الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكم الردة في اليهودية والمسيحية - 2

حسن محسن رمضان

2018 / 5 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



تطرق الجزء الأول من المقالة، في مقدمتها، إلى أن أحكام "الردة من العقيدة" هي حقيقة واقعة في كل الأديان ومن دون استثناء. تختلف أسماؤها ولكن لا يمكن إطلاقاً إنكار حقيقة وجودها. وأن تلك الأحكام أو الآليات هي وسيلة أصيلة من وسائل البقاء والاستمرارية بما تتضمنه من أعمال تلجأ لتصفية المنافس لها من محيطها المباشر، وهي أيضاً بالضرورة انعكاس للغريزة البشرية عليها حتى وإنْ جرى فلسفتها تحت أعذار غيبية دينية وعقائدية مختلفة. كما أن أغلبها يلجأ لـ "القتل"، وبعضها لـ "العقاب الجماعي"، وجميعها إلى "التعذيب" سواء كان الجسدي المباشر أو التعذيب النفسي المتمثل في الإقصاء والنبذ والطرد والإهانة والتهميش والتسخيف وفرض الاغتراب. ولأن تلك العقائد والأديان تسعى جاهدة لتوظيف غرائز البقاء البشرية، المصممة لاستمرارية الحياة البشرية، ضد خصومها في العقيدة في سبيل إزالتهم من محيطها المباشر أو القريب، فهي أيضاً تواجه مسألة ممانعة الضمير الإنساني في إيذاء المشابه له في البشرية من دون سبب يهدد حياته مباشرة، ولذلك، ولهذا السبب بالذات، فإنها تسعى جاهدة لتحوير، أو إعادة تشكيل، هذا الضمير لصالح أهدافها. إعادة تشكيل الضمير الإنساني يتم من خلال طرح "التوحش" ضد الجنس البشري المخالف له في العقيدة على إنها "مشيئة أخلاقية للإله"، أي إنها في ذاتها فعل أخلاقي وتقي وورع في نفس الوقت، وإنها تتطابق مع رضى الرب، بل وتستحق المكافأة الأخروية والخلاص بمعناه المتعالي. في الجزء الأول من المقالة تم التطرق إلى نصوص الارتداد في الديانة اليهودية، وفي هذا الجزء سوف نعرض مقدمة تمهيدية لنصوص الردة كما أتت في الكتابات المسيحية.


2- المسيحية

تقف المسيحية في المقدمة ضمن أكثر الأديان عنفاً على مدى تاريخ البشرية كلها. فقائمة ضحاياها امتدت على مدى كل قارات العالم وبلا استثناء، وسقط في سلسلة ضحاياها شعوباً بأكملها أبيدت من على وجه الأرض كما حدث في الأمريكيتين. إذ كان الخيار في التفاعل الديني المسيحي مع غيره يتمثل في اثنين: الركوع أمام صليب يسوع الخشبي أو القتل والحرق والتعذيب. بل إنه الدين الوحيد من الأديان الثلاثة الذي كان يدرب الكلاب المتوحشة في أمريكا الجنوبية ثم ليحول كل رافض لدينه إلى "طريدة حيوانية" يمارس عليها هواية الصيد. بل هو الدين الوحيد الذي انتشر بـ "السيف" فقط بداية من نهايات القرن الرابع واستمر كذلك حتى نهايات القرن الثامن عشر، وهو الدين الوحيد الذي مارس التطهير الديني والمذهبي معاً، وفي آن واحد، من دون إمكانية للتعايش المشترك حتى نهايات القرون الوسطى كما حدث في مصر وسوريا الكبرى وآسيا الصغرى في الفترة الممتدة من القرن الخامس إلى السابع وعند سقوط الأندلس وفي حروب أوروبا المذهبية ومحارق محاكم التفتيش. والتاريخ أيضاً يشير بوضوح إلى الدرجة المتطرفة التي مارس فيها المسيحيون العنف والقتل والتعذيب ضد بعضهم البعض، وبمباركة كنائسهم وتشجيعها، بسبب الخلافي المذهبي. فالصراع المسيحي – المسيحي يملك ضحايا في قائمته من أبناء دينه أنفسهم تُعد بالملايين [هو رقم ليس على سبيل المبالغة]، وامتد ليشمل الرقعة الجغرافية من مصر شرقاً إلى فرنساً غرباً والدانمارك شمالاً، وعلى الفترة التي امتدت من القرن الخامس الميلادي إلى الثامن عشر. إنه الدين الوحيد الذي يملك في قائمة حروبه ضد أبناء دينه مصطلح (حرب الثلاثين عاماً)، أطول حرب طائفية شاملة عرفتها البشرية في تاريخها، بين الكاثوليك والبروتستانت، وفقدت خلالها ألمانيا وحدها سبعة ملايين ضحية مسيحية، وكل هذا كان بمباركة الكنيسة وتشجيعها. ولكنه دين "دعائي" و "انتقائي" في نفس الوقت، يحاول أن يفصل بين "تاريخ دينه" وبين انتقائية النصوص التي يروّج لها دعائياً. فهو يروّج للمسيحية، دعائياً، على أنه دين "محبة"، ولكنه يُلغي متعمداً كل إشارة إلى تاريخ تلك "المحبة" التي أراقت من دماء البشرية أكثر من أي دين آخر على وجه الأرض وبدون أي استثناء على الإطلاق. فعلى سبيل المثال الطريف [هذا إذا كنت ترى في الكوميديا السوداء طرافة] لذلك النشاط الدعائي الذي يفتح عيناً ويُغلق أخرى في آن واحد، فإن الدعاية المسيحية المعاصرة تروّج أن الكنيسة قد "اعتذرت" عن حرق جيوردانو برونو حياً لأنه وزّع كتاب نيكولاس كوبرنيكوس الذي يثبت فيه أن الأرض تدور حول الشمس وذلك تحت عذر أن هذا الكتاب: "مناقض للكتابات المقدسة"، هذا بالإضافة إلى أن برونو كان يقول باستحالة الولادة العذرية ليسوع ويرى عقيدة التثليث على أنها غير منطقية وغير مفهومة ولا تفيد أي غرض ذو حكمة حقيقية، فحكمت عليه الكنيسة بالكفر (الردة - الهرطقة)، ولهذا السبب حرقت برونو، مع أفكاره، حياً في الساحة العامة في روما. إلا أن ما تغفله تلك الدعاية المسيحية، مستغلة جهل العامة من أتباعها، أنه في نفس الوقت الذي كانت الكنيسة تقدم اعتذارها بعد قرون طويلة عن هذا الفعل الشنيع والمتطرف المتمثل في في أن تحرق شخصاً ما حياً فقط لأنه ارتد عند بعض عقائد الكنيسة فإنها، أي ذات الكنيسة نفسها، كانت تطوّب الكاردينال روبيرتو بيلارمينو (Robert Bellarmine – بالإيطالية: Roberto Bellarmino) قديساً، وأسمته "روبيرتو الذي في السماء". هذا "القديس" المسيحي الجديد، روبيرتو، الذي تقول الكنيسة بأنه في "السماء" الآن، هو نفس الشخص الذي حكم على برونو بالحرق حياً.

إذا غضضنا النظر عن السلسة الطويلة جداً لرجال الدين المسيحيين الذين طوبتهم الكنيسة كـ "قديسين"(!) والذين تورطوا في محاكمة وقتل وحرق وتعذيب المخالفين لهم في العقيدة أو الذين ارتدوا عن بعض عقائدهم الكنسية من المسيحيين أنفسهم قبل غيرهم من أتباع الأديان الأخرى [على سبيل المثال المختصر جداً: القديس بيتر (بطرس) من فيرونا (Peter of Verona) ويسمى أيضاً بالشهيد بسبب اغتياله وذلك بسبب عدائه للطائفة المسيحية الكاثرية الغنوصية (Catharism)، وكان قد عينه البابا جريجوري التاسع كمفتش عام لشمال إيطاليا. القديس جون (يوحنا) من كابيسترانو (Saint John of Capestrano) ويسمى أيضاً بـ "الجندي القديس" وهو يُعتبر أحد المحرضين الأساسيين للعنف ضد اليهود وتصفيتهم بالقتل والتهجير من المجتمعات الأوروبية إلى درجة أنه كانوا يسمونه في حياته "فاجع اليهود" (‎Scourge‎ of the Jews) [كلمة (Scourge) هي أيضاً اسم لآلة تعذيب كانت يستخدمها المسيحيون ضد مخالفيهم في الدين أو العقيدة، ولذلك يمكن أيضاً ترجمة لقب هذا "القديس" بآلة التعذيب الكنسية هذه] بل إنه ذهب بنفسه إلى جنوب ألمانيا وخلال سنتين من الوعظ الكنسي المستمر نجح في إقناع كل القرى في المقاطعات الألمانية الجنوبية بطرد كل اليهود من مناطقهم وبصورة شاملة فلم يبقى بعد تلك السنتين يهودي واحد هناك. القديس بيدرو دي آربيوس (Pedro de Arbués)، راهب إسباني كاثوليكي ذو منصب رسمي وفاعل في محاكم التفتيش الإسبانية، قتله اليهود الذين أجبرهم هذا "القديس"(!) جبراً، تحت وعيد العذاب أو القتل أو التهجير، للتحول إلى المسيحية، وبسبب مقتله ازدادت محاكم التفتيش ضراوة وتوحشاً ضد الهراطقة واليهود المتمسكين بدينهم واليهود المتحولين للمسيحية جبراً ويُنظر لهم بنظرة شك في إيمانهم بما تحولوا له. بابا الكنيسة الكاثوليكية القديس بايوس الخامس (Pope Pius V) مجرد معرفتنا أنه ابتدأ حياته العملية كمفتش للكنيسة، ثم ككاردينال بترقيته إلى مفتش عام وبمحاكمته ثمانية أساقفة كاثوليكيين في وقت واحد بتهمة الهرطقة، وأخيراً كبابا كان يحضر بنفسه محاكمة المتهمين بالهرطقة ويذهب بنفسه ليشاهد بعينيه تعذيبهم، هذه النبذة تغنينا عن سرد الباقي]، إذا غضضنا النظر عن كل تلك السلسلة الطويلة جداً من "القديسين"(!) ذوي النزعة التي لا تتورع عن القتل والتعذيب لمخالفيهم الذين طوبتهم الكنيسة ولا تزال، ثم نقف أمام ذلك التاريخ الطويل جداً، الذي امتد من بدايات القرن الخامس حتى نهاية الحرب الأهلية الإسبانية في القرن العشرين، من التحريض والتعذيب والتهجير والقتل والحروب بمعناها الشامل العام وحرق المخالفين أحياء وتحويل المخالفين إلى طرائد حيوانية والإجبار على التحول إلى المسيحية جبراً وإلا الخيار سيكون حرباً أو عذاباً أو قتلاً بالحرق، فإننا لابد ننظر بنظرة الشك لكل الدعاية المسيحية الراهنة التي تحاول أن تتبرأ من كل تاريخ القرون الطويلة جداً في ممارسة التوحش ولتقول لنا بأن إلهنا "إله محبة"(!).

نحن، وبلا شك، أمام توجه عقائدي ديني ونَصي ويملك تأصيلاً أساسياً في النص المقدس المسيحي ذاته وفي كتابات مَنْ اعتبرتهم تلك الكنيسة ذاتها كـ "قديسين". إنه ليس (سوء فهم)، كما تروّج الدعاية المسيحية. كما أن ادعاء أن (النص المقدس المسيحي يخلو من التوحش) كما تروّج نفس تلك الدعاية المسيحية بين العامة لا يصمد أمام كل الممارسات التي حفرها حفراً رجال الدين المسيحي أنفسهم في ألواح التاريخ، من أول باباوات المسيحية، ومروراً بممارسات وكتابات لوثر وكلفن البروتستانتيان، ونهاية بآخر رجل دين مسيحي وقف في الحرب الإسبانية أو في رواندا الأفريقية ليحرض ضد مخالفيه بالقتل [الطريف أن الكنيسة اعتذرت للمرة المليون عبر تاريخها الحديث تحت الضغط العلماني عن دورها في مذابح رواندا في سنة 1994، لاحظ أن هذا الاعتذار أتى بعد أكثر من عشرين سنة بعد المذبحة التي ساهم في رجال الدين المسيحيين – انظر الهامش رقم 2]. إننا، وبلا أدنى شك، أمام تأصيل نصي وديني مسيحي ممنهج موجود في نصوصهم. نعم، قد لا يُعمل به الآن، ولكنه موجود في نصوصهم وفي عقائدهم وفي كتابات قديسيهم وفقهاؤهم، ولهذا السبب بالذات فإنه قابل للبروز مرة أخرى إذا استدعى الأمر كما حدث في راوندا. إذ كيف نفسر أنه في يوم واحد فقط، أي في 16 مارس 1244 م، أُشعلت نار عظيمة أسفل قلعة مونستييه (Château de Montségur)، تحت إشراف ونظر رئيس أساقفة نربون (Archbishop of Narbonne)، ثم أحرق فيها أكثر من (200 شخص أحياء دفعة واحدة) بتهمة الهرطقة. ثم بعد ذلك، وفي نفس السنة، يجتمع المجلس الكنسي في نربون ليقرر بأنه عند الحُكم على الهراطقة: "لا يجب أن يُبقى على حياة زوج بسبب زوجته، ولا على حياة زوجة بسبب زوجها، ولا على حياة أبوين بسبب أطفالهما، ولا يجب أن يُخفف الحكم بسبب المرض أو كبر السن. وكل حكم يجب أن يتضمن الجَلد (Flagellation) حتى وإن كان الحكم هو الحرق حياً" [انظر الهامش رقم 1]. كيف يمكننا أن نفسر كل هذا؟

لا يسعنا إلا الجواب بأن هذا كله هو تأصيل ديني راسخ وأصيل في النص المسيحي المقدس وفي كتابات قديسيه. هذا التأصيل الديني، لأحكام الردة المسيحية، سيكون موضوع المقال القادم.

..... يتبع


هــــــــــــــوامـــــــــــش:

1-
The Inquisition of the Middle Ages, Henry Lea, Abridgement by Margaret Nicholson, New York, MacMillan, 1961 ,pp. 70

2-
https://www.theguardian.com/world/2016/nov/21/rwanda-genocide-catholic-church-sorry-for-role-of-priests-and-nuns-in-killings








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التحريض والتبرير للعنف
nasha ( 2018 / 5 / 29 - 05:38 )
هذا ليس موضوع بحثي يا حج حسن هذا يسمى حشو كلام وتخبيص وتشويه بدافع من الحالة النفسية وبسبب الدرجة العالية من الحقد والغل الذي يملا قلبك وعقلك ضد من يخالف معتقدك.
اتحداك يا حج حسن ان تجد نص واحد في العهد الجديد يحرض او يبرر اي نوع من انواع العنف ضد المخالفين في المعتقد.
الحروب بين الدول والحروب الاهلية جرت وتجري وستجري بين البشر بوجود الاديان او بدونها.
ولكن بالرغم من هذه الظاهرة البشرية الطبيعية
المعتقد الوحيد الذي عالج مشكلة الحروب جذريا هو المسيحية وكما كتبت اعلاه اتحداك ان تجد نص مسيحي يشجع على العنف.
مبادئ حقوق الانسان يا عمي الحج مستقاة من الثقافة المسيحية ومن المعتقد المسيحي.
حل مشكلة العنف المقدس في الاسلام لا يمكن ان تنجح بتشويه عقائد اخرى لا تتشكل منها المجتمعات الاسلامية .
طرحك هذا تبرير لمشكلة العنف الديني الاسلامي وهو تبرير وتشجيع للارهاب والعنف


2 - حسن محسن رمضان
نصير الاديب العلي ( 2018 / 5 / 29 - 09:07 )
شكرا لانك تسلط الضوء على امر يجب ان يعلمه الجميع وتفضح فيه الخفايا وهذا أروع ما في هذه المقاله ....صحيح جدا ان الفضاعات ارتكبت باسم الأديان ولكنك تبالغ كثيرا ولكنك نسيت الفرق بين المسيحية والإسلام هو ان المسيحية كدين رباني لايقر في كتابه وليست هناك اية تقول حول مسالة الردة بعكس الاسلاك الذي يحتوي كل صفحة فيه على قتل المرتد والموضوع لا يختلف به اثنان

https://islamqa.info/ar/20327

الإسلام هو الدين الوحيد الذي يجبر الناس على اعتناقه بالقوة والارهاب وهو الدين الوحيد قديما وحديثا الذي يمارس الإرهاب على نطاق اوسع والإرهاب هو خريج المدرسة الإسلامية

اجمع العلماء على قتل المرتد
http://mawdoo3.com/ما_هو_حكم_المرتد_عن_الإسلام

ويكيبيديا

https://ar.wikipedia.org/wiki/ردة_(إسلام)


3 - حسن محسن رمضان
نصير الاديب العلي ( 2018 / 5 / 29 - 11:36 )
عزيزى المسلم
عزيزي المتنرفز الروابط هي التي تعترف مسالة الردة ولست انا من اقر هذا فالاسلام هو من قال هذا
راجع الروابط


4 - الردود الإسلامية محذوفة أحمد الجندي
جرجس مينا ( 2018 / 5 / 29 - 19:57 )
نموذجا

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran