الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات العراقية ومغامرة التمسَّك بالهوية

مازن مرسول محمد

2018 / 5 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الانتخابات العراقية ومغامرة التمسَّك بالهوية
د. مازن مرسول محمد
مشهدٌ جديد يطل على المجتمعِ العراقي بعد انقضاء فترة الاربع سنوات المُنصرمة في ضرورةِ التجديد لمجلسٍ نيابيٍ آخر لاختيارِ حكومة تقود هذا المجتمع اما الى برِ الامان او الى هاويةِ الجحيم ، وبرزت على اثر ذلك صراعات الآراء والافكار وتجدَّد الحنين الى التشبَّثِ بالهويةِ مرة اخرى من خلال ِهذا الحدث الانتخابي ومقارنته بالانتماءِ والولاء لكلِ فردٍ في هذا المجتمع ، وتصارعت الذوات الحائرة بين اليائسين الذين وجدوا انه لا فائدة تُرجى من كلِ الساسةِ وقيادات الدولة والحكومة فعزفوا عن الخوضِ في التصويتِ على مُرشحٍ او كتلة او جهة معينة مرة اخرى وبقائهم في دورانٍ مُفرغ وتيهان عميق ، وبين من يحاولوا اقتناص الفرصة التي تمثَّلت بوصولِ موعد الانتخابات وكلَّهم هواجس للانتهاءِ من الوضعِ القائم وترميم الامور يقيناً الى الافضلِ ، وبين المُشكَّكين المُترددين الذين ذهبوا لصناديقِ الاقتراع لكن دون املاً قوياً بتحقيقِ الفائدة المُنتظرة ، لكن دفعهم لذلك الخوف من اللومِ وما يترك ذلك من غصةٍ في النفس ، وما تمثله هذه الممارسة من استدعاءٍ للوطنية لان تظهر ، والفئة التي حُدَّدت لها جهاتٍ معينة للتصويتِ عليها دفعتها لذلك المحسوبية والشُللية وصلات القربى والتوجَّهات الاثنية والطائفية ومصالح اخرى خروجاً عن الولاءِ والانتماء لوطنٍ واحد ومصلحة عامة .
نعم هناك صراعٌ شديد على مستوى الآراء والافكار والتطلَّعات والتكهنات والهواجس حول من سيقودِ البلاد مرة اخرى ، وهو صراع برزت فيه قوى التغالب على مستوى الواقع المادي الملموس ، اذ توجد هناك رغباتٍ بتغييرٍ جذري يطال كل من لم يُقدَّم فائدة تم الوقوف عليها لهذا المجتمع ، ورغباتٌ اخرى من الجهاتِ المُتنافسة لتحقيقِ الفوز الانتخابي بما تمتلكه من قوةٍ وثقل سياسي وقواعد جماهيرية اقتنعت او تم اقناعها بما ستفعله هذه الجهات .
قد يبدو الامر من ذلك انه مُتجهاً نحو توسَّع قاعدة هذهِ الكتل الكبيرة من ذوات القاعدة الجماهيرية المُستبسلة للتصويتِ لها ، وربما ستُفصح الصورة القادمة عن وجوهٍ جديدة سيبرز لها دوراً في السلبِ او الايجاب في المرحلةِ القادمة او تلتهما الكتل الكبيرة، لكن ما يهمنا هنا حالة البؤس واليأس التي مر بها وانعزل على اساسها فئة من المجتمعِ من الذين قاطعوا هذهِ الانتخابات ، فالمسألة لا يمكن ان تُعد مُجرد عزوف البعض عن التصويتِ بقدرِ ما هي مؤشراً خطيراً عن ما يدور في هواجسِ هذهِ الفئة ، لماذا لم تقتنع بمعاودةِ التجربة مرة اخرى ، هل نسيت حقها الديمقراطي ، هل هو هروباً من المسؤوليةِ، ام انه يأس والوصول الى مرحلةِ اللا جدوى بفعلِ ما تحقق على ارضِ الواقع والاصابة بخيبةِ الامل ؟ كل هذه تساؤلات تنم عن واقعٍ مؤلم ومستقبلٍ خطير ، فكيف ستتعامل هذهِ الفئة مع القادمِ في المرحلةِ التي ستُفصح عنها الانتخابات الاخيرة ، ان بقي الوضع على ما هو عليه سيُردَّد ربما هؤلاء المقاطعون في دواخلهم بانهم كانوا على حقٍ ، لكن تتصارع مع ذلك معطيات عدم ذهابهم لتغييرِ الواقع ربما كذلك ، ايضاً قد تُمثل مقاطعة الانتخابات انسلاخاً جبرياً للهويةِ بحكمِ ان المُقاطع جزءاً من هذا المجتمع ومن المُفترض ان يمارس حقه في التصويتِ لإزالة كل ضار والاتيان بما هو انفع له ، لكن اليأس من العمليةِ السياسيةِ جعل هذه الفئة تائهة لا تأمل خيراً بكل ما سيأتي وفق معطيات هم قد استنتجوها على أساسِ لسان حال المجتمع .
وكيف نرجو من فئةٍ رافضة للعمليةِ السياسية بشخوصها الاسهام في بناءِ مجتمعٍ واعلان الولاء المطلق لوطنٍ واحد وهوية متكاملة ، كيف سيُحقق المجتمع تطوراً وازدهاراً والبعض من الذين هم اساس بناءه قد انعزلوا عن التعاطي معه ؟
الاشكالية الكبيرة في واقعِ الانتخابات العراقية اليوم تكمن في محاولاتِ كسب الرهانات ، الفئة التي صوَّتت للقريبِ والشُللية والمصلحية والتحزبية تطمح في تحقيقِ النصر الانتخابي دون مراعاة لأهميةِ ووحدة وطن وبناء امة متكاملة ، والفئة المُتردَّدة التي صوَّتت لترميمِ جزءاً من جراحاتها وحتى لا تعلن الطلاق النهائي مع الهويةِ وما زالت تجتر البعض من مقوماتها ، والفئة المُنسحبة المنعزلة التي المَّت بها الظروف السابقة من ويلاتٍ وانتكاسات ولم تنساها فامتنعت عن التصويتِ وهو رفض للعمليةِ السياسية برمَّتها وفي مخيلاتهم اسس بنيوية وسياسية تختلف عن ما هو موجود ولو أُتيحت لهم الفرص لأفصحوا عنها ، فهؤلاء سيبقون بين مد ما سيؤول اليه الوضع القادم وجزر قراراتهم المصيرية بضربِ العملية السياسية ومقاطعتها والتبرَّع بالحقِ الديمقراطي واعتباره ضحكاً على الذقونِ والندامة التي قد يصابون بها ، اذ يُمثل ذلك لهم انسلاخاً عن الممارساتِ التي تُرسَّخ الهوية ، والفئة التي اعطت اصواتها ليقينٍ منها بتغيير واقع الحال الى ما هو افضل بدافعِ الهوية الراسخة والامل بتمتينِ اواصرها ببناءِ دولة ومجتمع بصورةٍ اخرى افضل .
وبينما تُمثل العملية الانتخابية ممارسة ديمقراطية هي بحكمِ انتصار الفرد لهويتهِ واعلان ترابطه الوثيق بجذورِ بلده ومجتمعه ، تبرز هذه التصدَّعات والتناحرات على مستوى صراع الهويات هذا وتتأرجح بين محاولات التوطيد لبلدٍ موحَّد والانجرار لهوياتٍ فرعية ذات ولاء شللي ومصلحي ومحاولات الانسلاخ الجبري بحسبِ انطباعات وقناعات البعض ، وكل ذلك من شأنهِ خلق الصورة المُتأرجحة للهويةِ العراقية ومحاولات التثبَّت دون التفتَّت ، هي فعلاً ممارسة اما ستفصح عن تجمَّعٍ هوياتي داخل هوية موحَّدة او تبعثرٌ هوياتي قد يقود المجتمع الى نهاياتٍ لا يُحمد عقباها ، ويقيناً ستكون الغلبة لصاحبِ الوجود المادي الملموس أياً كانت التوجَّهات نحو التفرَّد وتحقيق المصلحة الخاصة على حسابِ المصلحة العامة او النهوض الواعي نحو تحقيق هوية موحَّدة ترتفع لمستوى مصلحة المجتمع ككل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن