الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يعني أن تكون مُتسائلاً، ولماذا المُتسائِل مُحارَب؟

نورس كرزم
باحث وموسيقي متخصص في علم الدماغ والأعصاب

(Dr. Nawras Kurzom)

2018 / 4 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سأقدم فيما يلي فهمي لماهية التساؤل، ولماذا من المهم –بل من المُلح- أن نطور أفراداً متسائلين، وأن نشحذ فينا سمة التساؤل. من المعروف أن الكائن البشري بطبعه مُتسائِلٌ، فهو من الكائنات الحية الذكية، والتي تطلب تطوير ذكائها عدة ملايين من السنين. إلا أن العديد منا، وفي عدة مجتمعات، يفقدون هذه الملكة تدريجياً لعدة عوامل، أهمها تردي جودة النظام التعليمي، سواءاً في المرحلة المدرسية أم في المرحلة الجامعية، واتخاذ التلقين وسيلةً للتعليم والتعلّم، حيث يتكاسل المعلّم عن أداء مهمته التربوية في خلق أفراد متسائلين، كما هو الحال للأسف في بلداننا العربية.

إن التساؤل ملكة فطرية للكائن الحي، إذا أوضحت الدراسات بأن التساؤل ملكة يمتلكها الأطفال منذ الصغر، فنراهم فضوليين بشأن المحيط، ويحاولون تحديد هويتهم بالمقارنة مع ما يكتشفونه يوماً عن يوم. إن الطفل إذا ما استمر على هذه الحالة، أما أن يصبح عالماً، فيلسوفاً أو ربما فناناً يعبر عن تساؤلاته بطريقة ناضجة لاحقاً. إلا أنه –وللأسف- يتم قمع هذه الملكة منذ الصغر، وينطبق هذا على نظم التعليم في الشرق أو في الغرب على حدٍّ سواء. فصانعو القرارات، لا يرغبون في العادة في أن يزداد أعداد المتسائلين، أولئك الذين من شأنهم أن يقلبوا الأنظمة الموجودة رأساً على عقب. لذا، نجد دائماً محاربةً شرسة تجاه المتسائل، فإما أن يتم إحباطه، أو أن يدرك هو ما يدور من حوله، فتزداد تساؤلاته وتنضج مقاربته للحياة، على النقيض مما أرادوا له.
وبعد هذا التقديم الموجز، أريد أن أقدم كيف أرى المتسائل. إن المتسائل هو ذلك الذي لم يخضع لأية فكرة أو قالب جاهز ومفروض عليه سلفاً، وتمتد تساؤلاته لتصل الأمور العلمية، الفلسفية، النفسية، وحتى الدينية. قد يكون المتسائل مختصاً في الفيزياء، ولكنه برغم ذلك يبقى متسائلاً في ميادين أخرى. وبرأيي الشخصي، فإن المتسائل هو من يرفض حتى تعريف نفسه بالعناوين الجاهزة. فالذي يدرس علم النفس، يُدعى بالأخصائي النفسي، والذي يدرس الفيزياء، بالفيزيائي، والطب بالطبيب، والهندسة بالمهندس، وإلى ما هنالك من تسميات. أما المتسائل فإنه يتمرد على هذه القولبة النمطية، ومن الممكن أن يدرس حقلاً معيناً، إلا أنه شمولي المعرفة، يرى في نفسه إنساناً شاملاً، لا كتاباً له عنوان وترقيم.

للمتسائل في نظري، خاصية أخرى تميزه. فهو ليس بذلك الإنسان الذي يعيش لحظته الحاضرة فقط، بل يعتبر نفسه امتداداً للماضي، وسيرورة نحو المستقبل. إنه ذلك الإنسان الذي يشعر بارتباطه بالشخصيات المتسائلة عبر التاريخ، و يعتبر أنه مجرد ضيف زائر على هذه الكرة الأرضية. قد تعجبه أفكار ومقاربات الآخرين، وقد يقرأ أمهات الكتب، ولكنه يحافظ على فرديته، من حيث كونه كائناً مستقلاً له كيانه الجسدي، الفكري والوجودي الخاص به.
من الأمور التي قد ترتبط بالمتسائل أيضاً، هو أنه يبدو في ظاهره غير مُنتمٍ، إلا أنه يعد نفسه منتمياً إلى البشرية جمعاء. فهو يدرك أنه جاء صدفةً وسيرحل عن هذا العالم يوماً ما، لذلك يحاول الإجابة عن تساؤلاته أثناء فترة تواجده القصيرة على هذه الكرة الأرضية. من المرجح في غالبية الحالات، وفي العديد من المجتمعات، أن يواجه المتساؤل نقداً، وربما هجوماً شرساً من المحيط، وهذا ما يستدعي منه الوعي ودراسة طبيعة البشر. لذا نجد أن أغلب المتسائلين والمتسائلات عبر التاريخ، مهتمون بشكل كبير بدراسة بواطن نفس الإنسان، وحتى وإن كانت طبيعة تخصصاتهم بعيدة عن هذا كل البعد. ونذكر منهم، على سبيل المثال، العالم الفيزيائي آينشتاين، والذي كانت له اهتمامات نفسية واضحة، والعالم نيكولاي تيسلا، والعالم الألماني فيخنر (الذي توجه من كونه مختصاً في الفيزياء إلى دراسة علم النفس لاحقاً)، والعالم ابن سينا، والفارابي، وابن رشد، وسواهم. إن صفة اللاانتماء التي يتسم بها المتسائل، عبر التاريخ، ترتبط بطبيعة فهمه الشمولي للعالم ولطبيعة البشر، لذا يشعر بأنه جزء من هذا الكون، وليس لطرفٍ معين فيه. قد يكون مصير المتسائل إيجابياً، بمعنى أن تتفتح قريحته الداخلية على الإبداعات، وتكون تساؤلاته مصدر إبداعه. وقد يكون مصيره سلبياً، أي ينكفئ على نفسه ليصبح عرضة للأمراض النفسية على أنواعها. لذا وجب الانتباه وتوعية المتسائل عبر التثقيف النفسي وممارسة أنواع التأمل التي قد تعينه على التغلب على وحدته.

ومن جانب آخر، فإن المتسائل إنسان حساس، ويدرس الأمور كما لو أنه أول من يطأ الكرة الأرضية. وهذا ليس من باب التكبر، وإنما من باب التفرد والاستقلالية، وعم التبعية لأي مذهب كان. إذن، لماذا لا نريد أن نرى مزيداً من المتسائلين؟ ولماذا يتكبد العلماء والفلاسفة كل هذا العناء كي يحصلوا على استقلاليتهم الفردية؟ ماذا سيحصل لو تركنا كل طفل يكتشف العالم على هواه (مع توجيه عام فقط وليش توجيهاً أيديولوجيا)؟ سنحصل حينها على مجتمع يعج بالعلماء، الفلاسفة، الكتاب، الشعراء، الفنانين، وهو ما لا تريده الأنظمة في غالبية الدول العربية، على ما يبدو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انه الدين
محمد البدري ( 2018 / 4 / 26 - 21:37 )
تكمن المشكلة في الدين لانه يقدم اجابات جاهزة يتبعها متطلباته السلوكية من صلاة وصوم وحج ... الخ يؤكد بها لهم انها حلا لاي مشكلة تصادف المؤمنين . يقول ادعوني استجب لكم ولم يقل اسألوا وابحثوا

اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجهز لنا أكلة أوزبكية المنتو الكذاب مع


.. غزة : هل تتوفر ضمانات الهدنة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. انهيار جبلي في منطقة رامبان في إقليم كشمير بالهند #سوشال_سكا


.. الصين تصعّد.. ميزانية عسكرية خيالية بوجه أميركا| #التاسعة




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الدفاع المدني بغزة: أكثر من 10 آلا