الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي الاجتماعي وعناصر الزمن الثلاثة

عقيل عيدان

2006 / 3 / 20
المجتمع المدني


من العبارات الجارية على الألسن والشفاة عبارة الوعي الاجتماعي . فالوعي الاجتماعي ميزة الشعب الناضج الراشد ، وهو ضرورة لازمة للنهوض والتقدّم ، ولذا فهو في نظر الكثير مظهر من مظاهر حياتنا الاجتماعية.
والواقع أن عبارة الوعي، على اتساع مدلولها ، تتضمن في جوهرها معنى أساسياً ، وهو أن تنتظم في وحدة متماسكة لا فكاك لها ، عناصر الزمن الثلاثة : الماضي ، الحاضر ، والمستقبل . فليس الوعي وعياً إذا أغفل عنصراً من هذه العناصر. وأبسط مثال نسوقه على هذا مثالُ الرجل الفرد . فالفرد لا يمكن أن يُعتبر واعياً في موقف من المواقف إلاَّ حين يتناول بانتباهه المركّز وجودَه في هذا الموقف ، منسجماً مع وجوده التاريخي الذي سبق هذا الموقف ، ووجوده المقبل والكامن في حيّز الإمكان ، بحيث يستعين بالذاكرة وبملكة الإبداع لينسج من ماضيه وحاضره ومستقبله صورة واحدة لفكر واحد ، وعمل واحد ، وشخصية واحدة .
والنتيجة الطبيعية للفشل في هذه المهمة هي التناقض وعدم الإنتاج ، فهاتان الصفتان هما على النقيض تماماً من الوعي ، وهما الكاشف الصريح لانعدامه أو فقدانه .
والمجتمع كالفرد في هذا المجال ، فالأمة التي تعيش زمانها في عناصره الثلاثة هي الأمة الواعية ، وهي على العكس من هذا إذا نسيت ماضيها أو أغفلت التفكير في مستقبلها ، بحيث تفقد شخصيتها ويؤدي بها الارتباك إلى الوقوف والركود ثم التَّقهقر .
ومن الأفكار الشائعة أن للماضي في نظر العرب والمسلمين كثيراً من الأثر والاعتبار ، وأن فرط الاهتمام به هو الذي يسدّ عليهم طرق ومسالك التفكير في المستقبل . والحقيقة أن العرب والمسلمين أقل الأمم اهتماماً بماضيهم ؛ فما بهذا الماضي من مفاخر ومساوئ مَطويّ في النسيان ، إذ أن تاريخ أغلب الأعمال والمنجزات والرجال العظام فعلاً لا يتلقى شيئاً من عناية الدرس والإبراز والتخليد ، كما أن أخطاء الماضي لا تحظى بأي بحث مفيد.
وكل الأثر الذي يحدثه الماضي في العرب والمسلمين اليوم هو هذه النفحة العاطفية الخالية من أي مظهر من مظاهر الفكر النقدي الباحث .
لذا فإنه من الضرورة بمكان ، ونحن نعيش في فترة التحوّل الراهنة ، أن يوجّه العرب والمسلمين لماضيهم اهتماماً مرتكزاً إلى أساس من الفكر العلمي المجرد ، بحيث يكون ذلك نقطة انطلاق صحيحة نحو النهضة المنشودة . فما الماضي في الواقع إلاّ الطريق إلى المستقبل .
ولما كان واجب كلِّ أمة أن تقوم بنشاط حضاري يكون بمثابة إسهام جماعي صميم في بناء مدينة الإنسانية وإثرائها ، فإن على العرب والمسلمين أن يتناولوا الماضي من هذه الزاوية . بل يجب أن يخرج الفرد العربي من نطاق عيش حاضره الخاص ، والمتمثّل في شؤون الأنا الفردية ، لكي يرقى إلى عيش حاضر الأمة بأسرها ، حيث يبلغ مرتبة الشعور بالانتماء الاجتماعي الفعلي الذي يؤمن معه بأنه جزءٌ من كلٍّ متماسك ، فيأخذ في التجاوب مع معاني الإخلاص لمصلحة المجموع ، والتضحية في سبيل العلم أو الفن ونحوه .
إن النتيجة الطبيعية لإدراك الماضي والحاضر والمستقبل هي أن يتجسد للأمة كيان له شخصيته ومسؤولياته . وهذا الإدراك أو هذا الوعي الاجتماعي هو الأساس لتكوُّن الشعور بالانتماء الاجتماعي الذي هو مصدر كل نهضة حقيقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هيئة البث الإسرائيلية: الحكومة تدرس بقلق احتمال إصدار -العدل


.. الأمم المتحدة: هجوم -الدعم السريع- على الفاشر يهدد حياة 800




.. مصادر إسرائيلية: نتنياهو خائف جدا من احتمال صدور مذكرة اعتقا


.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام




.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف