الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور التطرف الاسلامي في القرن العشرين

محمد علي ابراهيم باشا
محام

(Mohammad Ali Ibrahim Bacha)

2018 / 6 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جذور التطرف الإسلامي في القرن العشرين
سلسلة لأهم منظري الفكر الإسلامي السلفي المتطرف
سيد قطب انموذجا
المحامي محمد علي ابراهيم باشا
مقدمة:
- تميز القرن العشرين بظهور واسع و نمو متسارع للتيارات الإسلامية الراديكالية- في الشرق الأوسط- التي أتسمت بأوصاف متعددة من قبيل التطرف و السلفية والرجعية إلى غيرها من السمات التي أضفت على الإسلام برمته نزعة متطرفة في نظر الأغلبية الغربية التي باتت تنظر إليه بكثير من الارتياب و القلق خصوصا بعد تبنيه للعمل العسكري المبني على ركن الجهاد كأداة مترافقة ومتوازية مع ذلك الفكر.
- لقد كان لهذه التيارات الإسلامية ادوارا بالغة الأهمية في رسم المستقبل السياسي لكثير من الدول في الشرق الأوسط بدءا من افغانستان مرورا بمصر و الجزائر وسوريا والعراق و ..الخ إضافة للإشكالات السياسية والاجتماعية المعقدة التي رافقت نشوء ظاهرة الدولة الإسلامية في الشام والعراق ( داعش) وما رافقها من جدل فقهي حول شرعية الجرائم المرتكبة من قبلها وقيامها على سند شرعي من نص أو حديث أو اجتهاد من عدمه( السبي – الحرق – قطع الأطراف ...الخ ) وتحرج المراجع الإسلامية السنية العليا كالأزهر على سبيل المثال – عن اصدار فتاوي بطلانها ولم يعد ذلك خافيا على احد بالقدر الذي يجنبنا إعادة التركيز على هذه النقطة التي أصبحت بديهية لغالبية الناس وتجاوزها إلى المعين الفكري والشرعي الذي نهلت منه تلك التنظيمات فكرها التكفيري المتطرف وبنت عليه قراراتها وأحلامها وأهدافها .
- يدخر الفكر الإسلامي في القرن العشرين بالعشرات من الأسماء التي كان لها دورا كبيرا في رفد التنظيمات الإسلامية المتطرفة بالفتاوى الشرعية و الاجتهادات التي تبرر أعمالها وتضفي عليها الشرعية إلا أن اخطر تلك الأسماء وأكثرها فعالية هو سيد قطب موضوع دراستنا الحالية والذي لا زالت أكثر التنظيمات الإسلامية راديكالية تستند إلى أفكاره و دراساته وحتى أشعاره في فتاويها وأحكامها وتتبنى آرائه الشرعية كبوصلة لها في تأسيس دولتها المنشودة .
- هو سيد قطب إبراهيم حسن الشاذلي من مواليد 9 اكتوبر تشرين الاول عام 1906 كاتب وأديب ومنظر إسلامي مصري وعضو سابق في مكتب الإرشاد التابع لمنظمة الإخوان المسلمين ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين .
- لعب سيد قطب -من خلال مؤلفاته العديدة - دورا مهما و فعالا في رفد التنظيمات الإسلامية التي نشأت في القرن العشرين بالأساس الفكري والمنطلق النظري لنشاطها بالقدر الذي مكنها –حسب وجهة نظرها - من إضفاء الشرعية على كافة أعمالها ومن أهم تلك المؤلفات كتاب معالم في الطريق الذي حظي بكثير من الاحتفاء و الإدانة بذات الوقت ممن تحمسوا له أو وقفوا منه موقفا معاديا الأمر الذي ندر حدوثه في التاريخ المعاصر فقد اعتبره البعض حلقة وصل بين الفقه القديم غير المناسب للعصر الحديث وبين من جاء بعده من متطرفين يخاصمون المجتمع ويحرضون على القتل.
- ركز قطب على حياة الجاهلية التي يعاصرها الإسلام و أكد على أن كل ماحولنا جاهلية بدءا من تصورات الناس وعقائدهم إلى تقاليدهم وموارد ثقافتهم وفنونهم وآدابهم كما فصل بين فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان على النحو الذي تبنته الجماعات الإسلامية فيما بعد في صراعها العسكري مع الغرب ومع الحكومات كما حذر البشرية من أنها تقف على حافة الهاوية لا بسبب التهديد بالفناء المعلق على رأسها فهذا عرض للمرض وليس هو المرض ذاته ولكن بسبب إفلاسها في عالم القيم الذي يمكن للحياة الإنسانية أن تنمو من خلاله نموا سليما وترتقي رقيا صحيحا وضرب مثالا في العالم الغربي الذي لم يعد لديه مايعطيه للبشرية من القيم بل الذي لم يعد لديه مايقنع ضميره باستحقاقه للوجود بعدما انتهت الديمقراطية فيه إلى مايشبه الإفلاس وان قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم يسمح له بالقيادة فضلا عن فشل الأنظمة الفردية والجماعية في نهاية المطاف مما فرض ضرورة انتقال القيادة إلى سلطة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية عن طريق العبقرية الأوربية في الإبداع المادي وتزويد البشرية بقيم جديدة ومنهج أصيل وايجابي وواقعي في الوقت ذاته بالقدر الذي مهد للإسلام- الذي لا يتنكر للإبداع المادي في الأرض لأنه يعده من وظيفة الإنسان الأولى منذ أن عهد الله إليه بالخلافة في الأرض- بان يأخذ دوره في القيادة باعتباره الوحيد الذي يمتلك تلك القيم وهذا المنهج إلا أن هذه القيادة مشروطة ببعث جديد لهذه الأمة التي واراها ركام التصورات و ركام الأوضاع وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام ولا بالمنهج الإسلامي وقد لخص معالم هذا البعث بالخطوات التالية :
أولا- خلق جيل قرآني جديد على غرار الجيل الأول من الصحابة الذي ركن إلى القران وحده كمنهل يستقون منه و يتكيفون به ويتخرجون عليه لتخلص نفوسهم له وحده و ليستقيم عودهم على منهجه وحده بالقدر الذي يمهد لصنع جيل خالص القلب خالص العقل خالص التطور خالص الشعور وخالص التكوين من أي مؤثر آخر غير المنهج الإلهي الذي يتضمنه القران الكريم منهج التلقي للتنفيذ والعمل لا منهج التلقي للدراسة و المتاع وتحقيق ذلك كله من خلال الاستعلاء على المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته و الابتعاد عنه وعدم الالتقاء به في منتصف الطريق وعدم مسايرته والركون الى القرآن وحده دون غيره من المراجع الدينية أو الدنوية بما فيها الكتب السماوية السابقة مستندا في ذلك الى حديث الرسول عليه السلام عندما رأى سيدنا عمر بن الخطاب يقرأ في التوراة فقال أنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له الا أن يتبعني ( رواه الحافظ أبو يعل عن حماد عن الشعبي عن جابر )
خطوة متطرفة للبعث الذي يراه سيد قطب تمنع المسلم من الاطلاع على كتب الأديان الآخرى وثقافاتها الدينية (التيولوجيا ) وتفرض على المسلم القرآن الكريم كمصدر وحيد للتشريع والبحث و تنظيم الحياة السياسية و الاجتماعية والاقتصادية بمعنى آخر اعتبار علوم القرآن اي كل علم يخدمه ويتصل به ويستند اليه من علوم التفسير وعلوم اسباب النزول وعلوم الاعجاز وعلوم الناسخ والمنسوخ وعلم الاعراب وعلم القراءات ...الخ هي العلوم الشرعية والفقهية الوحيدة التي يجب على المسلم ان يطلع عليها ويهدر غيرها من العلوم وهذا غلو كبير لا يتقبله عقل او منطق ويتنافى مع مقتضيات المراحل المتقدمة التي وصلت اليها البشرية .
ثانيا- ضرورة التمسك بطبيعة المنهج القرأني الذي أكد على أنه لا حاكمية الا لله ولا شريعة الا من الله ولا سلطان لأحد على أحد لأن السلطان كله لله ولأن الجنسية التي يريدها الاسلام للناس هي جنسية العقيدة التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الاجناس والألوان تحت راية الله وضرورة التاكيد على أن الدين ليس نظرية تتعامل مع الفروض بل هو منهج يتعامل مع الواقع فلا بد أولا من أن يقوم المجتمع الاسلامي الذي يقر عقيدة أن لا آله الا الله وأن الحاكمية ليست الا لله ويرفض أن يقر بالحاكمية لأحد من دون الله ويرفض شرعية أي وضع لا يقوم على تلك القاعدة فعندما يقوم هذا المجتمع بالفعل يبدأ الدين في تقرير النظم وفي سن الشرائع لقوم مستسلمين أصلا للنظم والشرائع رافضين أصلا لغيرها من النظم والشرائع بمعنى رد الحاكمية لله في أمرهم كله وطرد المعتدين على سلطان الله بادعاء هذا الحق لأنفسهم بعد أن تخلص القلوب لله وتعلن عبوديتها له وحده بقبول شرعه وحده ورفض كل شرع آخر غيره وبمعنى آخر رفض جميع أنواع وأشكال الأنظمة السياسية الوضعية الأخرى ملكية كانت أم جمهورية اشتراكية كانت ام رأسمالية ..الخ ومحاربتها في أي مكان من هذه المعمورة و تكفير القائمين عليها باعتبارهم مفتتئين على سلطان الله وحاكميته لتحقيق هدف واحد متمثل في دولة اسلامية تحكم هذا العالم بكافة اجزاءه و كافة ملله ونحله وهو ما يمكن وصفه بغلو وتطرف بين ، يشجع الغير ويحرضهم على تكثيف خطابات الكراهية ضد الاسلام والمسلمين في المجتمعات غير المسلمة بشكل خاص والعالم بشكل عام ويبرر للغير المتطرف من تيارات مسيحية او يهودية او بوذية ...الخ استخدام العنف المضاد بالقدر الذي سينعكس سلبا على المسلمين ولنا في بورما خير مثال على ذلك.
ثالثا – ضرورة انشاء مجتمع مسلم من خلال العمل على عودة حياة البشر بجملتها الى الله لا يقضون هم في أي شأن من شؤونها ولا في أي جانب من جوانبها من عند انفسهم بل لا بد ان يرجعوا الى حكم الله فيها ليتبعوه وهذا يشكل الشطر الأول من الركن الأول من الاسلام وهو شهادة أن لا آله الا الله أي افراد الله بالالوهية و الربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية اعتقادا في الضمير وعبادة في الشعائر وشريعة في واقع الحياة وحكم الله هذا يجب أن يعرفوه من مصدر واحد يبلغهم أياه وهو رسول الله وهذا يتمثل في شطر الشهادة الثاني من ركن الاسلام الاول شهادة أن محمدا رسول الله فهكذا وجد الاسلام منذ بداية الدعوة متمثلا في قاعدة نظرية مجملة ولكنها شاملة يقوم عليها في نفس اللحظة مجمع عضوي حركي مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلي ومواجه لهذا المجتمع وهكذا يجب ان يستمر حتى قيام الساعة .
رابعا : التأكيد على الزامية الجهاد في سبيل الله ليصبح منهج الاسلام يتمثل في ازالة الطواغيت كلها من الارض جميعا وعبادة الناس لله وحده واخراجهم من العبودية للعباد الى العبودية لرب العباد لا تقهرهم على اعتناق عقيدته ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها أي الجهاد لجعل الاسلام هو الأصل العالمي الذي يجب على البشرية كلها أن تفيء اليه أو أن تسالمه بجملتها ولا تقف الدعوة باي حائل من نظام سياسي أو قوة مادية وأن تخلي بينه وبين كل فرد يختاره أو لا يختاره بمطلق ارادته ولكن لا يقاومه ولايحاربه فان فعل ذلك أحد كان على الاسلام أن يقاتله حتى يقتله أو يعلن استسلامه كون هذا الدين هو اعلان عام لتحرير الانسان في الارض من العبودية للعباد وذلك باعلان الوهية الله وحده وربوبيته للعالمين وبمعنى اوضح الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها واشكالها وانظمتها واوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور ذلك أن الحكم الغربي مرد الأمر فيه الى البشر ومصدر السلطات فيه هم البشر هو تأليه للبشر يجعل بعضهم لبعض أربابا من دون الله ان هذا الاعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب ورده الى الله وطرد المغتصبين له الذين يملكون الناس بشرائع من عند انفسهم ، ان معناه تحطيم مملكة البشر لاقامة مملكة الله في الارض أو بالتعبير القرآني الكريم /هو الذي في السماء آله في الارض آله / وبمعنى آخر ان مملكة الله في الارض لا تقوم بان يتولى الحاكمية في الأرض رجال باعيانهم هم رجال الدين كما الامر في سلطان الكنيسة ولا رجال ينطقون باسم الالهة كما الحال فيما يعرف باسم الثيوقراطية أو الحكم الالهي المقدس ولكنها تقوم بان تكون شريعة الله هي الحاكمة وان يكون مرد الأمر الى الله بالقدر الذي يؤدي الى قيام مملكة الله في الارض وازالة مملكة البشر وسيادة الشريعة الالهية وحدها والغاء القوانين البشرية وكل ذلك لايتم بمجرد التبليغ او البيان لان المتسلطين على رقاب العباد والمغتصبين لسلطان الله في الارض لا يسلمون سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان لذلك لم يكن بد للأسلام أن ينطلق في الارض لازالة الواقع المخالف لذلك الاعلان العام بالبيان والحركة مجتمعين وان يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبد الناس لغير الله أي تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه والتي تحول بينهم وبين الاستماع الى البيان واعتناق العقيدة وأن مبررات الانطلاق الاسلامي تبرز بوضوح وعمق عندما تذكر أن هذا الدين هو منهج الله للحياة البشرية وليس منهج انسان ولا مذهب شيعة من الناس ولا نظام جنس من الأ جناس مخالفا بذلك كثيرا من الاجتهادات الفقهية المعتدلة التي قصرت مبررات اعلان الجهاد على حالة الدفاع عن الآمة الاسلامية عندما تتعرض لاخطار محدقة ومكفرا مصدري مثل هذه الفتاوي ومؤكدا على ضرورة اعلان الجهاد ( الحرب ) على العالم اجمع حتى تتحقق الغاية منه المتمثلة بقيام الدولة الاسلامية على هذه الارض بمعنى آخر اعلان الحرب على الجميع وهذا غلو وتطرف كبير يمهد الطريق و يمنح الشرعية لجميع القوى الكارهة للاسلام كي توغل في محاربته و تشويه صورته السمحة بالقدر الذي سينعكس سلبا على المسلمين ويبرر مهاجمتهم والاعتداء عليهم ومحاربتهم في كافة نواحي الحياة .
خامسا : اتخاذ شهادة لا آله الا الله وأن محمدا رسول الله قاعدة لمنهج كامل تقوم عليه حياة الأمة المسلمة بحذافيرها فلا حياة للأمة الأسلامية اذا قامت على غير هذه القاعدة مما يجعل من كل مجتمع غير المجتمع المسلم مجتمعا جاهلا كونه لم يخلص عبوديته لله وحده العبودية المتمثلة في التصور الاعتقادي وفي الشعائر التعبدية وفي الشعائر القانونية وبهذا التعريف تدخل في اطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض الغربية الراسمالية منها و الشيوعية و النصرانية واليهودية في جميع ارجاء الارض لتصورها الاعتقادي المحرف الذي لا يفرد الله سبحانه بالالوهية بل يجعل له شركاء في صورة من صور الشرك سواءا بالبنوة او التثليث او يتصور الله سبحانه على غير حقيقته وتصور علاقة خلقه به على غير حقيقتها
/ وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون – التوبة 30/
/ان الحكم الا لله امر الا تعبدو الا اياه ذلك الدين القيم – يوسف 40/
/من يطع الرسول فقد اطاع الله – النساء 80/
- ولما كان الاسلام ينظر الى العناوين و اللافتات والشارات التي تحملها هذه المجتمعات على اختلافها أنها كلها تلتقي في حقيقة واحدة وهي أن الحياة فيها لاتقوم على العبودية الكاملة لله وحده وهي من ثم تلتقي مع سائر المجتمعات الاخرى في صفة وحدة وهي صفة الجاهلية
- من هنا نلاحظ مدى تطرف هذا الخطاب وتعصبه تجاه كل ما هو غير مسلم فالأمم جميعها جاهلة طالما أنها لم تعتنق الاسلام وطالما أنها لم تشهد بأنه لا اله الا الله وان محمدا( دون غيره ) رسول الله والجهاد في مواجهتها فرض عين حتى تسلم
- سادسا : التأكيد على حقيقة ان التصور الاسلامي يقوم على أساس أن هذا الوجود كله من خلق الله أتجهت أرادته الى كونه فكان وأودعه قوانينه التي يتحرك بها والتي تتناسق بها حركة أجزائه فيما بينها كما تتناسق بها حركته الكلية سواء والتأكيد كذلك على أن وراء هذا الوجود الكوني مشيئة تدبره وقدرا يحركه وناموسا ينسقه هذا الناموس ينسق بين مفردات هذا الوجود كلها وينظم حركاتها جميعا فلا تصطدم ولا تختل ولا تتعارض ولا تتوقف عن الحركة المنتظمة المستمرة كما ان هذا الوجود خاضع ومستسلم للمشيئة التي تدبره والقدر الذي يحركه والناموس الذي ينسقه بحيث لا يخطر له في لحظة واحدة أن يتمرد على المشيئة أو يتنكر للقدر أو أن يخالف الناموس وهو لهذا كله صالح لا يدركه العطب والفساد والانسان من هذا الوجود الكوني والقوانين التي تحكم فطرته ليست بمعزل عن ذلك الناموس الذي يحكم الوجود كله فالله الذي خلق هذا الوجود الكوني وخلق الانسان الذي أخضعه لنواميسه التي أخضع لها الوجود الكوني هو سبحانه الذي سن للأنسان شريعة لتنظيم حياته الارادية تنظيما متناسقا مع حياته الطبيعية فالشريعة على هذا الأساس أن هي قطاع من الناموس الآلهي العام الذي يحكم فطرة الانسان وفطرة الوجود العام و ينسقها كلها جملة واحدة مما ينفي أية تصورات أخرى تعارض هذا التصور الأسلامي بما فيها التصورات العلمية حول نشأة الارض وكرويتها و دورانها ...الخ من البديهيات العلمية-على سبيل المثال لا الحصر - ويكفر من يتمسك بها أو يروج لها طالما أنها عارضت ذلك التصور الاسلامي الذي قدم الأدلة الشرعية على غيرها من الأدلة الأخرى وهذا ما لا يقبله عقل ولا يستسيغه منطق في هذا العصر الحديث .
سابعا: التأكيد على أن الاسلام هو الحضارة وأنه لا يعرف الا نوعين أثنين من المجتمعات وهما المجتمع الاسلامي والمجتمع الجاهلي المجتمع الاسلامي الذي يطبق فيه الاسلام عقيدة وعبادة وشريعة ونظاما وخلقا وسلوكا والمجتمع الجاهلي الذي لا يطبق فيه الاسلام ولا تحكمه عقيدته وتصوراته وقيمه وموازينه ونظامه وشرائعه وخلقه وسلوكه فليس من الاسلام المجتمع الذي يضم ناسا ممن يسمون أنفسهم مسلمين بينما شريعة الأسلام ليست قانون هذا المجتمع حتى وأن صلى وصام وحج بل المجتمع الاسلامي وحده هو الذي تمثل فيه العقيدة الاسلامية رابطة المجتمع الأساسية و الجنسية التي تجمع بين الاسود والابيض و الاحمر والاصفر والعربي والرومي والفارسي والحبشي ...الخ في امة واحدة ربها الله وعبوديتها له كما أن خط التقدم الانساني يسير في أتجاه الضبط للنزوات الحيوانية وحصرها في نطاق الأسرة على أساس الواجب لتؤدي بذلك وظيفة انسانية ليست اللذة غايتها وانما هي اعداد جيل انساني يخلف الجيل الحاضر في ميراث الحضارة الانسانية فالابداع المادي وحده لا يسمى حضارة فقد يكون وتكون معه الجاهلة وهذا خطاب مغرق في التطرف والاصولية متناقض ومجاف للحقيقة و الواقع كما أن تقسيمه للمجتمعات الى اسلامي حضاري و كافر جاهل تقسيم خاطئ يخالف أبسط قواعد المنطق فمن غير المعقول وصف دولا قدمت الكثير من الانجازات العلمية كالدول الاوربية بالجهل لمجرد عدم اسلامها واعتبار دولا مثل الصومال او اليمن ..الخ من الدول الحضارية لمجرد كونها دولا مسلمة .
ثامنا : التأكيد على أن مدلول الحاكمية في التصور الاسلامي لا ينحصر في تلقي الشرائع القانونية من الله وحده والتحاكم اليها وحدها والحكم بها دون سواها ان شريعة الله تعني كل ما شرعه الله لتنظيم حياة البشرية وهذا يتمثل في أصول الاعتقاد وأصول الحكم وأصول الاخلاق واصول السلوك وأصول المعرفة فالمسلم لا يملك أن يتلقى في أمر يختص بحقائق العقيدة أو التصور العام للوجود أو يختص بالعبادة أو يختص بالخلق والسلوك والقيم والموازين أو يختص بالمبادئ والسلوك والقيم والموازين أو يختص بالمبادئ والأصول في النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي او يتخص بتفسير بواعث النشاط الانساني وبحركة التاريخ الانساني الامن ذلك المصدر الرباني ولا يتلقى في هذا كله الا من مسلم يثق في دينه وتقواه و مزاولته لعقيدته في واقع الحياة أما فيما يتلق بتفسير النشاط الانساني كله افراد او مجتمعات وهو المتعلق بالنظرة الى نفس الانسان والى حركة تاريخه وما يختص بتفسير نشأة هذا الكون ونشأة الحياة ونشاط هذا الانسان ذاته من ناحية ماوراء الطبيعة فالشأن فيه مرتبط بالعقيدة ارتباطا مباشرا فلا يجوز للمسلم أن يتلقى فيه الا عن مسلم يثق في دينه وتقواه ويعلم عنه أنه يتلقى في هذا كله عن الله.
تاسعا : التأكيد على ان هناك نظاما واحدا هو النظام الاسلامي وما عداه من النظم فهو جاهلية وأن هناك شريعة واحدة هي شريعة الله وماعداه فهو هوى وهناك دارا واحدة هي دار الاسلام تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة وتهيمن عليها شريعة الله وتقام فيها حدوده ويتولى المسلمون فيها بعضهم بعضا وماعداه فهو دار حرب علاقة المسلم بها أما القتال وأما المهادنة على عهد الامان ولكنها ليست دار الاسلام ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين كما أن الارض التي لا يهمين فيها الاسلام ولا تحكم فيها شريعته هي دار الحرب بالنسبة الى المسلم والى الذمي المعاهد كذلك يحاربها المسلم ولو كان فيها مولده وفيها قرابته من النسب وفيها امواله ومنافعه.
- التاكيد على انه لا جنسية للمسلم الا عقيدته التي تجعله عضوا في الامة المسلمة في دار الاسلام كما ان وطن المسلم الذي يحن اليه ويدفع عنه ليست قطعة ارض وجنسية المسلم التي يقر بها ليست جنسية حكم وعشيرة المسلم التي يأوي اليها ويدفع عنها ليست قرابة دم وراية المسلم التي يعتز بها ويستشهد تحتها ليست راية قوم وانتصار المسلم الذي يهفوا اليه ليس غلبة جيش بل وطن المسلم هو دار تحكمها عقيدة ومنهاج حياة وشريعة منالله والجنسية عقيدة ومنهاج حياة
- عاشرا :التأكيد على أن الاسلام تصور مستقل للوجود والحياة تصور كامل ذو خصائص متميزة ومن ثم ينبثق منه منهج ذاتي مستقل للحياة كلها بكل مقوماتها وارتباطاتها ويقوم عليه نظام ذو خصائص معينة وهذا التصور يخالف سائر التصورات الجاهلية قديما وحديثا مخالفة اساسية.
- كما أن وظيفة الاسلام الأولى هي ان ينشئ حياة انسانية توافق هذا التصور وتمثله في صورة واقعية وان يقيم في الارض نظاما يتبع المنهج الرباني الذي اختاره الله وهو يخرج هذه الامة المسلمة لتمثله وتقوم عليه أي ان وظيفة الاسلام هي اقصاء الجاهلية من قيادة البشرية وتولي هذه القيادة على منهجه الخاص المستقل الملامح الاصيل الخصائص بالقدر الذي يلزمنا الا ندع الناس حتى يدركوا ان الاسلام ليس هو مذهب من المذاهب الاجتماعية كما انه ليس أي نظام من انظمة الحكم الوضعية وانما هو الاسلام بشخصيته المستقلة وتصوره المستقل واوضاعه المستقلة.
- احد عشر :استعلاء الايمان اي الايمان بالله الواحد في هذه الصورة التي جاء بها الاسلام هو اكمل صورة للمعرفة بالحقيقة الكبرى .
- انه يمثل الحالة الدائمة التي ينبغي ان يكون عليها شعور المؤمن وتصوره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والاشخاص سواء يمثل حالة الاستعلاء التي يجب أن تستقر عليها نفس المؤمن ازاء كل شيء وكل وضع وكل قيمة وكل أحد الاستعلاء بالايمان وقيمه على جميع القيم المنبثقة من أصل غير أصل الايمان الاستعلاء على قوى الارض الحائدة عن منهج الايمان وعلى قيم الارض التي لم تنبثق من أصل الايمان وعلى قوانين الأرض التي لم يشير لها الايمان الاستعلاء الذي لا يتهادى أمام قوة باغية ولا عرف اجتماعي ولا تشريع باطل ولا وضع مقبول عند الناس ولا سند له من الايمان
- ان المؤمن هو الاعلى سندا ومصدرا وهو الاعلى ادراكا وتصورا لحقيقة الوجود وهو الاعلى تصورا للقيم والموازين التي توزن بها الحياة والاحداث والاشياء والاشخاص وهو الاعلى ضميرا وشعورا وخلقا وسلوكا وشريعة ونظاما
اثنا عشر : الطريق
- لقد كان القرآن ينشئ قلوبا يعدها لحمل الامانة وهذه القلوب كان يجب ان تكون من الصلابة والقوة والتحرر بحيث لا تتطلع -وهي تبذل كل شيء وتحتمل كل شيء – الى شيء في هذه الارض ولا تظر الى الآخرة ولا تصبوا الا رضوان الله قلوبا مستعدة لقطع رحلة الارض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت بلا جزاء في هذه الارض قريب ولو كان الجزاء هو انتصار الدعوة وغلبة الاسلام وظهور المسلمين بل ولو كان هذا الجزاء هو هلاك الظالمين .
- خاتمة:
- من خلال التدقيق في المعالم الاساسية المشار اليها اعلاه يتضح لنا بجلاء ووضوح مدى تطرف فكر سيد قطب وتعصبه تجاهها وتجاه المسائل التي أعتبرها اساسية وبديهية لا يجوز الحياد عنها -لا بل انه ذهب الى ابعد من ذلك عندما كفر من حاول ان يضفي شيئا من الاعتدال والوسطية عليها من بعض رجال الدين والائمة المشهورين في الازهر وخصوصا فيما يتعلق بموضوع الحاكمية والجهاد – أو المجاملة فيها وقد شكل هذا الفكر النواة الاساسية لعمل كافة التنظيمات الاسلامية الراديكالية التي ظهرت في بدايات القرن العشرين ابتداءا من الاخوان المسلمين مرورا بتنظيم القاعدة وتفرعاتهما ممن ركنوا بشكل أساسي اليه لتبرير اعمالهم واضفاء الشرعية القانونية عليها فهم يسعون الى الجهاد الهجومي لا الدفاعي في مواجهة المجتمعات التي يعتبرونها جاهلة و كافرة لتأسيس الدولة الاسلامية التي تكون الحاكمية فيها لله وحده و التي يجب ان تسودالمعمورة كلها في النهاية مهما كان ثمن ذلك الجهاد وان التكفير والعقاب ينتظر كل من يقول بخلاف ذلك ...
فرنسا في 4/6/2018
- المصادر
- كتاب معالم في الطريق –سيد قطب
- كتاب في ظلال القرآن – سيد قطب
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – ابي الحسن الندوي
-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت