فقد نصحه: بع كل ما تملك واعط ثمنه للفقراء ثم احمل صليبك واتبعني
* احساس المسيح بالمسئولية المادية عن جماهير التابعين حين معجزة توزيع الخبرات والخمس سمكات على الجموع
* وجود كل مال يسوع وتلاميذه في كيس واحد في يد يهوذا

إذن عبارة: (((لم يأمر المسيح ..))) صحيحة تماما ولكن يجب الالتفات إلى دقة التعبير السيلوسي واستخدامه (((بشكل عام...صريح))) ليتضح المعنى..مارس لكن لم يأمر كل الناس(بشكل عام صريح) فهي تخص جماعات بعينها

في انتظار قصاصات سيلوسية جميلة مفيدة قادمة


2 - الى الاخ المعلق القديم
سيلوس العراقي ( 2018 / 4 / 23 - 18:38 )
انا اعتقد انه لم يمارس هكذا تنظيم للملكية في جماعة تلاميذه
خاصة انه كان هناك بعض النسوة اللواتي كن يساعدن حركة يسوع باموالهن
لكن لم يكن كل شيء مشتركا مثل الاسينيين
لا في تعليمه ولا في ممارساته مع الاخرين
مع انه أوصى بالفقر والزهد لمن يريد يتبعه شخصيا
لكن الاسينيين كانوا حركة اقدم منه
ربما تاثر الاوائل بهم او كانوا من ضمن الجماعة سابقا
علما بان عملية التشارك بكل شيء لم تدم طويلا
فاخذت فترة قصيرة نسبيا لتشتتهم فيما بعد
ولم ياتي اي ذكر منذ ذلك الوقت لغاية اليوم لمثل هكذا اسلوب اشتراكي للجماعة في العيش لانه صعب التحقيق عمليا
علما بان بولس لم يتطرق الى ذلك
اعتقد ان الجماعة التي مارستها بحسب كتاب الاعمال كانت اسينية وحاولت ان تمارس او تنقل اسلوب حياتها الاسينية الى الجماعة الجديدة لكنها لم تفلح وبقيت ذكرى فريدة ونادرة لم تستمر
على كل حال
علما ان هناك تاثيرات اسينية اخرى في العهد الجديد
مع الشكر لمرورك وتعليقك المهم
تحياتي

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا