الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضويةٌ او رفضٌ للحكم المؤسساتي

ثائر ابو رغيف
كاتب وشاعر

2018 / 6 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فوضويةٌ او رفضٌ للحكم المؤسساتي
ثائـــر أبــو رغيـف

تُعرّف ألفوضى في قاموس المعجم الوسيط في ضمن التعاريف الاخرى للكلمة على انها غياب الحكم واستتباب الفوضى في مجتمع ما. اما الفَوْضَوِيٌّ فهو مَنْ يُحْدِثُ الْبَلْبَلَةَ وَيُخِلُّ بِنِظَامِ الأُمُورِ وَيُمَارِسُ الْفَوْضَى. هذه التعاريف لاتنطبق على مفهوم فلسفة رفض الحكم المؤسساتي والتي يصرُ اجيال من كتابنا, مفكرينا وفلاسفتنا على تفسيرها و ترجمتها على نحو خاطئ بالفوضوية او الفكر الفوضوي فالمرجع الإنگليزي anarchy لايمتُ للفوضى بصلة وفلسفة الرفض (أحاول قدر الإمكان الإبتعاد عن إستخدام مصطلح الفوضوية او كلمة أناركية) هي فلسفة سياسية تدافع عن مجتمعات ذاتية الحكم تستند إلى مؤسسات طوعية والتعريف حسب قاموس ميريام –ويبستر يشير اليها على انها نظرية سياسية تعتبر جميع أشكال السلطة الحكومية غير ضرورية وغير مرغوب فيها وتدعو إلى مجتمع قائم على التعاون التطوعي والارتباط الحر بين الأفراد والجماعات. أصل ألكلمة الإغريقي anarchos يعني شخص بدون حاكم او بدون قائد, هذا النوع من الرفض لايكون بالضرورة فوضى إذ ان الغاية المتوخاة من هذا الرفض هي إستبدال حكم المؤسسة بالحكم الذاتي (الفردي التطوعي) وهذا بحد ذاته نظام إكثر تعقيداً وإنضباطاً من الحكم المؤسساتي الذي مازال يعمل بنظرية القطيع والذكر الاقوى (مهما تعددت اشكاله ومخالبه) فالنُظم والقوانين المؤسساستية؛ وضعية كانت او منسوبة للسماء لم تأتِ لتمنح الفرد حريته بل لتقننها وبحالات اوسع لتصادرها.
جدير بالذكر ان اول إستخدام حديث معروف لهذا المصطلح وأقصد هنا (anarchy ) كان عام 1539 أثناء الثورة ألفرنسية حين قامت الفصائل المختلفة داخل الثورة الفرنسية بإتهام المعارضين بأنهم "رافضون" ولكن الميلاد الرسمي لرفض الحكم المؤسساتي كمصطلح سياسي وفلسفي حدث في منتصف القرن التاسع عشر حين أعلن الفيلسوف السياسي بيير جوزيف برودون نفسه رافضاً للحكم المؤسساتي. لكن هناك اثر لفلسفة الرفض في العهود القديمة فأفضل داعية لفلسفة الرفض في اليونان القديمة كان الفيلسوف زينو الرواقي إذ انه أنكر السلطة الكلية للدولة ، وتدخلها وطبيعة نظامها ، وأعلن سيادة القانون الأخلاقي للفرد, وهناك ايضا فلاسفة المدرسة الكلبية مثل ديوجينس ممن جاهروا برفضهم للحكم المؤسساتي
الامثلة الاوربية اعلاه لاتعني حصر فكر رفض الحكم المؤسساتي بالقارة العجوز فهناك امثلة كثيرة من اماكن متفرقة في العالم مثل ثورة الزنج التي قادها علي بن محمد معلناً لاتباعه وجلّهم من العبيد والمستضعفين من الاحرار انه رجل من بيت النبوة خرج علي العباسيين غضبا لله و طلباً للعدل يريد أن يحررهم من الرق و يملكهم الدور و الاموال و يرفع عنهم ذل العبودية و يورثهم ما بأيدي السادة من متاع الدنيا الذي حرموهم منه بغيا وظلماً كانت استجابتهم السريعة أمراً متوقعاً فما الذي كان بأيديهم يخافون خسارته.
القرامطة ايضا كانت لهم بعض صفات رفض السلطة المؤسساتية فحسب المؤرخ العراقي عبد العزيز الدوري هم بدءوا بفرض ضرائب متصاعدة، وانتهوا بإلغاء الملكية الفردية، وبإقامة اشتراكية مطلقة للأموال، إذ يُنتظر من كل فرد، حتى النساء والأولاد العمل، ويؤخذ من كل إنتاجه، ويعطى لكل حسب حاجته”، وبالبحرين حيث قامت لهم دولة “ألغوا الإقطاع، وأعادوا النظر في توزيع الأراضي ، وألغوا رق الأرض، وقدموا السلف للفلاحين لتشجيعهم على استغلال الأرض، كما أنَّهم شجعوا الصناع، وقدموا لهم المساعدات المالية، وسيطروا على التجارة الخارجية، وساروا على خطى الاكتفاء الذاتي، وعززوا ذلك بضرب نقودهم من الرصاص ليمنعوا انتقال الثروة للخارج، أما السلطة فكانت بيد مجلس من الرؤساء له طابع شوري في الحكم”.
رغم إشتراك فلسفة رفض الحكم المؤسساتي والماركسية في نفس الهدف النهائي ، أي خلق مجتمع حر قائم على المساواة دون طبقة اجتماعية وحكومة ، فإنهما اختلفا بشدة حول كيفية تحقيق هذا الهدف. فإيمان اتباع فلسفة الرفض بأن المجتمع اللا طائفي واللاطبقي يجب أن يتم تأسيسه من خلال العمل المباشر للجماهير و يبلغ ذروته بالثورة الاجتماعية ، ويرفض اتباع فلسفة الرفض أي مرحلة وسيطة مثل ديكتاتورية البروليتاريا التي تُبشر بها الماركسية ، على أساس أن هذه الديكتاتورية ستصبح ذاتية الاستمرارية. يرى مايكل باكونين (أحد اباء فلسفة الرفض المعاصرة) أن الماركسيين يعتقدون ان الحكم الذاتي التطوعي أو الحرية هي الهدف ، في حين أن الدولة والدكتاتورية هي الوسيلة ، وهكذا وحسب هذه المعادلة يكون من أجل تحرير الجماهير ، يجب أولاً استعبادهم.
مهما كانت ايجابيات وسلبيات فلسفة رفض الحكم المؤسساتي فإنها تبقى فلسفة طوباوية ولتعميمها على مجتمع نحتاج الى اناس خارقون فكما ذكرت في المقدمة بوصف هذه الفلسفة على انها نظام إكثر تعقيداً وإنضباطاً من الحكم المؤسساتي, فتفترض هذه النظرة الى ان المجتمع بمجموعه سيحكم نفسه ويدير شؤونه بدرجة صارمة من النزاهة ونكران الذات وهذا امر مستحيل الحدوث.
أما الآن فلننتظر ان يخرج علينا فحل من فحول مجامع اللغة العربية بمصطلح بديل عن فوضوية واناركية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم