الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية بين الدفاع و الهجوم

عمرو البقلي

2006 / 3 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعودنا علي رؤية الصراع حول تلك الكلمة كثيرا و خاصة في المحافل الفكرية التي يكثر فيها التجاذب بين فريقين هم دائما علي عداء فكري و هم في الغالب العلمانيون بكل تيارتهم السياسية و في مقابلهم الأسلاميون , حيث دائما ما يكون أحدهم في حالة الهجوم (و في الأغلب هم الأسلاميون) و الأخر يكون في حالة الدفاع (و هم العلمانيون) و كثيرا ما تنتهي المناقشات بتكفير العلمانيون و إتهام الأسلاميون بالرجعية و الأصولية و ما شابة .

ربما لا يزال هناك إختلاف حول تعريف العلمانية حتي بين العلمانين أنفسهم فضلا عن مغالطات الأسلاميين من الناحية الأكاديمية و السياسية حيث يعرفها العلمانيون أحيانا بفصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية و أحيانا بفصل الدين عن الدولة و يعرفها الأسلاميون بأنها المرادف لللادينية التي حتما هي دعوة الي الكفر .

و هناك أيضا إختلاف في إعادة الكلمة الي أصلها حيث يراها البعض عِلمانية بكسر العين نسبة للعلم أي التفكير بالمنطق العلمي و البعض الأخر يراها عَلمانية بفتح العين نسبة للعالم أي التفكير في الحياة بعيدا عن الكهنوت الديني و المنطق الديني في تفسير الظواهر و العلم .

و أيا كان الأختلاف في إرجاع الكلمة إلي مصدرها ففي النهاية هي تؤدي الي معني واحد إتفق علية أخيرا فلاسفة العلمانية المصرية و علي رأسهم الدكتور مراد وهبة و هي الحكم بالنسبي علي ما هو نسبي و هنا بدأ تبلور تعريف ربما يفض الأختلاف و الصراع بين المتصارعين سواء علي التعريف أو علي تفسير العلمانية بشمولها كطريقة تفكير و منهج لإدارة الدولة .

و يظهر لنا جليا أن تلك الدعوي الجائرة التي يرفعها الأسلاميون في وجهه العلمانيون ما هي إلا مغالطات فكرية لأنها تتعلق هنا بضبظ لمفهوم حددة العلمانيون أنفسهم و خاصة في شقها السياسي و هو أن الدولة لابد أن تكون بعيدة بعدا كاملا في تعاملاتها مع المواطنين عن أي تمييز ديني قد يضير بفئة من فئات المجتمع لمجرد أنها مختلفة عن الأغلبية الدينية إختلافا عقائديا أو مذهبيا .

و تستمر المغالطات الفكرية في تصوير العلمانية بأنها معني لللادينية و في هذا تجني كبير حيث من الممكن أن يكون هناك مسلم علماني و مسيحي علماني و يهودي علماني و ملحد علماني حيث أن الدعوة العلمانية هنا تتعلق بطريقة التفكير العلمي و في شكل الدولة و طريقة إدارتها حيث أن الدولة في تعريفها السياسي هي مجموعة العلاقات التي تربط بين الأفراد و ليس كما يعرفها الأسلاميون بتعرفيهم المغلوط بأنها مجموعة من الأفراد و كفي حيث يسقطون تصورهم القبلي للجماعات علي التصور العلمي لفكرة الدولة , و من هنا يبرز الخلاف الذي في اساسة هو إختلاف بين تعريف علمي و تعريف مغلوط يراهن أصحابة علية إستغلالا لجهل العامة بتعقيدات التعريفات العلمية و السياسية .

و حتي و إن إفترضنا أن معني علمانية الدولة هو لادينية الدولة فتبرز هنا الأجابة التي في النهاية هي في مصلحة العلمانيين و هي أن الدولة في الأصل هي كائن إعتباري و ليس كائن حي يأكل و يشرب و يصلي و يصوم و يحاسب في النهاية أمام خالق , فتوصيف الدولة و كأنها فرد و تصنيفها الي دولة إسلامية و دولة مسيحية مثلا هو توصيف و تصنيف جائر لأنها في النهاية تحول الدولة الي شكل سياسي أكثر تخلفا من القبيلة بل يكرس ثقافة الحاكم الفرد و الفئة المستبدة التي تستبد بفئات المجتمع الأخري لمجرد أنهم مختلفين معهم عقائديا أو مذهبيا .

و يبرز إتهام أخر لدي الأسلاميين و هو أن الفكر العلماني هو فكر مستورد من الغرب الذي يختلف عن بيئتنا و ثقافتنا و ظروفنا التاريخية و الدينية إختلافا كاملا , و هنا ايضا تظهر الأجابات التي في رأيي من المفترض أن تكون منطقية و عقلانية و سأسردها في نقاط :-

أولا: تاريخ الخلافة الأسلامية لم يختلف كثيرا عن التاريخ الأوربي من ناحية العلاقة (الدينية-السياسية) حيث كان دائما و لا يزال هناك علماء السلطان الذين دائما ما يبررون تصرفات الحكام بتبريرات دينية و يصبغون عليهم الصبغة الدينية حتي يستمر سلطانهم في مواجهة الشعوب بل تبلورت تلك السلطوية الدينية في الغالب في صورة مؤسسات تابعة في النهاية الي السلطان ينصب فيها من يشاء و يعزل عنها من يشاء و لعل القصص المتواترة لتاريخ الأئمة الأربعة هي خير دليل علي ذلك, بل سأذهب إلي مثال قريب جدا و هو الدكتور سيد قطب أحد أهم منظري الفكر الأسلامي في العصر الحديث حيث إعتبرة الأزهر (التابع للدولة في وقتها و لا يزال) مارقا و كافرا و إعتبر كتابة الشهير "علامات علي الطريق " كتابا مضلل لا يجوز الأخد بة في الفكر الأسلامي .

ثانيا: الثقافة المصرية علي مدي تاريخها هي ثقافة متسامحة تقبل الجميع و ابلغ دليل علي ذلك علي مر العصور تعدد الألهة في مصر القديمة و غياب التعصب بين أتباع الألهة المختلفة , ثم عصر الدولة الرومانية التي تعرض فيها المصريون المسيحيون لضغوط كبيرة من جانب الدولة الرومانية قبل أن تتحول رأس السلطة إلي المسيحية ثم دخول العرب إلي مصر و تفضيلهم (كما يدعي الأسلاميون) للعرب المسلمين الوافيدن عن حاكمهم المسيحي الذي ينتمي لدين الأغلبية المصرية في ذلك الوقت و هو المسيحية , ثم نأتي للحقبة الليبرالية التي قبل فيها شعب مصر بعد ثورتة في عام 1919 أن تشكل وزارة يكون فيها مسيحيون و يهود مصريون رغم أن الأغلبية الدينية و لا تزال هي أغلبية مسلمة , و هذا إذ يظهر فإنة يظهر تفوقا مصريا خالصا من ناحية التسامح الديني لدي الشعب المصري و يؤكد ميل الشعب المصري للعلمانية التي تسمح للجميع بالوجود في ظل نظام تعددي يمثل فية كل أطياف الشعب تمثيلا سياسيا و ليس طائفيا .

ثالثا: أن الفكر الوهابي الذي يعتمدة الأسلاميين (و هو بالطبع الفكر الوافد علي المصريين و ليس الفكر العلماني المتأصل في ثقافة المصري منذ القدم) هو تفكير طائفي حيث أنة لا يكتفي بتقسيم البشر ما بين مسلم و كافر بل أنة يقسم الأغلبية و الأقلية السياسية الي أقلية و أغلبية دينية حيث يري بمعادلة بسيطة أنة بما أن معظم سكان مصر من المسلمين إذن لابد أن يحكم الأسلاميون , في صورة إنتقائية تنفي الأخر تماما لمجرد أنة إختلف في شئ يخضع للنسبية و هو السياسية حتي لو كان من أبناء جلدتة .

في النهاية أري أنة من الضروري بل و من الواجب علي كل مصري أن يبحث عن دولة تسع جميع المصريين بمختلف إتجهاتهم الدينية و السياسية لا دولة تنفي الأخر و تعتبر المخالف حتي من أبناء الدين الواحد هو كافر أو خارج عن الملة أو منكر لمعلوم من الدين بالضرورة .

لابد من البحث عن دولة تسع الجميع و هذا لا توفرة سوي الدولة العلمانية الديموقراطية التي تعطي تمثيلا للجميع و تضع معيار الكفاءة و المواطنة , المعيار الأول لأختيار ممثلي الشعب و ليس الطائفية أو القبلية أو أي إنتماء أخر يضع مصالح شخصية فوق مصلحة مصر العليا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟