الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدسية الشيخ والبابا بقرار إداري , وليس بقرار سماوي !!

محمود الزهيري

2018 / 5 / 22
المجتمع المدني


إنتهي عصر النبوات وزمن الرسالات , وانقطع الوحي من السماء , وصار كل من يتعامل مع المقدس ليس بمقدس , وانتهت عصور الوهم وبيع صكوك الغفران , إلا أن هناك من يصر علي التربح من صناديق النذور , المرصودة في أماكن ظاهرة بدور العبادة , والتي لاتخضع لرقابة المجتمع أو الدولة , وبالرغم من الإقتراب من تخطي عتبات العقد الثاني من القرن الـــ 21 , إلا أنه مازال يوجد بيننا من يعمل بجهد ونشاط علي إعادة عصور بيع الوهم , وتقديس ما لايستحق القداسة والتقديس , فرجال الدين , علي الدوام , صنعوا لأنفسهم ذوات خاصة بهم , وكأنهم أعلي مرتبة من الناس , وكأن الناس خدام لديهم , وطائعين لأوامرهم ونواهيهم , وكأنهم أصحاب سلطات عليا تقترب من سلطات السماء المطلقة , فأوهموا الناس بأنهم يمتلكوا مفاتح الجنان , ومفاتيح أبواب جنة رضوان , وأنهم يحوزوا مفاتيح مالك خازن جهنم وسعير وسقر ؛ بغضبهم يدخلوا فيها من أرادوا , ويصنفوا الناس ويصفوهم بالكفر أو بالإيمان , بالطاعة أو بالمعصية , بالإيمان أو بالإلحاد , والسماء لاتقبل بذلك , ولاترتضي للناس كذلك , والأنبياء والمرسلين , لم يريدوا لأنفسهم أن يكونوا فوق الناس درجاً , ولا أعلي منهم قدراً , ولايمتازوا عنهم شيئاً , فكلهم سواسية كأسنان المشط , لايفرق بين إنسان وآخر إلا بالتقوي , والتقوي هنا ليست في مؤداها الديني الخوف والرعب من الله والرهب من ناره وسعيره , ولكنها تأتي علي مسار تقديس إحتياجات الإنسان التي تصرف عنه الجهل وتبعد عنه المرض وتطرد أسباب الفقر والتي تشل من حريته وإرادته ومحو كرامته في مواجهة معارف وصحة وثراء وحرية وكرامة وإرادة رجال الدين.
فمن الواضح أن رجال الدين كان لهم ما أرادوا , وصار للناس مالم يريدوا , فكان لرجال الدين القصور العامرة , والفيلات الفاخرة , والسيارات الفارهة والزوجات الحسان ذوات العدد والعدة , وكان للناس مالم يريدوا لهم أن يكونوا عليه .
رفض رجال الدين الزهد واختاروه للناس , ورفضوا التصوف ولباس الخشن من الثياب , وارتدوا الحرير وتزيوا بالديباج , واختاروا لأنفسهم زي يميزهم عن باقي الناس , وكأنهم سلطة علي الناس , بالتوازي مع سلطة الزمان , والمكان .
والفضائح تنال سلطان وسلطات رجال الدين , لأنها ليست ممنوحة لهم من السماء , ولكنها أعطيت لهم عطية , ووهبت لهم هبة , ومنحت لهم كمنحة من الحكام والملوك والأمراء , ليصيروا أعواناً لهم , وليباركوا إستبدادهم , ويبرروا طغيانهم , ويعملوا علي تثبيط الناس وتكسير عظام أولي الهمم , ليستمرأوا الفساد ويبثوا اليأس في نفوس الناس , ليظهروا ماهم عليه من فقر وجهل ومرض وجهل وفروق طبقية خطيرة , بأن هذا قضاء الله وقدره , وقدرته ومشيئته , وأنه لاراد لما أراد الله , حينما أراد لفلان أن يكون ملكاً حاكماً أو يكون هؤلاء لإرادتهم محكومين طيعين طائعين , وهاهم هؤلاء من تحدثوا بأحاديث الإمامة العظمي والإمامة الصغري , وهؤلاء وهؤلاء من رجال الدين من تحدثوا عن الطاعة للحاكم المتغلب بالسيف , وكفروا ولعنوا من يخرج عليه , وهؤلاء من برروا الصمت علي صنائع الحاكم وإن قتل الولد وهتك العرض وأخذ المال وجلد الظهر .. ألا تباًُ لهم ماكانوا ومازالوا يصنعون !!
ولذلك , فما زال رجال الدين يبتغوا التستر بالرتب الدينية , والقداسة والتفديس والفخامة والتفخيم , وارجعوا إلي كتب التراث لتقرأوا ماذا يسبق إسم المؤلف من صفات وأوصاف , يريد بها أن يلجم من يفتح أولي صفحات كتابه , ويجبره علي التصديق والتسليم ..
ومن الثابت أن الأنبياء والمرسلين تزكرهم الكتب المقدسة بأسمائهم , بلا تقديس لشخوصهم , ولاتعظيم لذواتهم :" قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ " .. فهذا عن محمد البشر الرسول وفي الأذان والإقامة يذكر الإسم بلا تعظيم أو تفخيم
"فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ "
" لاتطروني " .. " إنما أنا عبد: فقولوا عبدالله ورسوله "
والمسيح عيسى بن مريم ويُعرف أيضاً بيشوع بالعبرية و بيسوع في العهد الجديد، هو رسول الله والمسيح في الإسلام , ليس له تعظيم ولا تفخيم , والوارد أن المسيح عليه السلام ذكر إسمه في القرآن 25 مرة بإسمه بلا تعظيم ولا تفخيم , وكذا ذكر إسم محمد عليه السلام 4 مرات بلا تعظيم أو تفخيم !!
فلماذا يضفي رجال الدين علي أنفسهم بعض الكنيات والصفات ويقبلوا أن يوصفوا بالقداسة والشرف والتبجيل والتشريف , وكيف لهم أن يقبلوا بهذا !؟
لو كنت مكان شيخ الأزهر وبابا الأرثوذكس , لرفضت هذا القرار الصادر من المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام , فهذا القرار فضيحة ستكون مجلجلة , وسيقابلها الكثير بألوان من السخرية , والتي قد تصل إلي الإستهزاء , وحال نشر الخبر في الصحافة والإعلام بشأن تعظيم شخص الشيخ والبابا بالقرار الإداري الرقيم 26 لسنة 2018 بتاريخ 21 - 5 - 2018 والذي جاء منطوقه بالأتي : "على جميع القنوات التليفزيونية والشبكات الإذاعية العامة والخاصة، وكذلك الصحف القومية الخاصة يمنع تمامًا ذكر اسم شيخ الأزهر دون أن يسبقه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، وكذا ذكر اسم البابا دون أن يسبقه قداسة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية".
إلا أن وسائل التواصل الإجتماعي تلقت هذا القرار بألوان وأشكال من الإستهجان والرفض , والذي بلغ إلي حد السخرية والإستهزاء , وهذا لأسباب كثيرة تعود إلي أصحابها في النقد والنقض والسخرية أو الإستهزاء , وهذا مانرفضه ونشدد علي رفضه , ولكن صارت وسائل التواصل الإجتماعي تجمع الكرة الأرضية والكون في جهاز بحجم كف اليد , ليكون العالم كله مقيداً بإرادة من يحوز هذا الجهاز ليفرض عليه أراؤه وتصوراته وأفكاره الصائبة أو الخاطئة ..
ولو كنت مكان الشيخ والبابا لرفضت هذا القرار مرة أخري ولعملت علي إلغاؤه , والتبروء منه علي الملأ , لأن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف , ليس بأشرف ولا أقدس ولا أطهر ولا أعظم من النبي محمد عليه السلام !!
ولأن قداسة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية , كذلك :
ليس بأفضل ولا أشرف ولا أقدس ولا أطهر ولا أعظم من النبي عيسي عليه السلام !!
وأن الشيخ والبابا ليس لهما أي سلطان ديني أو دنيوي علي أي إنسان , إلا من ذهب إليهما طائعاً مختاراً , وبإرادته المنفردة , فالمواطنين مازالوا يعيشوا علي قدر من دولة المواطنة والمساواة في المواطنة , ويسعوا لتحقيق تكافوء الفرص والمساواة أمام الدستور والقانون المتوجب الخضوع لنصوصهما وقواعدهما وأحكامهما, وليس متوجب علي المطلق الخضوع لأي سلطة دينية سماوية صارت لها مراكز مصطنعة أو متوهمة علي الأرض ..
فهل الشيخ والبابا نالا قداستهما القدسية بقرار إداري , أم بقرار سماوي !؟
وبصدق : السماء كذلك , ترفض ذلك !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محمود الزهيري
نصير الاديب العلي ( 2018 / 5 / 21 - 23:54 )
بعد التحية
لي وجهة نظر في مقالتك
جاءت المسيحية لتزرع المحية بين اليشر واقول اذا تواصل رجل وفق هذا المفهوم بعطاء المحية فيستحق الاحترام ولبس التقديس وانا اجزم ان نسبة عالية جدا من رجال الدين المسيحي يتخذون طريق المحية مع الناس وان خطا البعض منهم فلا يحق لاحد محاسبتهم الا وفق القانون والنظام وتكون محاسبته شديدة يخسر فيها سمعته الدنيوية وابديته لانه خالف المحبة
مسالة التقديس مسالة نسبية واذا وصل الانسان الى تلك الدرجة المبالغ بها والتي لربما لا نصدقها نحن في المحبة فيستحق التقديس ولبس العبادة لاحظ الفرق بين المفهوميين
انت يا محمود في مفهومك هذا تخالف العادات واذا ما اردت ان تكون منصفا وليس معارضا في
مسالة التقديس عليك تقييم اعمال هؤلاء رجال الدين والكتب التي يتخذونها مصدرا
اعود لاقول ان مسالة الانصاف مهم جدا ويجب عدم احراق الكل بجريرة الباقين ونقطة اخري يجب جدا تقييم المصادر والتشريعات التي تعطى القدسية ومنها تستنيط الاعمال من دون اية تبريرات ايا كانت
تحية

اخر الافلام

.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط


.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق




.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا