الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل ٱلدولة عن ٱلدِّين

سمير إبراهيم خليل حسن

2006 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يطلب ٱلعلمانيون ٱلإنسانيّون فصل ٱلدولة عن ٱلدِّين. وبٱلمقابل يطلب ٱلطاغوت ٱلجاهل وكهنوته ٱلمجنون ٱستمرار هيمنتهم على سلطة ٱلدولة بزعم شريعة ودين.
فهل يمكن حقًّا فصل ٱلدولة عن ٱلدِّين كما يطلب ٱلعلمانيون ٱلإنسانيّون؟
وهل أنّ ٱلحقَّ فيما يزعم به ٱلطاغوت ٱلجاهل وٱلكهنوت من شرع ودين؟
إنّ ٱلتعليم بوسآئل لسانيّة محرّفة يأتى بمتعلِّم جاهل يشيط ويمتنع عن ٱلنظر فى ٱلحقِّ. وقد جآء لى قول عن ٱلتحريف فى كتابى ٱلثانى "منهاج ٱلعلوم" وفى مقالى "ٱلتحريف وأثره على ٱلإدراك". فكلمة "دين" محرّفة ٱلدليل بفعل ٱلطاغوت وكهنوته. وكنت فى كتابىۤ "أنبآء ٱلقرءان" قلت بما توصلت إليه من فهم أنّ كلمة "دين" تماثل فى دليلها دليل كلمة law ٱلانكليزية فيما تدلّ عليه فى ٱلقول substantive law. وهذا ٱلقول ٱلانكليزىّ نقلته ٱللّغة ٱلفصحىۤ إلى لسانها ٱلأعجمىّ بقول يلغو فى ٱلإدراك هو "ٱلقوانين ٱلموضوعيَّة" و"قوانين ٱلضَّرورة". ونقلت إلى لسانها كلمة religion ٱلتى تدل على ٱلترهب لتدلّ بها على كلمة دين. وهى بهذا ٱلتحريف ألغت روابط ٱلإدراك بين كلمة دين وٱلقول substantive law. أمّا ما يدلّ عليه ٱلقول ٱلانكليزى substantive law فهو ٱلسِّنّة ٱلتى تحكم وتحمى تكوين وحركة ووجود جميع ٱلأشيآء وهلاكها. فكلمة law يقرب دليلها من دليل كلمة "ناموس" فى لسان موسىٰ ٱلعبرىّ. وتدلّ على ٱلتخليق (ٱلتصميم وٱلتنظيم فى ٱللّغة) وعلى ٱلأمّة (ٱلسلوك ٱلمبرمج فى ٱلأشيآء). أما كلمة substantive فتدلّ على وجود شىءٍ حقٍّ. وهذا يبيّن أنّ للحقِّ ناموسه ٱلذى يحكمه فى وجوده وحركته وهلاكه. وهو ما كشف عنه نظر علمآء ٱلحقِّ وما عرّفوه بقولهم substantive law .
أما كلمة "دين" فقد جآءت فى ٱلِّسان ٱلعربىّ (ٱلقرءان) لتحلّ مكان كلمة ناموس ٱلعبريّة ٱلِّسان وتضمّ دليلها ٱلذى يبيّن ٱلتخليق وٱلأمّة ومعه دليل ٱلخضوع ودليل ٱلسجود. وبورود كلمة دين فى لسان ٱلقرءان ٱلعربىّ نُسِيَت كلمة ناموس.
وجآء فى ٱلقرءان بيان عن إسلام جميع ٱلأشيآء لهذا ٱلدِّين "إنَّ ﭐلدِّين عِندَ ﭐللّهِ ﭐلإسلامُ". وﭐلإسلام كلمة تدلّ علىۤ خضوع وسجود أشيآء ٱلحقِّ لهذا ٱلدِّين فى تكوينها وحركتها وهلاكها. وهذا يدلّ على سلطة فى وجود ٱلحقِّ يبينها ٱلقول ٱلعربىّ "دين ٱلحقِّ". وهو قول يضم فى دليله "ناموس ٱلحقِّ" substantive lawو"دين ٱلفطرة" ٱلذى يقاربه فى ٱلدليل ٱلقول ٱلانكليزىّ natural law.
بهٰذا ٱلفهم يتبيّن لىۤ أنّ ﭐلدِّين هو أشراط تحكم ٱلتكوين فى وجوده وحركته وهلاكه. وهذا ٱلفهم لا علاقة له مع ما يظنّه ٱلكهنوت وما يخرص فيه بلغوه وبه يطلب سلطة ودولة.
إنّ طلب ٱلعلمانيين ٱلإنسانيين لفصل ٱلدولة عن ٱلدِّين يرافقه طلب لهم لقيام دولة على ناموس مدينىّ (قانون مدنىّ فى ٱللّغة) يحمى جميع ٱلأفراد وحقوقهم ٱلإنسانية بما فى ذلك حرية كلٍّ مِّنهم فيما يؤمن به ويعلن عنه (شرعة حقوق ٱلإنسان). وهم لا يطلبون ولا يسعون إلى قيام دولة بلا ناموس. فهل فى طلبهم ما يوافق دين ٱلحقِّ؟
إنّ فهمى يبين لىۤ أنّ ٱلدولة ٱلمدينيّة (نسبة إلى ٱلمدينة) تقوم على ميثاق وتشريع مدينىّ (وهو ما يسمَّى فى ٱللّغة ٱلفصحى بٱلدستور وٱلقانون ٱلمدنى). وأنّ ميثاق دولة ٱلمدينة هو دينها ٱلذى يحكم سنَّ ٱلتشريع فيها. ومن ٱسم ٱلدِّين وميثاقه هو ٱسم ٱلمدينة. وبهذا ٱلفهم للدِّين أقول لا فصل للدولة ٱلمدينيّة عن ٱلدِّين.
وأرى فى ضرب ٱلمثل زيادة فى بيان دليل ٱسم ٱلدِّين. فإنّ ٱلنظر فى دليل ﭐلفعل "دَيَنَ يَدِينُ" يبيّن علاقة بين دآئن هو صاحب ٱلدَّين ومَدِين هو ٱلمسئول عن ﭐلدَّين حتى يردّه إلى صاحبه. كما يبيّن أنّ ما يحكم ٱلعلاقة بينهما هو ٱلدِّين (عقد يسطِّر فيه ٱلدآئن أشراطه على ٱلمدين) ٱلذى يخضع ويسجد له ٱلمَدين. فإذا خالف ٱلمَدِين أشراط ٱلدآئن يأخذه إلى ٱلمحكمة ويطلب من ٱلقاضىۤ أن يُدينه وفقًا لأشراط عقد ٱلدَّين. وهذا يظهر لىۤ أنّ وسيلة ﭐلدآئن فى ٱسترداد دينه هى فىۤ أشراطه ٱلمسطورة فى عقد ٱلدَّين. وفى هذه ٱلمسألة فإنّ ٱلقاضى يتبع فى ٱلمحكمة تلك ٱلأشراط ويقضى بها فلا يخرج عنها. وإذا وجد ٱلقاضىۤ أنّ ٱلمَدِين خالف تلك ٱلأشراط بإرادته يسلّمه للشرطى ليأخذه إلى ٱلسجن أو يدفع ما عليه من دَين. أمّاۤ إذاۤ وجد ٱلقاضىۤ أنّ ٱلمَدِين لم يخالف تلك ٱلأشراط بإرادته وأنّ قوّة خارجيّة عن إرادته ومصلحته منعته من ٱلخضوع لتلك ٱلأشراط وهى ٱلتى جعلته لا يفى بها (كٱلإفلاس) فيكون حكمه عليه فى منع مسئوليته ٱلجزآئية.
هذا ٱلمثل يبيّن مسألة تشريعية تحكم ٱلعلاقة بين ٱلداۤئن وٱلمَدِين. فصاحب ٱلمال هو ٱلذى مكّن ٱلمَدين من ٱلعمل بماله. وهو إن أحسن ٱلعمل يغتنى ويردّ للدآئن دينه. وإن أسآء ٱلعمل يفتقر ويسوقه ٱلدآئن إلى ٱلقاضى. كما يبين ٱلعلاقة بين ٱلإنسان وخالقه ٱلذى بثّ دينه فى وجوده. وهوَ أساس لتشريع يحكم علاقة أفراد ٱلمجتمع وحقوقهم ومصالحهم ومسئولياتهم ٱلفردية فيما بينهم وأمام صاحب ٱلدَّين فى ٱلتكوين. ومثل هذا ٱلتشريع هو ميثاق ٱلمجتمع ٱلمدينىّ وهو دينه ٱلذى يقوم على ٱلإعلان ٱلعربىّ "لآ إكراه فى ٱلدِّين". وتشريع هذا ٱلمجتمع يتوافق توافقًا نسبيًّا مع دين ٱلحقِّ substantive law وnatural law. ويكون ٱلتشريع متحركًا إلىۤ أعلىۤ أطوار ٱلمدينيّة بفعل ما يُخرجه نظر ٱلناظرين فى ٱلحقِّ وبما يعلمون من دينه. فتكون حركة ٱلمفاهيم وٱلتشريع فى هذا ٱلمجتمع تتبع ما خرج به ٱلنظر فى ٱلحقِّ فلا تبقى على وثنيّة لا تقبل بتغيير.
بهذا ٱلفهم أرىۤ أنّه إذا كان ميثاق ٱلدولة (دينها) لا يخالف دين ٱلحقِّ ٱلذىۤ أعلن أنّه "لآ إكراه فى ٱلدِّين" تكون ٱلدولة مدينيّة ويكون تشريعها حنيفًا لا يسقط فى ٱلوثنيّة. وهو ما يطلبه ٱلعلمانيون ٱلإنسانيّون ويسعون لقيامه فى بلادنا ٱلشَّاميّة. أمّاۤ إذا كان ٱلتشريع يقوم على ما يظنّه ٱلطاغوت ٱلجاهل وكهنوته ٱلمجنون فى دين ٱلحقِّ وعلى لغوهما فيه فتكون ٱلسلطة سلطة جهل وشيط (فوضى) وضياع كما هو ٱلأمر فى جميع بلاد ٱلشَّام.
لقد بيّن ٱلبلاغ ٱلعربىّ أنّ ٱلتكوين يقوم على جدلية ٱلمخلَّقِ وغير ٱلمخلَّق. وٱلمخلَّق هو ٱلمحكوم بدين ٱلحقِّ. وغير ٱلمخلَّق هو ٱلذى يشيط عليه. وهذه ٱلجدلية ٱلتكوينيّة لها فعلها فى مجتمع ٱلبشر بفعل جهله وشيطه عن ٱلحقِّ ودينه. كما لها فعلها فى مجتمع ٱلإنسان بفعل نظره وعلمه ٱلمتحرك بذلك ٱلدِّين.
ٱلإنسان هو ٱلذى يمثل ٱلمخلَّق وهو ٱلذى يسعى بعلم للتحكم فى ميثاق يخلِّق تشريع عيشه فيضيّق على ٱلجهل ويمنع ٱلشيط فيه (ٱلفوضى). وهذا يمثله طلب ومسعى ٱلعلمانيين ٱلإنسانيين. أمّا غير ٱلمخلَّق فٱلذى يمثله هم ٱلبشر ٱلجاهلون. وهم يجهلون ويشيطون فى جميع نواحى عيشهم يدمرون ٱلتخليق فيه. وهذا ما يفعله ٱلطاغوت ٱلجاهل وكهنوته ٱلمجنون ويتبعهم فى شيطهم أكثر ٱلشَّاميين.
هذا بينته ٱلصحيفة فى دولة ٱلمدينة ٱلمنوّرة بٱلقول "للمسلمين دينهم ولليهود دينهم". وهذان ٱلاسمان هما لطرفىّ جدلية ٱلدِّين (ٱلمخلَّق وغير ٱلمخلَّق) فى مجتمع ٱلمدينة. ٱلمسلم إنسان عليم يعقل. وٱليهودىّ سلفىّ يلتفت إلى خلف (مقال "مَن هو ٱلمسلم" ومقال "تعقيب على سؤال مَن هو ٱلمسلم").
لم تذكر ٱلصحيفة أسمآء أخرى كـ ٱلمسيحىّ وٱلبوذى وغيرهما. فكل ٱلناس يتوزعون على هاتين ٱلجدليتين إما مسلمين وإما يهود. إمّا يتبعون دين ٱلحقِّ نظرًا وعلمًا وعقلا. وإمّا يشيطون فيه لغوا وتخريصًا.
وأعود لأقول ماۤ فهمته من ٱسم "ٱلدِينٍ" أنّه يدلُّ فى ٱلوجود على ٱلـ substantive law وعلى natural law. وفى حياة ٱلإنسان على ٱلميثاق ٱلذى يحكم تشريع أهل ٱلمدينة ٱلمتحرك وٱلذى يحثّ على ٱلنظر فى كيف بدا ٱلخلق وبه يكشفون عن دين ٱلحقِّ فى ٱلتكوين. وبه تكون حركة تشريعهم فى عيشهم مطابقة لما علموه من دين ٱلحقِّ من دون شيط ولا وثنية. وهذا ٱلدِّين لا فصل لدولة ٱلمدينة عنه وهى لا تقوم من دونه.
وأرىۤ أنّه على ٱلعلمانيين ٱلإنسانييّن فى بلاد ٱلشّام أن يستبدلوا ٱسم علمانى ٱلذى يدلّ على موقف ٱلواحد منهم من ٱلدولة وهم كانوا قد أخذوه من تعليم لغو ٱللّغة وكهنوتها لهم (فهمى لدليل كلمة "عَلَمَ" فى كتابى ٱلثانى "منهاج ٱلعلوم"). وأرى لهم فى ٱسم مدينىّ ٱلاسم ٱلبديل ٱلذى يبيّن أنهم طلاب دولة مدينيّة تقوم على ميثاق بين أهلها يحكم تشريعها ٱلمتحرك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية