الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية إيرفنج: بين حدود السياسي.. والمطلق الديني..؟!

هاني نسيره

2006 / 3 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من ثلاثة شهور فقط تفصل بين قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم التي نشرتها صحيفة «يولاندز بوستن» الدنماركية في نهاية سبتمبر الماضي، والتي تتواصل نتائجها حتى الآن، أعمال شغب في عدد كبير من البلدان الإسلامية تسببت بوقوع قتلى وبأضرار جسيمة ثم إقالة مسؤولين كبيرين في إيطاليا وليبيا، وبين حكم احدى المحاكم النمساوية على المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفنج، البالغ من العمر ثمانية وستين عاما بالسجن ثلاث سنوات بتهمة معاداة السامية في العشرين من فبراير الماضي. لكنها تكشف عن فارق جوهري في الموقف من مسألة الحريات في أوروبا، فقد أصدرت فرنسا مثلا ما يعرف بقانون «فابيوس ـ جيسو» الصادر استثنائياً في العام 1990، وهو يقضي بمعاقبة من ينكر محرقة النازيين لليهود (في غرف الغاز)، وفق قرار محكمة نورمبرغ لمجرمي الحرب، بالحبس لمدة سنة، بالإضافة الى غرامة مالية قيمتها ثلاثمائة الف فرنك فرنسي، وهو ما سبق أن تقدم للمحاكمة بمقتضاه المفكر الفرنسي روجيه جاروي، وهو ما حدث مع غيره مثل فصل البروفسور روبيرفوريسون منصبه في جامعة ليون، بسبب تشكيكه بوجود غرف الغاز، وهو ما أنكره إيرفنج بوضوح في كتابه «إنكار الهولوكوست» سنة 1994. كما أصدرت ألمانيا قانونا عام 1993 حظرت فيه إنكار المحرقة. ويحكم على مرتكب إنكار المحرقة بالسجن لمدة 5 سنوات. وربما يحاكم به الرئيس الإيراني نجاد بعد سعي بعض المنظمات الصهيونية لهذه المحاكمة عقب محاكمة إيرفنج في النمسا. وهو ما تكرر في باقي البلاد الأوروبية. ولا يعتبر هذا العمل إجراميا في الولايات المتحدة، وهو ما يجعلها مركزا إعلاميا للنازيين الجدد. بينما تجرمه كندا واستراليا وجنوب إفريقيا وغيرها. و هكذا فإن القانون الفرنسي والألماني والنمساوي مثلا لا يعاقب على انكار وجود المسيح أو الإساءة إليه، لكنه يعاقب على انكار المحرقة والهولوكوست. وهكذا يتفوق التابو السياسي «معاداة السامية» وإنكار الهولوكوست على أي تابو آخر لم تعد لأوروبا الحديثة نفس الحساسية المريرة تجاهه، بقدر ما تكوّن لديها تجاه الحكم النازي ومعاداة السامية المرتبطة به, وهو ما أحسنت بعض المنظمات استغلاله وجمع الآخرين عليه، وهو ما كان في لقاء عشرين رئيس دولة في السويد سنة 2000 فيما يعرف بالمنتدى الدولي حول الهولوكوست.
إيرفنج هل هي صدمة التاريخ!؟

بدأت حملات التشويه للكاتب والمؤرخ البريطاني ديفيد إيرفنج، المتخصص في دراسات الحرب العالمية الثانية وتاريخ أوروبا الحديثة منذ عام 1963، ثم مع عام 1977 مع كتابه «حرب هتلر» والذي أبدى فيه تبجيلا شديدا لهتلر، والذي قال في مقدمته «أي منحة وهبت للمؤرخين، حين كانت الآلهة القديمة تنكر وتستبدل، فما هي الحقائق الثابتة إذن، «وذكر» أنه لن يقرأ هتلر من خلال التصورات الجاهزة المعتادة، ولكن من خلال حقيقته، «فهو في رأيه مثلا أضعف حكام ألمانيا في القرن العشرين وليس الشائع عنه. كما أصدر كتابا آخر عن المذكرات السرية لطبيب هتلر، وله كتاب أيضا عن جوبلز العقل المدبر للرايخ الثالث، وآخر عن مذكرات أدولف هس تحت عنوان «السنوات المفقودة لهس من عام 1941 ـ 1945» الذي ظهر بعد 47 عاما من وفاة القيادي النازي في أحد السجون البريطانية، وكتابه «ذيل الثعلب» عن المارشال روميل وكيف تصوره البعض أعظم القادة العسكريين في القرن العشرين، وقد سعى إيرفنج لفك الاشتباك بين الأسطورة التي أحاطت بالرجل وحقيقته وغيرها من الكتب التي تتجاوز الاربعين كتابا بالإنجليزية والألمانية والأسبانية وترجمات أخري. ومحاكمات نورمبرغ، لكن يعد كتابه الأشهر «إنكار الهولوكوست» سنة 1994 هو المثير لكل الأزمات ضده، حيث ينكر فيه الهولوكوست صراحة ومستفيضا في أدلته، وقد ردت عليه الأميركية ديبورا ليبستيد المتخصصة في التاريخ اليهودي الحديث في جامعة إيموري فأصدرت كتابا في الرد على منهجه التشكيكي في التاريخ كما تراه من ثبات الهولوكوست يقينا، وقد اتهمته بأنه نصير لهتلر وداعية من دعاة النازية الجدد، وهو ما أثار إيرفنج في وقت سابق فرفع ضدها وضد الناشر قضية لكنه خسرها، وخسر معها مليون جنيه استرليني أتعابا لمحاميها، وقد تكفل بتلك الخسارة أصدقاؤه ومريدوه، فيما تواصلت معه المشاكل منذ هذا الكتاب حتى عرض بيته للبيع، وتعرضت أسرته كذلك للخطر، ورغم أن إيرفنج يعد أحد أكبر الباحثين في التاريخ النازي إن لم يكن أكبرهم، إلا أنه خسر الكثير من وراء الحملات اليهودية عليه، ورغم أن الحكم الذي صدر ضده في فيينا كان متوقعا بالنسبة له، إلا أن تراجعه في المحكمة عن تشكيكه في الهولوكوست ووجود أفران الغاز في معسكر أوشفيتز لم تشفع له، وهو ما جعله ينوي تأليف كتاب جديد بعنوان «حرب إيرفنج» قد يبلغ 600 صفحة كما ذكر في مقال له في يناير الماضي.

ولكن يبقى أن المنظمات اليهودية نجحت في إدارة معركتها أكاديميا وإعلاميا لحد كبير، ولكن كان النجاح الأكبر هو عملهم من خلال القانون وفي دائرته وصناعته، لا من خارجه أو ضد ثقافته، دون استراتيجية واضحة وكاملة للتعاطي مع ما هو مرفوض، فالمرفوض السيئ لا يطرده إلا المشروع المنظم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا