الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الإلحاد النضالي

إبراهيم يونس

2018 / 5 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يتجه البعض للتبشير بالإلحاد، ما يُسمي (بالإلحاد النضالي) أي النضال من أجل الإلحاد، وفي الحقيقة، هؤلاء ليسوا إلا أداة للبرجوازية.

قامت الثورة البرجوازية كاسرة النظام الإقطاعي، وقد كسرت معه عاموده الأساسي (الدين)، ولكنها عادت مرة آخري للدين، وبذلك تكون قد فشلت البرجوازية في مهمتها التاريخية المتخصصة بالدين، وأقصد هنا : التنوير، وذلك ينبع من تناقضات البرجوازية نفسها، ولأنها وجدت في الدين، شئ يمكن إستغلاله، سواء كعبائة للغناء الفاحش من جهة والفقر الموحش من الجهة الأخري، وأن هذا كان مشيئة الله، وبذلك تستخدم البرجوازية الدين أحط إستخدام، تستغله لتغطي الصراع الطبقي الواقع بين الطبقات، وتُعطي بذلك للنظام الطبقي صبغة دينية، مُنظرين بأن الله قد خلق المجتمع هكذا، طبقات فوق طبقات، وأن علينا أن نوافق علي مشيئة الله تعالي، وأن لا نرفض هذا النظام الطبقي، لأنه الله من وضعه.

إذاً ومع فشل الثورة/الطبقة البرجوازية في التنوير، وإستغلالها له أحط إستغلال، خاصة في دول الأطراف (دول العالم الثالث)، تندرج إذاً مهمة التنوير علي قائمة المهام الموكلة تاريخياً إلي الثورة الإشتراكية، أي الطبقة العاملة وحزبها وحلفائها. (وهذا ليس موضوعنا ولن أخوض فيه لعدم الإطالة).

لا أود مناقشة فكرة الله والدين، لأن ذلك ليس هدفي، وإنما هدفي أن أبين أن النضال ضد الدين (الأن) لا يؤتي ثمار.

ينقسم المجتمع إلي بنيتين، البنية التحتية والبنية الفوقية، والبنية التحتية يُقصد بها الإقتصاد، أي النظام الإقتصادي الذي يسير به مجتمع ما من المجتمعات، وهنا نقصد النظام الإقتصادي السائد في تلك الحقبة التاريخية التي نواكبها الأن : النظام الرأسمالي. ... والبنية الفوقية يُقصد بها الثقافة والفن والدين والأدب والموسيقي إلخ... وتكون البنية الثانية إنعكاس للأولي، أي أن البنية الفوقية هي إنعكاس لنظيرتها التحتية، أي أن الثقافة والدين والأدب إنعكاسٌ للإقتصاد، فالإقتصاد هو دائماً الأساس، وهو المؤثر الأول (وليس الوحيد) في تطور المجتمع وتغيراته، وهو أيضاً يساهم بشكل كبير في تكوّن ثقافة المجتمع، أي البناء الفوقي.

ننتقل إلي موضوع النضال ذاته؛ للنضال شقين، وهم في الأصل وحدة واحدة، وينقسم النضال إلي نضال يهدف الي تغيير البنية التحتية، أي تغيير النظام الإقتصادي القائم، ونضال آخر يهدف إلي تطوير البنية الفوقية، أي تطوير ثقافة المجتمع، ولكن كما ذكرت سابقاً هم في الأصل نضال واحد؛ فالبنية التحتية تخلق لنفسها بنية فوقية، والبنية التحتية تؤثر في البنية الفوقية، وكذلك فالبنية الفوقية تؤثر في البنية التحتية، أي أن النظام الإقتصادي والإجتماعي القائم يؤثر في ثقافة الشعوب، وكذلك فثقافة الشعوب تؤثر في النظام الإقتصادي والإجتماعي القائم.

والنضال يكون نابعٌ عن إيديولوجيا، وكما قلنا أن الحقبة التاريخية التي نعيش بها نظامها الإقتصادي (بنائها التحتي) هو النظام الرأسمالي، فهنا يكمن النضال للضد، أي للنظام الإشتراكي، ولا طريق نحو الإشتراكية غير الطريق الماركسي؛ أما النضال علي صعيد تطوير البنية الفوقية فله معاييره، فهو يتلخص في تقديم نموذج ثقافة تقدمي، بديلٌ عن هذا الرجعي الذي نعيشه.

يجب أن يكون النضال منقسم بين النضال من أجل تغيير النظام الإقتصادي (البنية التحتية : التي تُشكل الثقافة) وبين النضال من أجل تطوير البنية الفوقية (الثقافة) لتساعد وتخدم في تغيير البنية التحتية.

ما يفعله ملحدون اليوم (وليس جميعهم)، هو لا شئ أكثر من محاولة تعيسة لإزالة جزء لا يتجزأ من البناء الفوقي للمجتمع الحالي ألا وهو الدين، وهم بذلك يقتصرون النضال علي جزء واحد، لا أقوله أنه لن يتأثر ولكنه في مضمونه لن يتغير، فسيظل الدين عامود من عواميد المجتمع الرأسمالي خاصة في دول الأطراف؛ وبذلك يكون قد سقط هؤلاء في مسألة تخطتها البشرية منذ سنين، فالنضال الأن إما أن يكون موجه بشكله الأساسي نحو تغيير النظام الإقتصادي والإجتماعي لذلك المجتمع، وبشكله الثانوي في الأخذ بيد الجماهير وتقديم تحليلات علمية للدين، وهنا أقصد دراسة الدين بطريقة علمية، ودراسة النص الديني بطريقة تاريخية، وأن نُظهر عن طريق التحليل العلمي، الجانب التقدمي في الدين، الجانب الذي يحث علي المقاومة، مقاومة الإستغلال.

وكل نضال له جمهور/طبقة يصب هذا النضال في مصلحتها، فعليك أن تحدد إنتمائك الطبقي وموقعك النضالي في المجتمع، فإما أن تكون مع البرجوازية وتناضل من أجلها، وإما أن تكون مع البروليتاريا (الطبقة العاملة) وتناضل من أجلها؛ ويُعلمنا التاريخ أن الطبقة المُستغَلة هي الطبقة الثورية، وهي التي ستنتصر في الصراع الطبقي في النهاية، وكما إنتصرت البرجوازية علي الإقطاع فستنتصر الطبقة العاملة علي الرأسمالية، هذا أمر يُقر علم التاريخ فيه بأنه حتمي.

إن من يعادي الدين، يعادي الشعب، هكذا قال قائلٌ (لا أتذكر من)، وهكذا كان صادقاً في قوله، فهل الأولوية أن نناضل من اجل تحسين ظروف الحياة، من أجل أن ننتزع المأكل والمشرب والمسكن والحياة من سالبيها (البرجوازية)، أن نناضل لتغيير هذا النظام الطبقي الذي صنع من البشر آلات تعمل بدون أحاسيس وجردها من مشاعرها، أن نناضل ضد هذا النظام الإقتصادي الذي خلق منا طبقة عاملة مُضطهَدة وطبقة برجوازية مُضطهِدة، أن نناضل ضد هذا النظام الذي رَكز الثروة في يد حفنة من اللصوص، رَكز الثروة في يد ١٪ من سكان العالم، وعلي الجانب الآخر ٩٩٪ يتزبزبون بين طبقة وسطي وفقرٍ موحش، ... أم أن نناضل ضد الدين ؟ وماذا سيفيدنا النضال ضد الدين في مجتمع لا يجد شعبه الطعام ليأكل، لا يجد كرامة في العيش ؟ وماذا ستستفيد الطبقة الثورية (البروليتاريا/الطبقة العاملة) - الأن في ظل نكستها - من النضال ضد الدين ؟ أم أن المستفيد هو البرجوازية ؟

إن - تمييع - النضال من أساليب البرجوازية، فكما إستغلت الدين لتستر إنتهاكاتها للبشرية والإنسانية، فهي تستخدم أولئك الذين لا يملون من نقد شئ آخر غير الدين في - تمييع - النضال، وخلق إنحراف في مسيرة النضال، لأننا إذ ناضلنا ضد الأساس، النظام الإقتصادي والإجتماعي، فسنكون بذلك نناضل ضد البرجوازية نفسها وضد نظامها اللاأدمي؛ وهكذا يتشتت النضال، وهكذا يخدم مناضلي الإلحاد الرأسمالية سواء كانوا قاصدين أو لا.

أريد أن أنوه أن الدور التقدمي الذي يلعبه النضال ضد البرجوازية، من ضمن ساحات نضاله الدين أيضاً، ولا أعني بكل ما قلته سابقاً أن لا نتناول الدين بشكل نقدي (وذلك في إطار إظهار الجانب التقدمي/المقاوم)، فإن هذه العملية يجب أن تهدف كما ذكرت لدحض الغلاف الرجعي الذي صاغه - الفكر الديني - للدين، وليس نفي الدين، ويهدف النقد إلي إظهار جانب الدين التقدمي، جانب الإعتراض علي الفقر والذل والإستغلال، وهنا في ساحة الدين يجب أن أنوه عن - رئيسية وأولوية - نقد الفكر الديني، وليس الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال


.. القوى السياسية الشيعية تماطل في تحديد جلسة اختيار رئيس للبرل




.. 106-Al-Baqarah